بقلم: لبنى فواز
مديرة التحرير في CNBC عربية
أسأل نفسي أحياناً: لو عاد بي الزمن 25 عاماً للوراء، هل كنت لأدخل عالم الصحافة؟
إجابة هذا السؤال تأتي متجاهلة كلّ التوتر اليومي: لم أكن لأستبدل الصحافة بأيّ مهنة أو شغف آخر!
لكن بعيداً عن الرومانسية، فإن هذا الشغف يأتي بحمولة كاملة! فالإعلام تطور، وانتقل الى الفضاء ومن ثم الى العالم الرقمي، وسيخوض بلا شك آفاقاً جديدة بعد، لكن الأصل الذي يحكم أبجديات الصحافة يبقى دائماً هو نفسه: الأمانة، النزاهة، الحيادية.
واليوم أكثر من أيّ وقت فإن التمسّك بهذه المحاور الثلاثة يبدو تحدياً متواصلاً مع صدور كل خبر ومواجهة كلّ منافسة وتغطية أيّ حدث...
لست هنا بوارد تكرار كليشيهات معروفة عن نزاهة وحيادية الصحافة أو لادّعاءٍ في غير مكانه خاصةً وأنّ من يعمل في مهنتنا يعرف يقيناً أنّ التشدّق بنظريات عامة مختلفٌ تماماً عن إمكانية تطبيقها واقعاً !
لكن من العدل أن نروي كيف نعمل، كيف نصمد، وكيف ننافس ونخوض معركةً يوميةً مع أنفسنا قبل أيّ طرفٍ خارجيّ فنتحصّن بمهنيتنا ونؤدّي عملنا بأفضل صورة ممكنة.
ففي وقتٍ تحوّل فيه كلّ شخصٍ على الكوكب إلى مراسلٍ وصحفيٍّ وخبير، بات ما من رقيبٍ ولا حسيبٍ على طبيعة الأخبار التي تُضخّ بحجمٍ مهولٍ ممّا يصعب تدقيقه في بعض الأحيان ويضع العاملين في مجال الإعلام تحت ضغط رهيب!
لكنّ الحفاظ على اسم بقوّة وعراقة CNBC عربية أمرٌ لا يمكن التفريط به وهو مسؤولية يتشاركها كل أفراد المؤسسة في أي منصب كانوا. والممارسة العملية أثبتت أن إدارة الدّفة ليس في النّأي عن طرح بعض الملفات وإنّما في كيفية طرحها وفي البعد عن دسّ السمّ في العسل والتركيز على الهدف وهو: تقديم المعلومة المهمّة والمفيدة!
هذا الأمر يصبح محورياً في قناة إعلامية متخصّصة لا يمكنها التعامل مع أخبار الشركات، خاصّة المدرجة منها بخفّة. هذا النهج لم يأتِ مجاناً، فنحن دفعنا ثمنه مراراً وتكراراً إما بالتأخر في نشر بعض الأخبار لحين التحقّق منها أو في تخلّينا عن قصصٍ مثيرةٍ لأنه لم يسعنا تأكيدها من مصادر موثوقة.
وبعيداً عن محاولات إدّعاء العمل في مدينةٍ فاضلةٍ خاليةٍ من العقبات والإغراءات وضغوط المنافسة، نحرص يوميا على خوض شرف المحاولة، ونسعى أمام كلّ مطبٍّ جديد إلى تطبيق أبجديات الصحافة! فلا نهلّل ولا نُخفي، بل: نخبر.
لكن الضغط الأكبر يأتينا من الصمود في وجه المقارنات المجحفة. فكيف يمكن مقارنة عملٍ صحافيٍّ متخصّصٍ مع إعلامٍ مفتوحٍ على مدار الساعة وهواءه يتّسع لجدال السياسة وطلاق الفنّانين وتكهّنات المنجّمين؟
نرفع الصوت بأن سباق الأرقام ليس عادلاً دائماً وأنّ هوية المؤسّسة التي نحمل اسمها ونهجها أهمّ من تصدّر الأرقام. وعلى مدى العشرين عاماً الماضية، حرصنا على احترام عقل شريحة المتابعين الناضجين الذين نتوجه إليهم وخلصنا إلى أنّنا لن نرضى بنشر فيديو لا يرقى الى مستوى علامتنا ومهنيّتنا فقط لرفع نسبة مشاهداتنا... في المرة المقبلة التي تفتحون فيها شاشة أو موقع CNBC عربية، لن تشاهدوا فيديو لشجار قطّتين أو لمناظرة سياسية مثيرة لكنّكم ستجدون بالتأكيد مادّةً مهمّةً عن كيف سيؤثر التضخّم على مدخّراتكم.
كم كنت محقّة باختيار الصحافة شغفاً ومهنةً، وكم أنا فخورةٌ بممارستها اليوم بشكلها الرصين!
