العراق يدخل عاماً جديداً على وقع أزمات قديمة


على وقع الأزمات نفسها التي يتم ترحيلها سنة بعد أخرى يستقبل العراقيون عاما جديدا، كل أمانيهم التي تبادلوها فيه هي أن يعم السلام والاستقرار. فعلى مدى 18 عاما مضت بعد تغيير النظام السابق عام 2003 لم يتحقق للعراقيين ما كانت وعدتهم به الطبقة السياسية الحالية التي تمسك بمقاليد السلطة والمال والنفوذ. فالأزمات التي بدأت بعد التغيير مباشرة وفي المقدمة منها أزمة الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والبنى التحتية هي نفسها لم يحصل فيها أي تغيير نحو الأفضل برغم إنفاق عشرات مليارات الدولارات على كل قطاع من هذه القطاعات.

ومع الأزمات التي تتعلق بحياة المواطن العراقي اليومية فإن التنظيمات الإرهابية لا تزال تصول وتجول في البلاد بدءا من «القاعدة» أولى سنوات التغيير ومن بعدها «داعش»، فيما اختلفت الطبقة السياسية حول تحديد مفهوم الإرهاب. هذا المفهوم الذي بقي له عدة توصيفات حتى حين انضم إليه السلاح المنفلت الذي عجزت كل الحكومات العراقية السابقة عن إيجاد حل له. فهناك السلاح الذي تملكه الفصائل المسلحة القريبة من إيران التي تتولى من خلاله قصف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، فضلا عن المواقع التي يوجد فيها الأميركيون في بعض القواعد العراقية قبل انسحاب آخر جندي قتالي منهم أمس طبقا للاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن. وعلى وقع هذا السلاح فقد قامت الفصائل المسلحة أمس بإحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي أمام إحدى بوابات المنطقة الخضراء في الذكرى الثانية لإحراق بعض البوابات الخارجية للسفارة الأميركية. ومع أن ثمن إحراق تلك البوابات كان غاليا جدا، حيث ردت واشنطن وبعد ثلاثة أيام باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني ومعه أبو مهدي المهندس الرجل القوي في الحشد الشعبي الذي كان يستقبله في المطار.

وسوى هذا السلاح هناك السلاح لدى العشائر الذي كثيرا ما تتقاتل به، علما بأن بعض العشائر تملك أسلحة متوسطة وثقيلة، الأمر الذي يضع الدولة دائما أمام امتحان قدرتها على إحكام السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد. ولا يكاد يختلف من حيث الخطورة السلاح المتوفر لدى عصابات الجريمة المنظمة التي تقف خلف بعضها مافيات محمية من بعض أفراد الطبقة السياسية نفسها لا سيما ما يتعلق منها بتجارة المخدرات وغيرها مما بات يدخل إلى البلاد بسبب عدم قدرة الأجهزة الرسمية على السيطرة على المنافذ الحدودية في البلاد.

ومع أهمية وخطورة هذه الأزمات التي لا يلوح في الأفق حل لها، فهناك أزمة البطالة في بلاد تبلغ ميزانيتها السنوية أكثر من 100 مليار دولار. فنتيجة للفشل السياسي المتراكم وبحث الطبقة السياسية عن مصالحها فقط فإنها لجأت خلال السنوات العشر الأولى من التغيير إلى اتباع سياسة التعيين في دوائر الدولة، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي بات يرهق الموازنة العامة للدولة. فطبقا للإحصاءات الرسمية فإن عدد موظفي العراق يفوق عدد موظفي بلدان كبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين. ففي العراق يبلغ عدد الموظفين والمتقاعدين نحو 6 ونصف مليون موظف يستهلكون شهريا أكثر من 5 مليارات دولار رواتب وأجور.

ولأن الجامعات العراقية بما فيها الأهلية تخرج سنويا مئات آلاف الطلبة فإن هؤلاء ونتيجة لفشل الطبقة السياسية في إيجاد حل لمشكلة الوظيفة العامة واستبدالها من خلال تشجيع القطاع الخاص وجلب الاستثمارات فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 40 في المائة بين الشباب، بينما ارتفع خط الفقر إلى أكثر من 30 في المائة. يحصل هذا في وقت دخلت الموازنة العامة للدولة العراقية منذ عام 2003 وإلى اليوم أكثر من تريليون ومائتي مليار دولار هي مجمل مبيعات النفط العراقي التي بلغت نحو ترليون دولار أميركي و200 مليار دولار هي منح ومساعدات أجنبية.

الطبقة السياسية ليست في وارد الاهتمام بكل هذه القضايا الجوهرية. فهي رغم إجرائها انتخابات مبكرة على وقع الحراك الجماهيري الذي انطلق أواخر عام 2019، رافعا شعارا واحدا هو «نريد وطنا» فإنها اختلفت على الانتخابات من حيث المخرجات، ولا توجد الآن مؤشرات على إمكانية تشكيل حكومة عراقية يتطلع إليها المواطن العراقي لحل أزماته بقدر ما هي محاولة من الكتل السياسية إلى تشكيل حكومة تحل من خلالها أزماتها لا سيما الأزمات البينية داخل البيوت المكوناتية. فهناك أزمة داخل البيت السني بشأن من يتولى رئاسة البرلمان، وهناك أزمة داخل البيت الكردي بشأن من يتولى منصب رئيس الجمهورية، وهناك أزمة داخل البيت الشيعي بشأن آلية تشكيل الحكومة في ظل صراع حاد بين مقتدى الصدر، الفائز الأول في الانتخابات، وبين الإطار التنسيقي الذي خسر الانتخابات ويبحث عن تعويض خسائره عبر المناصب والمواقع الحكومية.


تاريخ الخبر: 2022-01-01 08:43:58
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 82%
الأهمية: 91%

آخر الأخبار حول العالم

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:20
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

أضرار لقاح "أسترازينيكا" تسائل آيت الطالب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:17
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 15:26:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية