فجّرت قضية انتحار بسنت خالد، الفتاة المصرية ابنة الـ17 ربيعاً الّتي تخلّصت من حياتها عقب تعرُّضها لابتزاز إلكتروني من شخص رفضت مواعدته، غضباً واسعاً بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي والأوساط الإعلامية في مصر، الّذين أعادوا بدورهم قضية الابتزاز الإلكتروني إلى الواجهة، إذ تتعرّض كثيرات لتلك الظاهرة ويتجنبن مواجهة المُبتَزّ وملاحقته قضائياً خوفاً من "الفضيحة أو الوصم".

وكانت الفتاة الّتي تعاطف مع قضيتها ملايين المصريين، انتحرت بعد ما طالها من ضغط نفسي ضخم من أهالي منطقتها بمدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية بدلتا النيل شمالي مصر، وواجهت قبل انتحارها أقاويل تطال سمعتها جرّاء نشر شابّ مُبتزّ صوراً مُركَّبة ومُفبرَكة لها عبر فيسبوك.

فيما اتّهم نشطاء، غرّدوا تحت وسم #حق_بسنت_خالد_لازم_يرجع، أهل الفتاة والمجتمع بزيادة الضغط النفسي الذي تعرّضت له الفتاة ودفعها إلى الانتحار، مندّدين بمشاركة المجتمع في مثل هذه الجرائم عبر الصمت عنها أو محاولة إخفائها خشية الوصم الاجتماعي، بل وأحياناً استسهال لوم الضحية وتجنّب مواجهة الجاني الحقيقي، الأمر الّذي يشجّع مُبتزّين آخرين على الإقدام على جرائم مماثلة بلا خشية من عواقب فعلته.

جريمة متكرّرة بدوافع متعدّدة

تكررت مأساة الابتزاز الإلكتروني الّذي تتعرّض لها الفتيات والنساء المصريات على مدار الأعوام الماضية مع التقدّم التكنولوجي الهائل وسرعة نقل المعلومات، مما مهّد لظهور نوع من المجرمين يستخدمون هذه التقنيات لتنفيذ جرائمهم بواسطتها عبر استغلال الفتيات لتحقيق مكاسب مادية وأحياناً جنسية.

وانتشرت بين حين وآخر قصص متشابهة، إذ يُقدِم أحد المُبتزّين على تهديد ضحيته ملوّحاً بنشر مقاطع خاصة لها أو صور مُفبركة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، ما لم تنفّذ الضحية رغبته سواء المادية أو الجنسية. فيما يشير متابعون إلى أنّ الضحية غالباً ما تكون فتاة لا يعرفها الجاني من الأصل وحصل على رقم هاتفها أو حسابها الإلكتروني على نحو غير قانوني، أو قد يربطها بالشخص المُبتزّ علاقة سابقة أو حتّى صلة قرابة.

ففي أكتوبر/تشرين الأوّل الفائت تلقّت مديرية أمن الدقهلية إخطاراً من فتاة تُبلغ من العمر 29 عاماً، تقيم بمدينة المنصورة، تتّهم فيه شقيقها الأصغر البالغ من العمر 21 عاماً، باستدراجها داخل سيارة خاصة مستعيناً بصديق له بغرض اغتصابها وتصوير فيديو فاضح لها يُستخدَم لابتزازها وإجبارها على التنازل عن الميراث. وتُظِهر تلك القضية أنّ الابتزاز الإلكتروني بات شبحاً يهدّد المجتمع المصري على نحو متصاعد، ليس فقط عبر مجرمين أو مرضى نفسيين، بل أحياناً بين الأشقاء وأفراد الأسرة ذاتها.

"قاوم"

أطلق محمد اليماني، وهو مدير تسويق وناشط مصري، صفحة "قاوم" على موقع فيسبوك، لتكون بمثابة الملاذ لمعظم الفتيات اللاتي يتعرّضن للابتزاز على الإنترنت، ويحاول اليماني من خلالها زيادة الوعي بقضية التحرّش الجنسي والابتزاز الإلكتروني.

وتعمل الصفحة عبر استقبال رسائل وشكاوى عن طريق فريق من المشرفين يتكوّن من أكثر من 20 فتاة تدرّبن على نحو احترافي لدعم صاحبة الشكوى نفسياً في المقام الأوّل، ثم تشجيعها على اتّخاذ خطوات قانونية لملاحقة واستعادة حقها ضد المبتز.

ولا يتوقّف فريق عمل "قاوم" عند النُّصح وإرشاد الضحية إلى سبل اتّخاذ الإجراءات المناسبة، بل تُجمَع المعلومات المطلوبة لتدخُّل "فريق الحلّ" المؤلَّف من نحو 200 شابّ، مهمتهم دراسة حيثيات الحالة كافة وتحديد وسيلة الحل المطلوبة، والتواصل مع الجاني ليتراجع عن فعلته على الفور وإلّا فمواجهة الملاحقة القضائية.

مبتز كفر الزيات … كان بيلهس ورا ١٠٠٠ جنيه والبنت واخدة اللقاح تعبانه وهو قاعد يهددها لا وايه بيقولها هاخد فلوس اكتر ...

Posted by ‎Qawem قاوم‎ on Wednesday, September 22, 2021

جريمة مُركَّبة

في حديث مع جريدة "الشروق" المصرية، قال اليماني إنّ "الابتزاز أصبح ظاهرة في المجتمع المصري، لأنّ عدد الحالات في ازدياد يوماً بعد يوم، فتتسلم "قاوم" يومياً 700 حالة ابتزاز على الأقلّ، وقد يصل عدد الحالات في اليوم الواحد إلى ألف حالة"، وأوضح أنّ صفحته "استقبلت منذ إنشائها في يوليو/تمّوز عام 2020، ما يزيد على 400 ألف حالة ابتزاز".

وتصف الناشطة المصرية ورئيسة المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان، جريمة الابتزاز الإلكتروني بـ"الجريمة المُركَّبة". فأولاً يُقدِم الجاني على استخدام صور على نحو غير قانوني والعمل على فبركتها، الّتي أوضحت أبو القمصان أنّها جريمة تصل عقوبتها إلى الغرامة والحبس. فيما تُعتَبر الجريمة الأخرى هي جريمة الابتزاز نفسها، الّتي ينصّ القانون المصري على معاقبة المعتدي بها "بالحبس مدة لا تقلّ عن 6 أشهر وغرامة لا تقلّ عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه (نحو 3180-6355 دولاراً أمريكياً)، أو بإحدى العقوبتين".

وتضيف الناشطة بمجال حقوق المرأة أنّ الدولة المصرية "تكثّف جهودها لمكافحة تلك الظاهرة عبر وحدات متخصّصة منتشرة بمديريات الأمن في المحافظات المصرية كافة، إضافة إلى تدشين خط ساخن وبريد إلكتروني لتقديم بلاغات بحقّ جرائم الابتزاز الإلكتروني"، مشدّدة على دور الأسرة في دعم الفتيات اللاتي يتعرّضن لمثل تلك الجرائم في طمأنتهن ودعمن لاتّخاذ الخطوات القانونية الصحيحة لملاحقة الجاني.

TRT عربي