بعد مرور عام على أحداث "الكابيتول" الّتي وقعت في 6 يناير/كانون الثاني 2021، إذ اقتحم المئات من مؤيدي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب جلسة مجلسَي النواب والشيوخ المشتركة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، التي انتهت بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، يتساءل معنيون بالشأن الأمريكي عن مدى احتمالية وقوع حرب أهلية أمريكية.

ويشير عديد من المراقبين والمختصّين بالسياسة والتاريخ الأمريكي إلى أنّ الخيال الجمعي للشعب الأمريكي يمتلك تربة خصبة تسمح باندلاع حرب أهلية بين أبناء الشعب صاحب النسيج العرقي والثقافي المتعدّد.

ورغم الشعارات الأمريكية الرنانة الّتي تفتخر دائماً بالنسيج الوطني متعدّد الأطراف، فإنّ ذلك يؤدّي كذلك إلى حالة انقسام واختلاف مستمرّ وطويل المدى بين أبناء الشعب الواحد. وحسب الكاتب الأيرلندي فينتان أوتول، فإنّ الثقافة الأمريكية مُهيأة بالفعل لفكرة "المعركة النهائية".

كما يعدّد خبراءُ أسباباً سياسية هيكلية، وأزمات متعاقبة بالنظام الفيدرالي ونظام الحزبين الأمريكي، وكذلك نظام الانتخاب وتوزيع نسب الأصوات على الولايات الأمريكية المختلفة، تُسهِم في خلق تربة مناسبة قد تمهّد في القريب العاجل لنشوب حرب أهلية أمريكية.

انقسام واقتتال قبلي

ويتطرّق أوتول إلى عوامل كثيرة غير سياسية، بل أغلبها اجتماعية وثقافية مترسّخة لدى كثير من عموم الشعب الأمريكي، ويذكر فكرة أعمق تجذُّراً وأوسع انتشاراً بين اليمين المتطرّف، هي "نذير النعيم الأبدي للمختارين واللعنة الأبدية على أعدائهم". ويوضح الكاتب الأيرلندي أنّ أفكار اليمين المتطرّف الأمريكي، الّذي أشار إليه كذلك بـ"الجناح المسلَّح للحزب الجمهوري"، جعل "اقتراب الحرب الأهلية أمراً مفروغاً منه".

ووفق مقال أوتول الّذي نشره بمجلة "ذي أتلانتيك"، فإنّ "نظام الحكم الفيدرالي في أمريكا يمنح الأقلية الموجودة في السلطة فرصة قمع الأغلبية"، كما أنّ النظام السياسي الأمريكي يزيد فرص الاقتتال القبلي، إذ "يتسامح، على نحو فريد بين الدول المتقدمة، مع وجود عدّة مئات من الجيوش الخاصة المجهّزة بأسلحة حرب نظامية".

وذكر الكاتب الصحفي الأمريكي ستيفن ماركي أنّه في الوقت الحالي يتدرب مختلف المليشيات الأمريكية على تسليح نفسها "استعداداً لسقوط الجمهورية". كما تنتشر "عقائد الحرية المسيحية الراديكالية غير القابلة للتحقيق، عبر الإنترنت وفي الراديو وعلى شاشات التليفزيون وفي مراكز التسوّق".

أسباب سياسية هيكلية

يُردِف ماركي بأنّ الوضع الراهن في الولايات المتحدة ينذر باندلاع حرب أهلية وشيكة، وأنّه يشبه اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية على حين غرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1861-1865)، عندما لم يكن يخطر على بال أحد حدوثها ولم يكن مستعدّاً لها، فالواقع الأمريكي اليوم يشهد ظروفاً مماثلة مواتية لنشوب حرب أهلية رغم رفض كثيرين تلك الحتمية.

ويعدّد مقال الكاتب المنشور بصحيفة "الغارديان" أسباباً سياسية هيكلية وفورية، إذ تخلق "أزمة متسارعة طويلة الأمد، جرّاء انتشار حالة الغضب على النظام السياسي الأمريكي، لدرجة أنّه حتّى أبسط المهامّ الأساسية للحكومة أصبحت مستحيلة بشكل متزايد".

وفي أثناء حالة فقدان الثقة بالحكومة واسع الانتشار بين أبناء الشعب الأمريكي، يصبح النظام القانوني كذلك أقلّ شرعية تدريجياً. وبات العُمَد المنتخَبون يشجّعون علناً مقاومة السلطة الفيدرالية، حسب الكاتب ذاته.

أزمة مؤسساتية غير مسبوقة

يلفت متابعون إلى أنّ شبح الحرب الأهلية في الولايات المتحدة قد لا يخلّف بالضرورة مئات آلاف القتلى بساحات القتال حال اندلاع حرب جديدة، بل إنّ هذه الحرب الجديدة ستُخاض في المحاكم والدوائر الرسمية للدولة وصناديق الاقتراع.

وينوّه تشارلز بلو في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" بأنّ هذا لا يعني أنّنا لا نشهد موجات عنف شديدة، إذ يرى الكاتب "كثيراً من أوجه التشابه غير المستقرّة بين ما كان يحدث منذ ما يقرب من 200 عام وما يحدث الآن، وهذا البلد على شفا حرب أهلية أخرى".

ويعود ستيفن ماركي ليحذّر من أنّه رغم مقدرة الشعب الأمريكي على تجاوز مآسٍ وكوارث وطنية لا تزال حاضرة في الذاكرة الحية، مثل حرب فيتنام واغتيال جون كنيدي ومارتن لوثر كينغ، وكارثة "ووترغيت"، فإنّ الولايات المتحدة لم تواجه قط أزمة مؤسسية كالّتي تواجهها الآن، إذ كانت ثقة الشعب الأمريكي بالمؤسسات أعلى بكثير خلال العقود الماضية، وهو العكس تماماً في الوضع الراهن.

يُشار إلى أن الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) كانت اندلعت بين قوات حلف الجنوب الكونفيدرالي ضدّ جيوش الشمال الاتحادية، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي حينئذ إبراهام لينكولن تحرير العبيد، وانتهت بوحدة أراضي الجنوب مع الشمال، تحت رئاسة لينكولن، الذي قتله لاحقاً مؤيّد للكونفيدراليين، الذين كان الجنرال لي أحد قادتهم.

TRT عربي