قال الدكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا، خلال الندوة التي أقيمت بمنتدي الاستقلال الثقافي، للاحتفاء بتجربة الكاتب الروائي القاص عادل عصمت: بحبكة فنية محببة للنفس تصل إلينا الوصايا العشر التي يهديها الجد قبل يومين من موته إلى شاب جامعي تعثر في دراسته وتخبط في مسيرة عمله.

وتابع معتمد موضحا: الوصايا العشر هي: خلاصك في مشقتك؛ إياك والعمى؛ المتعة عابرة كالحياة؛ كن يقظا وقت الأفراح؛ الثروة مثل الدابة عليك أن تسوقها؛ احذر أن تقتل أخاك؛ الأحزان سموم القلب؛ تحمل الألم؛ المحبة دواء أيام الباطل؛ أعظم الفضائل في التخلي.

لو طالعنا هذه الوصايا بشكلها المباشر لكنا أمام نص إرشادي توجيهي أبوي، لكن بما أن الأدب ليس وعظا بل نقل خلاصة الحياة بطريقة مستترة فقد جاءت الوصايا في ثوب أدبي وملحمي اتخذ من طنطا مسرحا مركزيا ومن علاقة الإنسان بأرضه ومجتمعه موضوعا رئيسا.

تتناول الرواية كل وصية بشكل أقرب إلى فصل من فصول كتاب الحياة،  يستهل كل فصل بتبيان الوصية بطريقة بلاغية أقرب إلى عبارات حكماء العصر الذهبي للغة العربية، ثم يبدأ الرواي في عرض من أين جاءت تلك الوصية وعلاقتها بمسيرة أبطال الحياة.

تسأل نفسك خلال هذا العمل: هل حشد الأديب كل تلك الصور من حياة أبطاله بعد أن شرع في كتابة الرواية وحدد وصاياها؟ أم أنك ستميل مثلي إلى الاعتقاد بأن الأديب كانت لديه خزانة كبرى للحكايات والمشاهد والعادات والتقاليد والطقوس والصور والأخيلة كتبها عبر سنوات طويلة واحتفظ بها لكي تصبح جاهزة للاستشهاد ذات يوم.

ــ أطياف ومخاوف نهاية الرحلة
وحول المجموعة القصصية "مخاوف نهاية العمر" قال "معتمد: أمضيت خمس ساعات متصلة للسباحة في القصص السبع التي أبدعها الأديب عادل عصمت. حسدت نفسي في النهاية، كيف حصلت في بضع ساعات على خبرة عشرات السنين، ليس فقط من الزوايا العديدة التي نظر منها الأديب إلى الحياة بل لأنني أيضا أقرأ واحدة من أحدث أعماله وقد تجلت فيها كل خبراته السابقة.

مسرح أحداث القصص السبع يترامي من ليبيا في الغرب إلى الكويت والعراق في الشرق، وفيما بين الطرفين يقع موطن بطل الحكايات: "طنطا"  قلب الدلتا ونقطة الانطلاق والعودة.
نستهل المجموعة بـ "قصة الفجر" وهي حكاية مكثفة لمسيرة حياة ثوري متقاعد، لم يتقاعد الثوري عن العمل بل عن رحلة الحياة. يستمع بطل القصة، الشاب المحبط الغارق في تفاصيل منهكة، إلى كل خبرة الاعتقال عند عم "نسيم" الذي عمل محاميا شابا يدافع عن حقوق العمال وشارك مع حركاتهم ولقي معهم الاعتقال فنقل لنا صورة حية لما دار في السجن والتعذيب مع رفقاء المصير وكيف تتولد الأشعار والأفكار من رحم الألم.

وأوضح "معتمد": ورغم أن الراوي هنا شاب محبط، ابن المدينة الذي لا يستطيع أن يتشارك مع "عم نسيم" هموم الماضي، إلا أننا نفهم تماما من خلال الحوار ما الذي يقصده عم نسيم من أن السجن كان له "أجمل أيام حياته" التي توشك على النفاد الآن. والقصة في مجملها لقاء ممتع بين جيلين، ونمطين من الهموم، وشكلين من أشكال الوعي، ومزج بديع من تبادل المشاعر والخبرات.

ــ عادل عصمت يعيد قارئه إلى تقنيات الأدب الروسي
وعن قصة "لن أتذكرك أبدا" قال معتمد: يعيدك عادل عصمت إلى تقنيات الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، حيث الأديب يقوم بثلاثة أدوار في وقت واحد: محلل نفسي، وفيلسوف، وعازف كلمات. فالبطل والراوي هنا حالة متكررة تشبهنا تماما من النفس البشرية المعرضة لشحنات وتجارب مكثفة مؤلمة ومتناقضة والتي تبدأ من ريف وسط الدلتا وتنتهي إلى ليبيا في الغرب والتي عمل فيها البطل بين أساتذة مغاربة جاءوا بفلسفة فرنسية من نظريات الكتب بينما قارعهم هو بفلسفة الحياة التي يبدو أنها تفوقت على نيتشه وما بعده.

في هذه القصة لا يمكن أن تفصل نفسك عن الراوي، أنت وهو تصبحان مزيجا واحدا وتراجعان معا كل مفاهيم الحياة الصعبة: الخيانة، الأمل، الحياة وما بعدها، الموت وتبادل أدواره.

أما القصة التي تحمل عنوان "الوطن" فتمس كل من جرب الغربة. بطل قصتنا شاب من طنطا اغترب في دول الخليج ويشتاق إلى زيارة قبر أمه. تبدو القصة للوهلة الأولى بسيطة متكررة. لكن الأسئلة الصعبة أن أمه تطارده في الأحلام، تطالبه بأن يكمل دفن بقية جسدها لأن شيئا من جسدها لم يكتمل في القبر. يعيش بطل قصتنا مع هذه الأطياف والمخاوف ولا يهتدي إلى تلبية وصية أمه التي لا تتوقف عن زيارته في نومه.

المدهش أن الطريقة التي يتبعها عادل عصمت هنا تحتفظ بقدر من التشويق لكنها لا تنزلق إلى مستوى الألغاز والقصص البوليسية، عادل عصمت هنا أخذ أجمل ما في التشويق وأبقانا معه في عزف إنساني صادق وإبداعي.