حتى تكون استثمارات التأمينات الاجتماعية متوازنة ومستدامة


السياسات العامة السعودية وإدارة المالية العامة للدولة أصبحت تعبر عن قيم وضوابط برؤية مستقبلية طموحة رسمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس رؤية المملكة 2030. ومن نتائج هذا التحول الكبير بناء منظومة استثمار في القطاع العام تعد ركيزة أساسية للقوة المالية للمملكة لمواجهة الالتزامات المستقبلية. ومن أهم الإنجازات في منظومة الاستثمار العام إنشاء أول صندوق سيادي سعودي، الذي أصبح في وقت قصير أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم وأكثرها نشاطا وديناميكية ووضوحا في أهدافه. وكذلك إنشاء صندوق التنمية الوطني من خلال دمج أجهزة الاستثمار في جميع صناديق التنمية الحكومية تحت مظلة واحدة لتصبح في مجموعها قوة مالية كبيرة تسهم في تطوير الاقتصاد السعودي وتوفير فرص استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين. يرأس ولي العهد مجلس إدارة كل من صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني. وقد تم التأسيس لكل منهما بضوابط وحوكمة واضحة لا تقل عن أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال.
وفي تلك المنظومة للركائز الأساسية لقطاع الاستثمار العام في المملكة، لا تزال الحلقة الضعيفة تتمثل بشكل واضح في جهاز الاستثمار في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الذي لم يواكب التغيرات والرؤية وبقي على المستوى الإداري والمهني الضعيف نفسه، كما كان عليه قبل تنفيذ رؤية المملكة 2030 ولا يرقى لمستوى أجهزة الاستثمار الرئيسة في المملكة وصناديق التقاعد العالمية. ولا يزال كذلك بعد عملية الدمج مع شركة الرائدة التابعة للمؤسسة العامة للتقاعد وربما أكثر خطورة مما سبق نظرا لحجم الاستثمار الكبير الذي تضاعف إلى أكثر من تريليون ريال مع شبه انعدام للرقابة والحوكمة. فلا توجد لجنة استثمار مستقلة منبثقة من مجلس الإدارة كما هو معمول به في صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني ولا يوجد رئيس لمجلس إدارة شركة حصانة للاستثمار سواء محافظ المؤسسة كما نص النظام أو شخصية حكومية مستقلة أو ممثل متخصص من مجلس إدارة المؤسسة. أحد مساعدي المحافظ هو الرئيس الحالي لمجلس إدارة شركة حصانة للاستثمار المسؤولة عن إدارة أكثر من تريليون ريال، نحو ضعف حجم صندوق التنمية الوطني وثاني أكبر جهاز استثمار في المملكة بعد صندوق الاستثمارات العامة. كذلك غياب أدنى معايير الشفافية، فلا يوجد موقع لشركة حصانة على شبكة الإنترنت وكأنها صندوق خاص لمجموعة من التنفيذيين. ولذلك، فإنه لا يستغرب انفراد التنفيذيين في شركة حصانة بالقرار الاستثماري وغيره خلال وبعد عملية الدمج بما في ذلك مغادرة أو فعليا تسريح جميع مديري الاستثمار في شركة الرائدة التابعة للمؤسسة العامة للتقاعد All C-Level مع تثبيت جميع المديرين التنفيذيين في شركة حصانة. هذه لا شك أمثلة واضحة على غياب الرقابة Oversight.
ومن الأهمية أيضا رفع مستوى المصداقية لما تعلنه شركة حصانة عن الأداء، فالإعلانات الأخيرة المتكررة من قبل التنفيذيين في شركة حصانة عن مستوى الأداء تثير الاستغراب مع غياب كامل لمحافظ المؤسسة ورئيس مجلس إدارة شركة حصانة. المعروف لدى المختصين أنه من دون احتساب أداء أصول الأسهم المحلية الساكنة لدى المؤسسة العامة للتأمينات (التي لا تدار من قبل شركة حصانة وتمثل نحو 35 في المائة من محفظة التأمينات) وارتفعت قيمتها بشكل تلقائي نظرا للارتفاعات القوية لسوق الأسهم السعودية، فإن أداء شركة حصانة وحدها ربما ينخفض بشكل كبير عما تم إعلانه من قبل التنفيذيين فيها، ويقل بكثير عن المستوى العام لصناديق التقاعد العالمية.
وضع الاستثمارات الخارجية بالذات في شركة حصانة يكتسب أهمية، خاصة فيما يتعلق بمركز الدولة والمالية العامة. يبلغ مجموع أصول الاستثمارات الخارجية في شركة حصانة ما قيمته أكثر من نصف تريليون ريال. مصدر الدولارات التي تستخدمها المؤسسة العامة للتأمينات للاستثمار خارج المملكة هو البنك المركزي السعودي "ساما". يتم ذلك عن طريق السحب من احتياطي الدولة من العملة الصعبة لدى "ساما" مقابل الريال وليس شراء الدولار في السوق العالمية كما هو الحال بالنسبة إلى صناديق التقاعد العالمية. صناديق التقاعد العالمية في أمريكا وأوروبا واليابان لا يسمح لها ولا تحتاج إلى السحب من احتياطيات البنك المركزي. عملات تلك الدول متداولة في الأسواق العالمية شراء وبيعا من دون أي سحب من احتياطيات البنك المركزي. السبب في هذه المفارقة أن الريال السعودي ليس عملة دولية متداولة في الأسواق العالمية. مرجعية الريال في التحصيل ثابتة لدى البنك المركزي السعودي "ساما" مدعوما باحتياطي العملة الصعبة. وهذا فرق مهم يتطلب مراجعة وضع الاستثمارات الخارجية للهيئات الحكومية السعودية في إطار ضوابط المالية العامة للدولة. المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تعد الأهم في هذا الشأن نظرا إلى حجمها الكبير. فيما عدا الصندوق السعودي للتنمية (المساعدات التنموية الخارجية) وصندوق الاستثمارات العامة حيث طبيعة العمل تتطلب الاستثمار بالعملات الأجنبية، يصل حجم الاستثمارات الخارجية لدى التأمينات إلى ما يقارب عشرة أضعاف الاستثمارات الخارجية لدى صناديق التنمية الحكومية مجتمعة.
كان الهدف في السابق من الاستثمارات الخارجية هو تنويع استثمارات الصناديق الحكومية دوليا ولا سيما أن مجال الاستثمار في المملكة كان محدودا، ولتوفر مبالغ ضخمة من الدولارات لدى البنك المركزي السعودي "ساما" نتيجة للارتفاعات المتوالية في إيرادات الدولة من البترول. كانت الاحتياطيات من الدولار لدى "ساما" تفوق الاحتياجات التنموية للمملكة مع عدم وجود صندوق سيادي مستقل لاستثمار تلك الثروة. لذلك كان سحب جزء من احتياطيات الدولار من البنك المركزي لمصلحة تلك الصناديق مقابل الريال أمرا مقبولا في ظل الإطار الحكومي المعمول به في ذلك الوقت. الوضع الحالي يختلف اختلافا جذريا ويتطلب إعادة النظر وتقييم السياسات السابقة في الإطار الجديد لعمل الحكومة ومركز الدولة المالي، خاصة مع إنشاء أول صندوق سيادي سعودي وبرامح رؤية المملكة 2030 التي تنطوي تحتها فرص استثمار محلية هائلة لم تكن موجودة في السابق. وحيث إن جميع التزامات التأمينات بالنسبة إلى المتقاعدين هي بالعملة المحلية وليست بالعملات الأجنبية، فإنه لا يوجد في الوقت الحالي تبرير اقتصادي لاستثمارات خارجية لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية خاصة مع الضعف الشديد في مستوى الكفاءات القائمة على تلك الاستثمارات.
الأهمية قصوى لتصحيح وضع الاستثمارات الخارجية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وما يثير الملاحظة لدى كثير من المختصين أنه في الوقت الذي تسعى فيه المملكة بمختلف أجهزتها لتسويق فرص الاستثمار الكبيرة في رؤية المملكة 2030، تقوم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالاستثمار خارج المملكة بأكثر من نصف تريليون ريال مسحوبة من احتياطيات العملة الأجنبية للدولة. حجم هائل من الاستثمارات خارج المملكة لا يتناسب مع طبيعة عمل التأمينات والتزاماتها المستقبلية، خاصة مع توفر فرص استثمارية محلية هائلة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين. المطلوب أن تكون استثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في مجملها محلية سعودية بالريال تتطابق مع التزاماتها للمتقاعدين بضوابط وحوكمة وكفاءات جديدة تجعلها شريكا لصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني في دعم الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي وتحقيق عوائد أكبر لمواجهة الالتزامات المستقبلية. يمكن أن يتم ذلك عن طريق إصدار سندات خاصة بعوائد جيدة من وزارة المالية وصندوق الاستثمارات العامة بالريال للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مقابل تلك الاستثمارات الخارجية. أي أنه تنتقل إدارة تلك الاستثمارات الخارجية بقيمتها الحالية إلى "ساما" (عن طريق وزارة المالية) وإلى صندوق الاستثمارات العامة - نظرا إلى طبيعة عمل الجهتين. وفي ذلك حفظ للمال العام وتقوية لمركز الدولة المالي.
يرى عدد من المختصين أن أحد الأسباب الرئيسة المهمة للمستوى المتأخر في الرقابة Oversight على جهاز الاستثمار في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ناتج في المقام الأول عن تسمية هذا الجهاز الاستثماري الضخم "شركة"، حيث تمكنت التأمينات وشركة حصانة خاصة بهذه الصفة القانونية المستحدثة منذ نحو عشرة أعوام من تفادي أي رقابة أو محاسبة حكومية حقيقية. التصنيف الائتماني لمؤسسات التقاعد يعتبر تلك المؤسسات جهات حكومية مسؤولة عن المال العام General Government وليست جهات مستقلة عن الحكومة كما كان يعتقد البعض في السابق. مقومات المال العام بالنسبة إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، مدخرات الموظفين والمتقاعدين وحصة الحكومة (المالية العامة) في أقساط التقاعد. لذلك لا بد من مراجعة جديدة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وأحد الحلول لإصلاح جهاز الاستثمار يبدأ بتعديل المسمى والصفة القانونية من مسمى "شركة حصانة" ليكون "صندوق التأمينات الاستثماري" أو "صندوق التقاعد السعودي" Saudi Pension Fund كغيره من صناديق الاستثمار الحكومية الرئيسة. يكون رئيس هذا الصندوق شخصية حكومية رفيعة المستوى. وينطبق على هذا الصندوق ما ينطبق على الصناديق الحكومية الأخرى في الرقابة والحوكمة. هذه هي المسميات والضوابط المعمول بها دوليا في صناديق التقاعد العالمية. لا شك أن هذا الإصلاح والتطوير سيسهم بشكل كبير في تعزيز قدرة المملكة على مواجهة الالتزامات المستقبلية للمتقاعدين وفي دعم وتقوية الأمن الوطني الاقتصادي للمملكة على الأمد البعيد. كذلك إبراز استثمارات التقاعد في المملكة بشكل مهني رفيع المستوى وكقوة استثمارية سعودية كبرى مع صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني.

* نقلا عن صحيفة الاقتصادية.

تاريخ الخبر: 2022-01-11 14:17:25
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 99%
الأهمية: 100%

آخر الأخبار حول العالم

اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-28 09:22:33
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

بسبب انخفاض الذكور.. 90% في اليابان يدعمون فكرة تولي امرأة م

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-28 09:22:38
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-28 09:24:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

أعضاء مجلس الأمن يعربون عن قلقهم بشأن تصاعد التوتر في السودا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-28 09:22:28
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

وزارة الدفاع تعلن وظائف عسكرية للجنسين - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-28 09:23:59
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية