يقدمه: محمد الشندويلى
دراسة جديدة ـ تدحض مفتريات من يحاولون اثارة بعض اختلافات الأئمة فى مسائل معينة ـ وقد أجمع العلماء إذا اختلف البعض فى أمر شرعى لم يرد فيه نص قرآنى أو نبوى ينهى عنه أو مصدر من مصادر التشريع المعتبرة تثبت حرمته ألا نختلف ونصبح وفرقاً متناحرة ـ ويرمى كل فريق إخوانه المخالفين لرأيه بالكفر أو الفسوق أو البدعة ـ ونرعى أنهم وضعوا الفتيل لإشعال النار بين وغير الصوفية ـ هذه دراسة جديدة هامة تقع فى مائتين واثنتين وعشرين صفحة فى طبقة فاخرة للعالم الربانى الصوفى فضيلة الشيخ أمين فهمى ـ من .
ابن تيمية وجواز الاجتماع لذكر الله
سُِئل ! عن رجل ينكر على أهل الذكر يقول لهم: هذا الذكر بدعة وجهركم في الذكر بدعة، وهم يفتتحون بالقرآن ويختتمون.. ثم يدعون للمسلمين الأحياء والأموات.. ويجمعون التسبيح والتهليل والتكبير والحوقلة ـ ويصلون على النبى صلي الله عليه وسلم.
فقال الإمام: الِاجْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَاسْتِمَاعِ كِتَابِهِ وَالدُّعَاءِ عَمَلٌ صَالِحٌ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النبى صلي الله عليه وسلم. أنه قال: «إن لله ملائكة سياحين فى الأرض، فإذا مروا بقوم يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم.. وذكر الحديث وفيه: وجدناهم يسبحونك ويحمدونك».
وقد ذكر الإمام ابن تيمية استحسان جمهور العلماء قراءة بصوت واحد معاً فقال: «وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء، ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد وللمالكية وجهان في كراهتها ، وكرهها مالك ، وأما قراءة واحد والباقون يستمعون له فلا يكره بغير خلاف وهي مستحبة ، وهي التي كان الصحابة يفعلونها : كأبي موسى وغيره ويعنى ذلك أنهم كانوا يجهرون بتلاوة القرآن ذكر لله بل وأفضله.
السؤال: فلو اجتمعوا ورددوا جهراً معاً كذلك صيغة التهليل أو التسبيح أو الصلاة على النبى، أو أى أذكار أخرى لها أصل في الشرع من باب «وتعاونوا على البر والتقوى».
البدعة عند ابن تيمية وأئمة التصوف
ويؤكد فضيلة الشيخ أمين فهمى «المؤلف» حول مسألة البدعة ـ والذى أفرد لها صفحات ـ تدل على سعة علمه ودقة تناوله للقضية فيقول:
قد يتبين لى بعد قراءة تعريفات الأئمة لمفهوم «البدعة» وشروحهم وتعليقاتهم على الأحاديث التى تدور حولها.
١ـ أن العلماء جميعاً متفقون على أن «البدعة الحسنة» هى: إحداث أمر على غير مثال سابق، ولكن له أصل فى الشرع يدل عليه.. وأن «البدعة» «الضالة» المذمومة هى ما أحدث مخالفاً للشرع وليس له أصل يدل عليه.
٢ـ والاختلاف وقع بين العلماء فى: هل توجد بدعة حسنة في الشرع؟ فرأى ذلك أكثرهم ورأى آخرون أن البدعة في الشرع هى المذمومة فقط.. وأما البدعة الحسنة فهى بدعة لغة ـ كقول الإمامان ابن رجب الحنبلى وابن تيمية ـ مع اتفاقهما فى مفهوم البدعة.
والإمام ابن تيمية قال: العمل الذى يدل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة فى الشريعة وإن سْمى بدعة فى اللغة ـ فلفظ البدعة في اللغة أهم فى لفظ بدعة فى الشريعة. وقد علم أن قول النبى صلي الله عليه وسلم «كل بدعة ضلالة» لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ وإنما أراد. ما ابتدئ من الأعمال التى لم يشرعها هو صلي الله عليه وسلم.
وقال: وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهى بدعة سيئة وهى في ضلالة باتفاق المسلمين، ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعى أنها مستحبة، فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين إنها من الحسنات التى يتقرب بها إلى الله.
الورد الخاص لابن تيمية
ومن المفارقات التى ذكرها المؤلف فى دراسته ـ أن للإمام ابن تيمية كثيراً من الأوراد ـ وهى تشبه أوراد أهل التصوف..
قال الإمام سراج الدين أبو حفص: «كنت مدة إقامتى بدمشق ملازمه جل النهار وكثيراً من الليل (أى: الإمام ابن تيمية)، وكان يدنينى منه حتى يجلسنى إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويقطع ذلك الوقف كله، اعنى: من الفجر إلى ارتفاع الشمس فى تكرار تلاوتها.
قلت أين المعترضون على قراءة الفاتحة بركة للأحياء وبركة ثوابها للأموات واتهامهم لمن يفعل ذلك بالضلالة والبدعة؟!
كما أن الإمام ابن تيمية جعل قراءة الفاتحة مع تكرارها ورده الصباحى ـ فهل ورد عن الرسول والصحابة ذلك..!!
الورد الخاص لابن تيمية فى الفجر
قال الإمام ابن القيم: «ومن تجريبات السالكين التى جربوها فألفوها صحيحة أن من أدمن:«يا حى يا قيوم لا اله إلا أنت» أورثه ذلك حياة القلب والعقل.. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية شديد اللهجة بها جداً.. وقال لى يوماً «لهذين الاسمين وهما: الحى القيوم، تأثير عظيم في حياة القلب وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر يا حى يا قيوم لا اله إلا أنت برحمتك استغيث» حصل له حياة القلب، ولم يمت قلبه.
وقال الإمام القشيرى فى رسالته: قال الكتانى: أيضاً رأيت النبى صلي الله عليه وسلم في المنام فقلت: ادع الله أن لا يميت قلبى فقال: قل كل يوم أربعين مرة: يا حى يا قيوم لا إله إلا أنت، فإن الله يحيى قلبك.
وهذا الذكر الذى كان يحرص ابن تيمية في وقت معين وبعدد معين، لم يرد ذكره في السنة أو عن الصحابة.. وهذا يدل علي أن الإمامين ابن تيمية وابن القيم يؤكد ان كل ذكر له أصل فى الشرع قد فتح الله به على عبده أو تلقاه عن الرسول صلي الله عليه وسلم مناما أو أخذه عن شيخه لا حرج فيه شرعاً.. هذا هو الإمام ابن تيمية وتأدبه مع أئمة التصوف والأخذ عنهم.
ابن تيمية: الصوفية الصادقون من الصديقين
وقد أورد المؤلف حفظه الله فى دراسته ما قاله الإمام ابن تيمية عن الصوفية بقوله: «الصوفية الصادقون من الصديقين»
وقال الإمام ابن تيمية: وإذا عرف أن منشأ التصوف كان بالبصرة وانه كان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد مما له فيه اجتهاد. كما كان فى الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ما له فيه اجتهاد ـ وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهى لباس الصوف وليس طريقهم مقيداً بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك.. ولا علقوا الأمر به.
إشادته بأئمة التصوف
والكلام لابن تيمية فى الدراسة الهامة: يتضح جليا للذى يطلع على كتب الإمام ابن تيمية وخاصة مجموع الفتاوى تقديره واحترامه لأئمة التصوف.. وقد شهد لهم فى مواضع مختلفة،، بالاستقامة.. وبأنهم من أئمة السلف، وبرأ ساحتهم من البدع والخرافات التى ألصقت بهم كذبا وظلما وخاصة الإمام عبدالقادر الجيلانى، حيث كرر عبارات ذكره له مثل: قدس الله روحه وهو دعاء بالتنزيه والاكرام ورضى الله عنه وعن كتابه فتوح الغيب.
وأضاف ابن تيمية قائلاً ومؤكداً:
وأما أئمة الصوفية والمشايخ المشهورون من القدماء: مثل الحنبيد بن محمد، ومثل الشيخ عبدالقادر وأمثاله، فهؤلاء من أعظم الناس لزوما للأمر والنهى.. الخ.
وقال: أما المستقيمون الساكين كجمهور السلف الصالح مثل الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد بن محمد وغيرهم من المتقدمين وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للمسالك ولو طار في الهواء أو مشي علي الماء.. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة واجماع السلف.
وهكذا أورد المؤلف أن أئمة الصوفية والتصوف ينكرون كل أمر مخالف للشرع والسنة.
الكتاب جدير بأن نقرأه جيدا لأنه رسالة مهمة ازالت الغبار عن أئمتنا مثل الإمام ابن تيمة وابن القيم وحبهم لأهل التصوف الحقيقيين.