إن نهوض الأمم يعتمد على قوة وعيها، وحكمتها، وإبداعاتها، وعندما تتضح معالم الحكمة أمام الإنسان ويرتقي في آفاق القيم، والعلم، ومستجدات عالم المعرفة الكبير فإن فطرته الكونية تستيقظ فيدرك دوره، ومكانته، ومسئولياته، ويحدد أهدافه وغاياته بدقة، وتوازن، ولذلك عندما يقرأ الإنسان: (قال أحد الحكماء..) فإنه يهيئ عقله لاستقبال الحكمة التي ستنير بصيرته، وتجدد معرفته، وتلهم روحه، وتضع أقدامه على كل طريق صحيح يصنع له غاياته الناجحة.

تستطيع المرأة المعاصرة أن تطلب الحكمة -ليس فقط في أقوال الحكماء والعلماء والمفكرين- بل في المعرفة الواسعة، والتجارب الإنسانية التي تحيط بها، فتلتمسها بكل تفاصيلها الدقيقة، وجوانبها الثقافية الممتدة لتساعدها في فهم الحياة، واستخلاص العبر، والخروج من القوالب التفكيرية الجامدة، واكتشاف الوجود الذى تعيش فيه، وإدراك سنن النجاح وآلياته التي تؤهلها للإسهام في إعمار الحاضر، وبناء المستقبل، والانطلاق نحو العطاء والسعادة.

فالحكمة ضالة المرأة، مثلما كانت ولا تزال ضالة الإنسانية كلها في كل زمان ومكان، وضالة المؤمن على وجه الخصوص، أنى وجدتها فهي أحق البشر بها لتتمكن من القيام برسالتها وسط المتغيرات السريعة والهائلة في العالم، وتستنير بآفاقها ومضامينها على مستوى المعرفة، والمفاهيم، والأفكار، والمشروعات الثقافية والتنموية، ولتصبح امرأة على مستوى أضخم الأحداث، والتحولات، والمعضلات المستقبلية، وتجدد أفكارها، وتتكلم بالكلمة من رضوان الله، وتسمو إنسانيا، واجتماعيا، وحضاريا.

إن إيمان المرأة بذاتها ومكانتها ورسالتها يحتاج إلى تلك الحكمة كى تتجنب مشكلات مستقبلية كثيرة، وعقبات في طريق تمكنها معرفيا وتنمويا، وذلك لأن الحكمة التي هي الخير، والإيجابية، والعطاء ستمنحها قوة وبصيرة التعاطى مع كل ما يدور حولها، وكفاءة تشخيص الأزمات التي تعانى منها مجتمعاتها، فالحكمة كأولوية في حياتها هي القادرة على تمكينها من التفكير المرن، وصفاء الذهن، وتوازن الوجدان بما يؤهلها لزيادة قدراتها الإصلاحية، والإنتاجية، والإبداعية، والمساهمة في نهوض مجتمعها.

ويقينا فإن امتثالها للحكمة، التي هي وضع الشيء في موضعه سيحفزها لكل سلوك إيجابي، ويحميها من السلوكيات السلبية، وكل ما يؤدى بها للاغتراب أو الضياع أو التشتت، ويلهمها الصبر، والقوة، والثبات، والتحمل، وعندما توازن المرأة بين تفكيرها وسلوكها فى ظلال من الحكمة ستتعرف بدقة على مكامن الخلل في خريطة حياتها، ستحب بحكمة، وتكره بحكمة، وتبنى بحكمة، وتبقى بحكمة، وترحل بحكمة، وتعود بحكمة، وتنسج أحلامها بحكمة، ستعطى بحكمة، وتأخذ بحكمة، وتربى الأجيال بحكمة، وتدير حاضرها ومستقبلها بخبرة، ووعى، وحكمة، وستمر أيامها، وشهورها، وسنواتها بهدوء واستقرار، لأن الاستقرار رفيق الحكمة.

تظل الحكمة هي صمام الأمان للمرأة، الذى يقوى قيمها الداخلية، وكنز يعطيها القدرة على مواجهة أية صعوبات تقابلها ويحفز تميزها الفكرى، والاستراتيجي، ويحقق انسجامها مع الذات، ويصنع سعادتها، ويهيئ لها عالما يخلو من الخوف من الفشل أو حدوث المشكلات، فتبنى حياة مليئة بالثقة بالنفس، والنجاحات المتتالية، والآثار الباقية.