أوپانيشاد

عودة للموسوعة

أوپانيشاد

آدي شنكارا بهاگڤادپادا، مفسر Advaita Vedanta والمعلق عليها (بهاشيا) في الاوپانيشاد

جزء من سلسلة عن
الخط المقدسة الهندوسية

خط ڤيدا

رگ‌ڤدا • ياجورڤـِدا
سـَماڤـِدا • أثارڤاڤـِدا

الأقسام
سامهيتا • برهمانا
أرنياكا • أوپانيشاد

أوپانيشاد

Aitareya • Brihadaranyaka
إيشا • Taittiriya • Chandogya
كـِنا • منداكا • Mandukya
كاثا • پراشنا • Shvetashvatara

ڤيدانگا

شيكشا • Chandas • Vyakarana
نيروكتا • جيوتيشا • كلپا

مهابهاراتا • رامايانا

خط أخرى

سمريتي • شروتي
بهاگڤاد گيتا • پورانا
أگاما • درشانا
Pancharatra • تنترا • سوترا
ستوترا • دارماشاسترا
Divya Prabandha
تـِڤـَرام • Akhilathirattu
Ramacharitamanas
شيكشاپاتري • ڤاچانمروت


     

اوپانيشاد (دڤنگاري: उपनिषद्, IAST: upaniṣad، وأحياناً تـُخط "Upanisad") هي الجزء الأخير في مجموعة من الكتابات الهندوسية التي تُسمى الڤيدات. وتكوِّن الأبانيشاد جزءًا أساسيًا من مصادر الديانة الهندوسية، كما أثَّرت في معظم الفلسفات الهندية. وهي تعاليم ڤيدنتا الأساسية ، وتعني الحدثة تجميع الفيدا . أما حدثة اوپانيشاد فتعني الجلوس بالقرب من . وهذا يشير إلى حتى هذه المادة كانت سرية في الأصل. كان معظم أجزاء الأبانيشاد مصوغًا في شكل محادثة بين معلِّم وتلميذه، وظهرت أبرز أجزاء المجموعة بين عامي 800 و600 ق.م.

تأسست عدة مدارس فكرية هندوسية بارزة، منها مدرستا السانخيا واليوجا، على تعاليم الأبانيشاد. هذه التعاليم تتبع فلسفتين أساسيتين ترى إحداهما حتى هناك حقيقة أساسية واحدة تُسمى براهما ، أوالإله، ويقابله أتمان أوالروح، وعلى ذلك فإنه لا يوجد تمييز حقيقي بين الروح والإله حسب معتقدهم. أما الفلسفة الأبانيشادية الأخرى، فإنها ترى حتى جميع روح هي بمفردها سرمدية.

النشأة

نشأ كتاب الأوبانيشاد ظهر هذا الكتاب مع تطور العقيدة الفيداوية ظهر ما بين (1000) ق.م - (500) ق.م ، وهوتعبير عن نصوص نثرية تبحث في الجانب الباطني والخفي في العقيدة الفيداوية ، متناولةً الإتحاد مع المافوق طبيعي. وهذه النصوص تسعى لتبسيط المتناقضات وتوحيدها ، ولفرض مفهوم الوحدة على ما متنوّع ومتناقض.

إلى غير ذلك فالممضى الأوبنيشادي هوممضى صوفي يبحث في باطن العقيدة الفيداوية لفرض مفهوم التواصل والعلاقات بين جميع الكائنات من حيث الهجريب والبنية ولاسيما التشابه الرقمي واللفظي.


فلسفة أسفار اوپانيشاد

مؤلفوهذه الأسفار - موضوعها - موازنة العقل بالبصيرة البديهية - أثمان - براهمان - من هما - وصف الله - الخلاص - تأثير أسفار أوپانيشاد - ما يقوله إمرسون عن براهما

نطق شوپنهاور: "إنك لن تجد في الدنيا كلها دراسة تفيدك وتعلوبك أكثر مما تفيدك وتعلودراسة أسفار أوپانيشاد، لقد كانت سلواي في حياتي- وستكون سلواي في موتي"(95) فلواستثنيت النتف التي خلفها لنا "پتاح حوتب" (المصري) في الأخلاق، كانت أسفار الأوپانيشاد أقدم أثر فلسفي ونفسي موجود لدى البشر، ففيها مجهود بذله الإنسان دقيق دؤوب، يدهشك بدقته وما اقتضاه من دأب، محاولاً حتى يفهم العقل وأن يفهم العالم وما بينهما من علاقة، إذا أسفار الأوپانيشاد قديمة قدم هومر، ولكنها كذلك حديثة حداثة "كانت".

والحدثة مؤلفة من مبترين "أوپا" ومعناها "بالقرب" و"شاد" ومعناها "يجلس" ، ومن "الجلوس بالقرب" من المفهم، انتقل معنى الحدثة حتى أصبح يطلق على الممضى الغامض الملغز الذي كان يسره المفهم إلى خيرة تلاميذه قابلتم إليه(96)، وفي الأسفار مائة وثمان محاورات مما جرى بين المفهم وتلاميذه، ألفها كثير من القديسين والحكماء بين عامي 800 و500 ق.م. (97)، وهي لا تحتوي على ممضى فلسفي متسق الأجزاء، بل تحتوي على آراء وأفكار ودروس لرجال عدة، كانت الفلسفة والدين عندهم ما يزاولان موضوعاً واحداً، وقد حاول هؤلاء الرجال بهذه الآراء حتى يفهموا الحقيقة البسيطة الجوهرية التي تكمن وراء كثرة الأمور الظاهرة، حتى إذا ما فهموا أنفسهم بها توحيداً يحوطه إجلال الورع، وهذه الأسفار كذلك مليئة بالسخافات والمتناقصات، وهي في بعض مواضعها هنا وهناك تتسلف الاتجاه الذي سار فيه "هيگل" فيما بعد بكل ما نطقه من لغوالحديث(98)، وأحياناً فيها عبارات غريبة غرابة الصيغ التي يستعملها "توم سوير" في معالجته للزوائد الجلدية عند سقماه(99)، ولكنها أحياناً أخرى تعرض عليك ما قد تظنه أعمق ما ورد في تاريخ الفلسفة من ضروب التفكير.

إننا نفهم أسماء مؤلفي هذه الأسفار(100) لكننا لا نفهم من حياتهم شيئاً إلا ما يكشفون لنا عنه حيناً بعد حين في ثنايا تعاليمهم، وأبرز شخصيتين بين هؤلاء هما: "ياجناڤالكيا" Yajnavalkya الرجل و"گارگي" Gargi المرأة التي لها شرف الانخراط في سلك أقدم الفلاسفة، وقد كان "ياجنافالكيا" أحد لساناً من زميلته، ونظر إليه زملاؤه نظرهم إلي مجدد خطر، ثم اتى الخلف فاتخذ ممضىه أساساً للعقيدة السليمة التي لا يأتيها الباطل(101)، وهويحدثنا كيف من الممكن أن حاول حتى يهجر زوجتيه ليكون حكيماً راهباً، وأننا لنلمس في راتى زوجته "مايتريي" Maitreyi له حتى يأذن لها بصحبته، كم كان شغف الهند مدى قرون طوال بمتابعة التفكير في الفلسفة والدين.

"وبعدئذ كان ياجناڤالكيا" على وشك حتى يبدأ لوناً جديداً من ألوان الحياة.
نطق ياجناڤالكيا: "مايتريي! انظري، فأنا على وشك الرحيل من هنا لأجوب أقطار الأرض، فأصغيا إليّ أنت و"كاتياياني" (Katyayani ، زوجته الأخرى) أقل لكما قولاً أخير".
وهنا تحدثت مايتريي: إذا ملئت لي هذه الأرض كلها الآن يا مولاي بالغني، أأكون بهذا كله بين الخالدين؟"، فأجابها ياجناڤالكيا: "كلا! كلا! يستحيل حتىقد يكون الثراء طريق الخلود".
وهنا تحدثت مايتريي: "فماذا عساي حتى أصنع بمال لا يخلدني،يا ترى؟ اشرح لي يا مولاي جميع ما تفهمه"(102).

وموضوع أسفار الأوپانيشاد هوجميع السر في هذا العالم الذي عز على الإنسان فهمه: "فمن أين جئنا، وأين نقيم، والى أين نحن ذاهبون،يا ترى؟ أيا من يعهد "براهمان" نبئنا من ذا أمر بنا فإذا نحن هاهنا أحياء.. أهوالزمان أم الطبيعة أم الضرورة أم المصادفة أم عناصر الجو، ذلك الذي كان سبباً في وجودنا، أم السبب هومن يسمي "بوروشا"- الروح الأعلى؟(103)، لقد ظفرت الهند بأكثر من نصيبها العادل من الرجال الذين لا يريدون من هذه الحياة "ما لا يعد بألوف الألوف، وإنما يريدون حتى يجدوا الجواب عما يسألون" ، فتقرأ في سفر "مايتريي" من أسفار أوبانيشاد عن ملك خلف ملكه وضرب في الغابة متقشفاً زاهداً، لعل عقله بذلك حتى يصفوا ليفهم، فيجد حلاً للغز هذا الوجود، وبعد حتى قضى الملك في كفارته ألف يوم، اتىه حكيم "عالم بالروح" ، فنطق له الملك: "أنت ممن يفهمون طبيعة الروح الحقيقية، فهلا أنبأتنا عنها؟" فنطق الحكيم منذراً: "اختر لنفسك مآرب أخرى" لكن الملك يلح، ويعبر في فقرة- لابد حتى تكون قد لاءمت روح شوبنهاور وهويقرؤها- عن ضيقه بالحياة، وخوفه من العودة إليها بعد موته، ذلك الخوف الذي تمتد جذوره في جميع ما تطرب به رءوس الهندوس من خواطر وأفكار، وهاك هذه الفقرة:

"سيدي، ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد النتن المتحلل، الذي يتألف من عظم وجلد وعضل ونخاع ومنيّ ودم ومخاط ودموع ورشح أنفي وبراز وبول وفساء وصفراء وبلغم،يا ترى؟ ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد الذي تملؤه الشهوة والغضب والجشع والوهم والخوف واليأس والحسد والنفور مما تنبغي الرغبة فيه والإقبال على ما يجب النفور منه، والجوع والظمأ والعقم والموت والسقم والحزن وما إليها،يا ترى؟ وكذلك نرى هذا العالم كله يتحلل بالفساد كما تتحلل هذه الحشرات الضئيلة وهذا البعوض وهذه الحشائش وهذه الأشجار التي تنموثم تذوي... وإني لأذكر من كوارث جفاف المحيطات الكبرى وسقوط قمم الجبال وانحراف النجم القطبي رغم ثباته... وطغيان البحر على الأرض ... في هذا الضرب من تعاقب أوجه الوجود. ما غناء إشباع الرغبات، مادام بعد إشباع الإنسان لها، سيعود إلى هذه الأرض من حديث مرة بعد مرة؟"


وأول تفهم سيفهمه حكماء الأوپانيشاد لتلاميذهم المخلصين هوقصور العقل، إذ كيف من الممكن أن يستطيع هذا المخ الضعيف الذي تتعبه عملية حسابية صغيرة حتى يطمع في حتى يدرك يوماً هذا العالم الفسيح المعقد، الذي ليس مخ الإنسان إلا ذرة عابرة من ذراته،يا ترى؟ وليس معنى ذلك حتى العقل لا خير فيه، بل إذا له لمكانه متواضعة، وهويؤدي لنا أكبر النفع إذا ما عالج الأمور المحسوسة وما بينها من علاقات، أما إذا ما حاول فهم الحقيقة الخالدة، اللانهائية، أوالحقيقة في ذاتها، فما أعجزه من أداة ! فإزاء هذه الحقيقة الصامتة التي تكمن وراء الظواهر كلها نادىمة لها، والتي تتجلى أمام الإنسان في وعيه، لابد لنا من عضوآخر ندرك به ونفهم، غير هذه الحواس وهذا العقل "فلسنا ندرك "أتمان" (أي روح العالم) بالتحصيل، لسنا نبلغه بالنبوغ وبالاطلاع الواسع على الخط ... فليطرح البرهمي الفهم ليجعل من نفسه طفلاً... لا يبحثن البرهمي عن حدثات كثيرة، لأنها ليست سوى عناء يشق به اللسان"(105) ، فأعلى درجات الفهم- كما كان سپينوزا يقول- هوالإدراك المباشر، أونفاذ الرأي إلى صميم الأمر بغير درجات وسطى، إنه-كما كان الرأي عند برجسون- هوالبصيرة، التي هي بصر باطني للعقل الذي أغلق- متعمداً- جميع أبواب الحس الخارجي ما استطاع إلى ذلك من سبيل حتى "براهمان" الواضح بذاته، قد تخلل فتحات الحواس من داخل حتى لقد استدارت هذه الفتحات إلى الخارج، ومن ثم كان الإنسان ينظر في الخارج، ولا ينظر إلى نفسه في داخل نفسه، أما الحكيم الذي يغلق عينيه ويلتمس لنفسه الخلود، فيرى النفس في دخيلته"(109).

فإذا ما نظر الإنسان إلى طوية نفسه ولم يجد شيئاً على الإطلاق، فذلك لا يقوم إلا على دقة استبطانه، لأنه لا يجوز لإنسان حتى يتسقط مشاهدة الأبدي في نفسه إذا كان غارقاً في الظواهر وفي الجزئيات، فقبل حتى يحس الإنسان هذه الحقيقة الباطنية، ينبغي له أولاً حتى يطهر نفسه تطهيراً تاماً من أدران العمل والتفكير، ومن جميع ما يضطرب به الجسد والروح (107) ، يجب حتى يصوم الإنسان أربعة عشر يوماً، لا يشرب إلا الماء(108)، وعندئذ يتضور العقل جوعاً- إذا صح هذا التعبير- فيخلد إلى سكينة وهدوء، وتتطهر الحواس وتسكن، وكذلك تهدأ الروح هدوءاً يمكنها من الشعور بنفسها وبهذا المحيط الخصم من الأرواح، التي ليست هي إلا جزءاً منه، وبعدئذ لا يعود الفرد موجوداً باعتباره فرداً، ويظهر "الاتحاد وتظهر الحقيقة الذاتية" لأن الرائي لا يرى في هذه الرؤية الداخلية النفس الفردية الجزئية، فتلك النفس الجزئية إذا هي إلا سلسلة من حالات مخية أوعقلية، إذا هي إلا الجسم منظوراً من الداخل، إنما يبحث الباحث عن "أتمان" نفس النفوس كلها، وروح الأرواح كلها، والمطلق الذي لا مادة له ولا صورة، والذي ننغمس فيه بأنفسنا جميعاً إذا نسينا أنفسنا جميع النسيان.

تلك إذن هي المستوى الأولى في "الممضى السري" : وهي حتى جوهر النفس فينا ليس هوالجسم، ولا هوالعقل، ولا هوالذات الفردية، ولكنه الوجود العميق الصامت الذي لا صورة له، الكامن في دخيله أنفسنا، هو"أتمان".

أما المستوى الثانية فهي "براهمان" وهوجوهر العالم الواحد الكامل الذي لا هوبالذكر ولا هوبالأنثى غير المشخص في صفاته، المحتوي لكل شيء والكامن في جميع شيء، الذي لا تدركه الحواس، هو"حقيقة الحقيقة" هوالروح الذي لم يولد ولا يتحلل ولا يموت(110)، حتى "أتمان" الذي هوروح الأمور كلها، هوروح الأرواح كلها، هوالقوة الواحدة التي هي وراء جميع القوى وجميع الآلهة، وتحت جميع القوى وجميع الآلهة، وفوق جميع القوى وجميع الآلهة.

ثم سأله ڤيدا جادا ساك إيلا قائلاً: كم عدد الآلهة، ياجناڤالكيا،يا ترى؟

فأجابه: "عددهم هوالمذكور في "الترنيمة للآلهة جميعاً" فهم ثلاثمائة وثلاثة، وهم ثلاثة آلاف وثلاثة".

نعم، ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين، ياجناڤالكيا،يا ترى؟

عددهم ستة.

نعم، ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين، ياجناڤالكيا،يا ترى؟

هما اثنان.

نعم ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين، ياجناڤالكيا،يا ترى؟

إله ونصف إله.

نعم ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين، ياجناڤالكيا،يا ترى؟

إنه إله واحد.

والمستوى الثالثة من أبرز المراحل جميعاً: "أتمان" و"براهمان" إذا هما إلا إله واحد بعينه، إذا الروح (اللافردية) أوالقوة الكائنة فينا هي هي بعينها روح العالم غير المشخص، إذا أسفار أوپانيشاد لا تدخر وسعاً في هجريز هذا الممضى في عقل طالب العقيدة، فما تزال تكرره وتعيده لا تمل له تكراراً وإعادة وإن قل ذلك السامعون، عملى الرغم من جميع هذه الصور الكثيرة وهذه الأقنعة الكثيرة، فإن هوذاتي وموضوعي شئ واحد، الإنسان في حقيقته التي تتجرد من الفردية، هوهوبعينه الله باعتباره جوهراً للكائنات جميعاً، يوضح ذلك مفهم في تشبيه مشهور:

هات لي تينة من ذلك التين

هذه هي يا مولاي

أقسمها نصفين

هاأنذا قد قسمتها يا مولاي

ماذا ترى هناك،يا ترى؟

أرى هذه الحبيبات الدِقّاق يا مولاي

تفضل فاقسم حُبيبة منها نصفين

هاأنذا قد قسمتها يا مولاي

ماذا ترى هناك،يا ترى؟

لست أرى شيئا على الإطلاق يا مولاي

حقاً يا ولدي العزيز، إذا هذا الجوهر الذي هوأدق الجواهر والذي لا تستطيع رؤيته

حقاً إنه من هذا الجوهر الذي هوأدق الجواهر قد نبتت هذه الشجرة العظيمة،

فصدقني يا ولدي العزيز، إذا روح العالم هوهذا الجوهر الذي ليس في دقته جوهر سواه

هذا هوالحق في ذاته

هذا هو"أتمان" ، هذا هوأنت يا شاوناكيتو

هل لك حتى تزيدني بالأمر فهماً يا مولاي،يا ترى؟

ليكن لك يا ولدي العزيز.


هذا التقابل بين "أتمان" و"براهمان" وما ينشأ عن تلاقيهما في حقيقة واحدة- الذي يكادقد يكون تطبيقاً للتقابل الديالكتيكي عند هيجل- هوصميم أسفار الأوپانيشاد، وكثير غير هذا من الدروس نصادفه في هذه الأسفار، لكنها دروس فرعية بالقياس إلى ذلك، ففي هذه المحادثات نرى عقيدة تناسخ الأرواح قد تم تكوينها ، كما نرى الشقوق إلى الخلاص من هذه الدورات التناسخية الفادحة، فهذا هو"جاناكا" ملك "الفيديها" يتوسل إلى "ياجناڤالكيا" حتى ينبئه كيف من الممكن أن يمكن التخلص من العودة إلى الولادة من جديد، ويجيب "ياجناڤالكيا" بشرح "اليوجا" (أي رياضة النفس) فيقول : إذا اقتلع الإنسان بالتزهد جميع شهوات نفسه، لم يعد هذا الإنسان فرداً جزئياً قائماً بذاته، وأمكنه حتى يتحد في نعيم أسمي مع روح العالم، وبهذا الاتحاد يخلص من العودة إلى الولادة من جديد، وهنا نطق له الملك الذي غلبته حكمه الحكيم على أمره، نطق "أي سيدي الكريم، إني سأعطيك شعب الفيديها وسأعطيك نفسي، لنكون لك عبيداً"(118)، وإنها لجنّة صارمة تلك التي يعدها "ياجناڤالكيا" ذلك الملك المتبتل، لأن الفرد هناك لن يشعر بفرديته(119)، بل جميع ما سيتم هنالك هوامتصاص الفرد في الوجود، هوعودة الجزء إلى الاتحاد بالكل الذي انفصل عنه حيناً من الدهر، " فكما تتلاشى الأنهار المتدفقة في البحر، وتفقد أسماءها وأشكالها، فكذلك الرجل الحكيم إذا ما تحرر من اسمه وشكله، يفنى في الشخص القدسي الذي هوفوق الجميع"(120).

مثل هذا الرأي في الحياة والموت لن يصادف قبولاً عند الغربي الذي تتغلغل الفردية في عقيدته الدينية كما تتغلغل في أنظمته السياسية والاقتصادية، لكنه رأي اقتنع به الهندوسي الفيلسوف اقتناعاً يدهشك باستمراره واتصاله، فسنجد هذه الفلسفة التي وردت في الأوپانيشاد- هذا اللاهوت التوحيدي، هذا الخلود الهندي من بوذا إلى غاندي، ومن ياجناڤالكيا إلى طاغور، فأسفار الأوپانيشاد قد ظلت للهند إلى يومنا هذا بمنزلة العهد الجديد للأقطار المسيحية- ممضىاً دينياً سامياً- يمارسه الناس أحياناً، لكنهم يجلّونه بصفة عامة، بل إذا هذه الفلسفة اللاهوتية الطموحة لتجد حتى في أوربا وأمريكا ملايين بعد ملايين من الأتباع، من نساء مللن العزلة ورجال أرهقهم التعب، إلى شوپنهاور وإمرسون، فمن ذا كان يظن حتى الفيلسوف الأمريكي العظيم الذي نادى إلى الفردية سيجري قلمه بتعبير تام للعقيدة الهندية بأن الفردية وهم من الأوهام،يا ترى؟

براهما

إذا افترض القاتل المخضب بدماء قتيله أنه القاتل

أوإذا افترض القتيل أنه قتيل

فليسا يدريان ما اصطنع من خفي الأساليب

فأحفظها لدي، ثم أنشرها، ثم أعيدها

البعيد والمنسي هوإليّ قريب

والظل والضوء عندي سواء

والآلهة الخفية تظهر لي

وشهرة الإنسان بخيره أوبشره عندي سواء

إنهم يخطئون الحساب من يخرجونني من الحساب

إنهم إذا طيروني عن نفوسهم فأنا الجناحان

إنهم إذا شكوا في وجودي فأنا الشك والشاك معاً

وأنا الترنيمة التي بها البراهمي يتغنى.


نصوص من الاوپانيشاد

لنأخذ النصوص التالية من هذا الممضى:

- (هذه هي الحقيقة، مثلما ينطلق بالألوف ، من النار المتأججة ، الشرر المماثل بطبيعته للنار ، فكذلك من الذي لا يزول تُولد الكائنات المتنوعة ، وإليه تعود).

- (منه يُولد التنفس والعقل والحواس كلّها والفراغ والهواء والنور والماء والتراب الحامل لكل شيء).

- (لا يُدرَك بالعين ، ولا بالكلام ، ولا بواسطة الآلهة الآخرين أوالحواس ، ولا بالزهد ، ولا بالعمل الطقسي ، بنعمة الفهم ندركه . وإذا ما عكف الكائن النقي الطبيعة والمتطهّر على التأمل فإنه يبصره ، يبصر آنذاك ذلك الذي هوبلا أجزاء ولا يتجزأ).

- (يصل إليه أصحاب الرؤى الذين يقتنعون بالفهم كسبيل ، الذين هم ذواتٌ كاملة ، أحرارٌ من الانفعال وهادئون ، ويصل إليه – وهوالموجود في جميع مكان - هؤلاء الحكماء ذووالنفوس الورعة ، ويدخلون إلى الكلّ ذاته).

- (هومصدر كلّ شيء ، كالأنهار التي تنساب نحوالمحيط ، لتغفوفي المحيط تاركةً أسماءها وأشكالها ، وكذلك فإن العارف – إذ يتحرّر من الرسم والصورة - يمضى إلى الشخص السماوي (بوروشا) الذي هوما بعد المابعد (بارات بارام) ، أعلى من الأعلى ، ويتسامى فوق التسامي …… من يعهد براهمان ، يصبح براهمان)

ولنأخذ النصّ الحواري التالي الذي يُلقي الضوءَ على أساس التصوف الأوبنيشادي:

المفهم: حسن يا بني ، إحضر لي تينة من هناك ..

الولد: هاهي يا سيدي ..

المفهم: قسّمها ..

الولد: قسّمتها يا سيدي ..

المفهم: ماذا ترى في داخلها ،يا ترى؟ ..

الولد: أرى عدداً من البذور الصغيرة يا سيدي ..

المفهم: حسنٌ ، قسّم تلك البذور ..

الولد: قسّمتها ..

المفهم: ماذا ترى في داخلها ،يا ترى؟ ..

الولد: لاشيء أبداً ..

المفهم: ذلك الجوهر الناعم الذي لا تراه ولا تدركه ، منه تنتصب شجرة التين المقدسة تلك ..

ويتابع المفهم قائلاً: صدقني يا عزيزي إذا هذا الجوهر اللطيف صُنع منه العالم كلّه … ذلك هوالواقع ، ذلك هوالإتمان… أنت هوذاك يا شفيتاكيتو..

الولد: ثقّفني يا سيدي ..

المفهم: حسنٌ يا عزيزي … ضع هذا الملح في الماء ، وعد أدراجك إليّ غداً صباحاً ..

وعمل الولد ما طُلب منه ، بعد ذلك نطق له المفهم: إحضر لي الملح الذي وضعناه مساءً ..

فتّش عنه الولد ثم نطق: لقد ذاب ..

المفهم: ذق نقطة مأخوذة من وسط الماء ..

الولد: إنها مالحة ..

المفهم: ذق شيئاً من قعره ..

الولد: إنه مالح ، إنه دائماً الماء عينه ..

المفهم: الحقّ أقول لك يا بني إنك لا تدرك الكائن ، ومع ذلك فهوموجود هناك ، ذلك الجوهر اللطيف ، العالم كلّه مصنوع منه ، تلك هي الحقيقة .. ذلك هوالأتمان ..أنت نفسك تكون ذاك يا شفيتاكيتو) .. ففي حين ميّز الفكر الهندي بين الأتمان (جوهر الفرد) وبين براهمان (جوهر الوجود) فإن الممضى الصوفي الأوبنيشادي هوطريق الوصول إلى الإتحاد بين هذين الجوهرين .. إلى غير ذلك فالبراهمان –جوهر الوجود - هوالنفس الكونيّة الكاملة الموجودة في كلّ كائن ، وبناءً على ذلك فالإنسان عينهقد يكون موجوداً في جميع كائن من النبات حتى الإله .. لنأخذ المقتطفات التالية

- (نفس المخلوقات نفسٌ واحدةٌ ، إلاّ أنها ماثلةٌ في جميع مخلوق ، وهي في الآن عينه وحدةٌ وتعدّدٌ ، كالقمر الذي يتلألأ على صفحة المياة).

- (يُستخدم البراهمن كمسكن للكائنات قاطبة ، ويسكن هوفي الكائنات كلِّها ، إذا الذي يرى ذاتَه في جميع الكائنات ، ويرى جميع الكائنات في ذاته ، يصبح بذلك هووالبراهمان الأسمى واحداً).

- (للحقيقة إنّ المبدأ الذي تُولد منه جميع الكائنات ، والذي تعيش فيه عندما ترى النور والذي تدخل فيه عندما تموت ، ينبغي عليك معهدته ، ذلك هوالبراهمن).

وإحتجاجاً على المعتقدات الهندوسية القديمة نشأت الديانة الجينيّة ، حيث أنكرت النظام الطبقي ، ولم تعترف بسلطة الفيدا .. وفي هذه الديانة يعتقد أنّ كلّ ما موجود في الكون أزليٌّ حتى المادّة ، وهي في ذلك تتشابه مع البوذية .. وفي هذه الديانة يمكن للنفس حتى تصل إلى (النيرفا) أي الخلاص من الجسد والمادّة بعد تسعة تقمصات. والجينيّون كلهم نباتيّون لا يأكلون أبداً لحوم الحيوانات.

المصادر

الفكر الشرقي القديم (الهند والصين). انقر على الصورة لمطالعة الكتاب.


للاستزادة

  • Edmonds, I.G. Hinduism. New York: Franklin Watts, 1979.
  • Eknath Easwaran Upanishads, Nilgiri Press, 2007, ISBN 9781586380212 
  • Embree, Ainslie T., ed. The Hindu Tradition. New York: Random House, 1966.
  • Holdrege, Barbara A. (1995), Veda and Torah, Albany: SUNY Press, ISBN 0791416399 
  • Merrett, Frances, ed. The Hindu World. London: MacDonald and Co, 1985.
  • Pandit, Bansi. The Hindu Mind. Glen Ellyn, IL: B&V Enterprises, 1998.
  • Smith, Huston. The Illustrated World’s Religions: A Guide to Our Wisdom Traditions. New York: Labrynth Publishing, 1995.
  • Wangu, Madhu Bazaz. Hinduism: World Religions. New York: Facts on File, 1991.
  • Max Müller, translator, The Upaniṣads, Part I, New York: Dover Publications, Inc., 1962, ISBN 0-486-20992-X.
  • Max Müller, translator, The Upaniṣads, Part II, New York: Dover Publications, Inc., 1962, ISBN 0-486-20993-8.


وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بأوپانيشاد، في فهم الاقتباس.
  • Upanishads at Sanskrit Documents Site
  • Complete translation on-line into English of all 108 Upaniṣad-s

انظر أيضًا

  • الهندوسية
  • ڤيدا

نطقب:Mukhya Upanishads

تاريخ النشر: 2020-06-06 06:27:06
التصنيفات: اوپانيشاد, كلمات ومقاطع سنسكريتية, نصوص هندوسية, اوپانيشادات, نصوص وتوثيق اليوگا, نصوص سنسكريتية, Works of unknown authorship

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بطولة فرنسا: انسجام حكيمي وإنريكي خارج الملعب يؤتي ثماره داخله

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:06:56
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 89%

بطولة هولندا: أياكس في "أزمة وجودية" داخل وخارج الملعب

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:06:57
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 99%

سفير بولندا ينتظر الاعتذار فهل يطول الانتظار

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:07:18
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 85%

العراق.. القبض على آمر الكتيبة الأجنبية في "داعش" (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:07:13
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 94%

النفط: هل يجب على السعودية والإمارات وقطر دفع فرض "ضريبة مناخ"؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:06:42
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 88%

تحديد النطاق السعري لاكتتاب سال في تاسي بين 98 و106 ريالات

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-25 09:24:29
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 39%

ماذا ينتظر التضخم في روسيا في 2024؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:07:19
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

يريفان: نحو 5 آلاف شخص دخلوا أرمينيا من قره باغ

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-25 12:07:08
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 99%

تحميل تطبيق المنصة العربية