الاندلسي يكتب عن الابداع الفني في زمن الاستثمار في الازمة
الاندلسي يكتب عن الابداع الفني في زمن الاستثمار في الازمة
إدريس الاندلسي
الفن هو ذلك التعبير الذي لا تقوى الزلازل على إيقافه. و بالطبع كل الزلازل و من ضمنها الوباء و الحروب و المجاعات و أزمات المناخ.
صوت الفن تسمعه الطبيعة و إن عجز عن إسماعه الإنسان . المسرح و الموسيقى و الشعر و الرسم لا تقف خوفا من قوة مهما كان حجمها.
الفن من الهبات التي لا زال الإنسان عاجزا عن السيطرة على منبعها و تجلياتها و ما تبعثه في الأنفس من آثار لا قياس لها.
لو تمكننا من إحصاء التعبيرات الفنية خلال السنتين الأخيرتين لوجدنا أن الفرح لا زال موجودا، و أن التعبير عن الحزن و الفقر و الهشاشة لا زال جميلا و أن من كان يعتبر أن الحزن سيضعف الخصوبة خاب ظنه و تهاوت توجساته.
الفن يعيش في كل الازمان و يتحدى كل الأزمات و يواصل سيره عابرا كل الحقب. مات فنانون في زمن الوباء وولد المسرح العديد من الإبداعات.
مات صباح فخري و ازدهرت موسيقى القدود الحلبية و قد تدفن أجساد و أجساد لكبار و عمالقة السينما و المسرح و الرسم و الموسيقى لكن ملكة الإبداع في هذه المجالات ستعيش مدى الدهر.
الإبداع نور سيظل ينير لأن الشمس و القمر و النجوم لا يمكن لبشر أن يحجب نورهم.
لكل هذا أكره الظلاميين، تجارا كانوا أم بائعي سموم، و أحب من يحبون النور المنبعث من خالق الكون.
ستظل الموسيقى مصدرا للنشوة و الفرح و الأمل. و سيظل المسرح مرآة لواقعنا و نبراسا لغدنا و سيستمر الأمل ما دام التعبير ممكنا في النهار و الليل وستظل كل أشكال الإبداع ممكنة و لو ضاقت الآفاق.
و الصحيح ، مع الأسف، هو أن الفن لا يشكل قوة صد فاعلة أمام هيجان الفقر و الهشاشة لأنه ليس سلاحا للتدمير أو حتى للردع و للتخويف . هناك مهن و مؤسسات خدماتية و إنتاجية استغلت الجائحة و ضاعفت أرباحها لتبيع تحاليل طبية و أدوية و مستلزمات طبية.
و هناك مؤسسات تكسرت أجنحتها في مجال السياحة و الصناعة و الصناعة التقليدية و حتى في مجالات التعبير بالكتابة و الصوت و الصورة . و لكن الدولة و جميع الدول لم تكن لها قدرة على مراقبة من ربحوا كثيرا من الجاءحة و من ربحوا كثيرا منذ أكثر من 20 شهرا في أشياء تزداد قيمتها في زمن الأزمات.
بين الفنان و تاجر الأزمة فرق كبير. المبدع يصنع الأمل في غد أفضل بينما يهتم تاجر الأزمة باشاعة الشؤم و الخوف من اللحظة و الغد. الأول يبحث عن سبيل تقوده إلى دنيا المحبة و حتى إلى فضاء تتبعثر فيه الأوراق من فرط الشك في فعل الإنسان الذي يتعدى ذكاؤه كل مستويات الذكاء العادي بينما ينبري الثاني لاصطياد الفرص و خلق ظروف تحويل يأس الآخر إلى سلع بقيم سوقية عالية المردود المالي.
و سيستمر العالم هكذا سجين طموح و سلطة و قوة لا تعرف حدودا و لا تأبه لآلام غالبية ساكنيه. سيسجل رأسماليو الصناعات الدوائية و المختبرات و بيع أحلام الاستشفاء كل الأرباح، و سيهدون إلى ملاكي البورصات العالمية أرباحا تزيد حجم الرسملة و تقوي تحويل الثرواث إلى الأقوياء.
و هكذا تستمر صناعة المرض و الفقر و الهشاشة و ستزيد أزمة تمركز الثروات بين أيدي أقلية لا تعي أن التوازن أساس العيش على الأرض.
آنذاك سيظل الفن ذلك النبراس الذي يتغنى بالمبادئ الإنسانية و لن يموت رغم طلقات الغدر من اللاانسان. حين ستفرض قيم العدالة بفعل الإنسان و ليس بحتمية مفترضة سيعود شيء من العدل.