هل يصل الشارع السوداني لمبتغاه في إعادة العسكر إلى الثكنات خلال 2022


نهايات العام الماضي المختومة بالحماس الثوري، قادت إلى بداياته الضاجة بذات الحماس في شوارع العاصمة والولايات، رغماً عن توحش آلة القمع؛ فهل يصل السودانيون في خاتمة المطاف لمبتغاهم بإعادة العسكر –هذه المرة- إلى ثكناتهم من دون رجعة.

التغيير: أمل محمد الحسن

على الرغم من حالة الصمت التي لازمت الخرطوم ليلة رأس السنة، بسبب مقاطعة معظم الفنانين للحفلات العامة التي كانت تقام في هذه المناسبة؛ حزناً على شهداء الثورة، إلا أننا لا يمكن أن نصف البلاد بأنها حزينة.

المدينة التي واجهت قمعاً مفرطاً في آخر مليونية في العام الماضي (2021) بتاريخ 30 ديسمبر؛ استقبلت بعض أحيائها ليلة رأس السنة في حراك ثوري وكر وفر مع قوى الانقلاب، وأعلنت لجان مقاومتها جداول التصعيد لأول شهور العام 2022 في حماس تامٍ، وابتدرت العام بمواكب غير معلنة الأحد الماضي، جعلت السلطات الانقلابية تهرع لإغلاق جسور العاصمة خوفاً من وصول الثوار إلى القصر الجمهوري.

ورثة ثقيلة

العام الجديد ورث من العام الماضي أثقل تركة؛ وهي انقلاب العسكر على الشرعية الدستورية في البلاد في أكتوبر الماضي، وهو ما قاومه الشارع السوداني منذ لحظته الأولى.

الثلاثة أشهر الأخيرة في عمر العام الجديد لا تشبه مطلقا بداياته التي اتسمت ببعض الأمل بعد خروج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستقرار سعر العملة المحلية مقابل الدولار وتراجع معدلات التضخم إلى جانب مسيرته الجادة تجاه الغاء ديونه الخارجية وفك عزلته الدولية، وفق الباحث الأكاديمي النور حمد.

وقال حمد لـ(التغيير) إن الأوضاع لم تكن مثالية مع تفكك الأجسام التي كانت يجب أن تنجز الفترة الانتقالية، إذ كانت هناك فجوة بين المكونين المدني والعسكري من جهة، وانفصال بين الحرية والتغيير والشارع، مع محاولات متكررة من الفلول لهزيمة التحول الديمقراطي، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت لانقلاب العام الفائت بتاريخ 25 أكتوبر.

واتهم حمد أحزاب وصفها بـ(الصغيرة) بالانتهازية ومحاولتها لتمكين نفسها داخل أجهزة الدولة، وتمديد الفترة الانتقالية لأنها لا تستطيع المنافسة في الانتخابات، مؤكداً أن كل تلك الأسباب لا تبرر الانقلاب وكل الأخطاء كان يمكن حلها بطريقة أخرى.

النور حمد: العنف لن يخرس الناس

مع الأخطاء التي حدثت في مطلع العام الفائت؛ هل الانقلاب جاء للإصلاح كما أعلن؟ يجيب الباحث الأكاديمي على هذا السؤال بلا قطعية، مؤكداً أن الانقلاب أجندته مختلفة جداً عن الإصلاح.

وقال: “يبدو أن هناك قلة متسلطة تريد ممارسة العنف ونهب الثروات وإخراجها خارج حدود البلاد أما إذا كان رغبة المكون العسكري بناء الدولة فهي لا تبنى إلا بالاستقرار”.

واختلف مع الأكاديمي النور حمد حول الأخطاء التي أشار إليها واعتبرها مسببا للانقلاب؛ نائب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني حمزة فاروق الذي أكد أن أسباب الانقلاب تنحصر في محاولة العسكر قطع الطريق على التمدد المدني والنجاحات الكبيرة التي حققها في بداية العام السابق.

الردة مستحيلة

“الردة مستحيلة” هو أحد أهم شعارات ثورة أكتوبر التي خرج بها الشعب السوداني صبيحة الانقلاب، دون تنسيق أو اتفاق أو حتى قيادة سياسية أو ميدانية، ما يؤكد ما أشار إليه فاروق بتميز الثورة الحالية بوجود الكتلة الحرجة التي كانت القوى السياسية تسعى لبنائها في تاريخ الانقلابات العسكرية بالبلاد.

حمزة فاروق: الثورة تضم كل يومٍ حانق على الانتهاكات

وهذه الكتلة وفق فاروق في زيادة مستمرة لاستقطابها كل يوم حانق على الانتهاكات التي يرتكبها الانقلابيون. إلى جانب وضوح هدفها بتحقيق حكومة مدنية كاملة.

قوى الثورة التي كانت متشاكسة (وفق الأكاديمي النور حمد) قبل الانقلاب في مطلع العام المنصرم؛ توحدت بعده كما أكد عضو تنسيقيات لجان المقاومة مصطفى (منحناه اسماً مستعاراً بعد أن تمّ اعتقال معظم رفاقه).

وقال مصطفى لـ(التغيير) إن الثورة السودانية الحالية لا تشبه أي ثورة حدثت من قبل في تاريخ البلاد، مؤكداً أنها ستظل راسخة في الذاكرة العالمية ليتم الاستشهاد بها مستقبلًا أسوة بالثورة الفرنسية.

مضيفاً: “كثيرون يكتبون عن هذه الثورة الآن، وستخلد أدبياتها وقصصها والفاعلين فيها”.

ووفق عضو لجان المقاومة فإن الاتفاق بين العسكر والمدنيين في 2019 كان مرفوضا من الشارع: مذكراً بحديث الشهيد وليد صاحب العبارة الشهيرة” “انتو اشتغلوا شغلكم ونحن بنشتغل شغلنا”، والذي كان في خطبة مشهورة في ميدان الاعتصام تحدث عن رفضهم للوثيقة الدستورية.

ولاحقاً تم قنص الشهيد وليد وهو يجلس في كرسي أمام منزله بطلقة اخترقت عنقه.

على الرغم من مرارات فقد كثير من الشباب والشابات الحالمين بالتغيير، إلا أن بداخل مصطفى يقين كامل بأن الثورة ستصل لغاياتها وأن الشارع سينتصر.

مصطفى يقول إن يقينه بالانتصار ليس مجرد حلم، مشيراً إلى أن جميع كتب التاريخ تؤكد سقوط الطغاة في نهاية الأمر.

وقال لـ(التغيير): نحن الآن منتصرون، لقد وصلنا القصر الجمهوري ثلاث مرات، وكل ما يملكه العسكر هو خروجهم بسلاح مميت، وهذا العنف المفرط يؤكد فقد العسكر لأي لغة أخرى.

مفاجآت يناير

الثورة مستمرة بذات القوة والإصرار، وكلما يتم الإعلان عن مواكب مليونية تحدث بذات القوة والخروج الكثيف للشوارع، رغم كل العنف الممنهج والاعتقالات.

ويؤكد مصطفى اعتقال عدد من زملائه في لجان المقاومة، مشدداً على أنه التصفية والاعتقال تكون للفاعلين في الأرض فقط ولا تمس السياسيين، ولكن ذلك لا يزيد الثورة الا اشتعالا وقوة.

مع انطلاق العام الجديد ربما توقع البعض أن تخمد نار الثورة، لكن كانت المفاجأة صدور جدول يناير قبل بدايته، وانطلاقة أولى المواكب في اليوم الثاني من العام الجديد، والمدهش أيضا الإعلان عن موكبين خارج الجدول المعلن بمليونياته الست.

مع كل هذه الأحداث المتلاحقة، أكد عضو تنسيقيات لجان المقاومة استعدادهم الكامل لمواصلة المسير، وقال إن الثوار يحضرون لمفاجآت للعسكر في يناير، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

القتل الذي حدث في العاصمة الخرطوم بعد الثورة أكتر بكثير من الذي حدث في عهد المخلوع البشير وفق النور حمد، الذي استنكر العنف المفرط في إعمال آلة القتل والنهب والعنف والترويع. “مع كل الحديث عن حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي”.،قائلاً إن العنف لن يخرس الناس.

أمل جديد

مع بداية عام جديد يزيد الأمل بحدوث تغيير حقيقي في الواقع السياسي والاقتصادي السوداني؛ الحلول لا تخرج من إلغاء الانقلاب كبداية لمعالجة الأوضاع المعتلة بحسب الباحث الأكاديمي.

يقول حمد: “لا بد أن يجلس الجميع لإيجاد صيغة للمشاركة في إدارة الفترة الانتقالية، لا تستثني العسكر، (العسكر في أي صيغة لا يمكن أن يكونوا جزءا من العملية السياسية في البلاد لكن هذا وضع استثنائي)، بعيدا عن الغرف المظلمة ويشارك فيها الشارع”.

النور حمد

على الرغم من التركة الثقيلة التي حملها العام 2021 على ظهره؛ إلا أن العام الجديد بدأ بحماس واستقبله الشارع بتصميم كامل لبلوغ المقاصد: دولة مدنية كاملة.

عضو لجان المقاومة مصطفى يقول: “لا أستطيع القول متى ستنتصر ثورتنا، لكن طال الزمن أو قصر سينتصر الشارع السوداني لا محالة”.

نائب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني يقول: “أنا متفائل في وقت قريب جداً سنستعيد الانتقال ونبدأ مسيرة التحول الديمقراطي، هذا المنعطف لن يكون الأخير”

الباحث الأكاديمي النور حمد يضيف: “أملنا أن يكون العام جديد عام استقرار، لا أعلم لماذا الكبار يزعجون أنفسهم، مستقبل هذه البلاد للشباب، هم الذين سيعيشونه، ولا بد أن يديروه بأنفسهم”.

تاريخ الخبر: 2022-01-04 00:39:57
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية