قراءة هادئة لما يحدث في السودان .. اختلافات أساسية بين 25 أكتوبر و 3 يوليو


قراءة هادئة لما يحدث في السودان   اختلافات أساسية بين 25 أكتوبر و3 يوليو

خالد محمود

يطيب للبعض تشبيه او استيحاء الوضع المصري في مقاربته للسودان وما يجري فيه حاليا، وبغض النظر عن أوجه الشبه الظاهرة ، كحدوث انتفاضة شعبية تلاها تحرك عكسي للجيش في البلدين ، فان هناك فروقا أساسية بين الواقعين والواقعتين ، تجعل التوقع بحدوث نتائج مماثلة ، اقرب للوهم.
من أهم هذه الاختلافات :
1- مصر دولة مركزية نهرية ، وجيشها تاريخيا قومي، بينما السودان متباينة التكوين الجغرافي والطوبوغرافي ، تكاد تكون لبعض مناطقه شرقا اوغربا هويتها الذاتية ، كما ان السودان بعد وبسبب سنوات حكم البشير اصبح لديه اكثرمن 9 جيوش ، منها ماهو حكومي مثل الدعم السريع او الدفاع الشعي ومنها الحركات المسلحة التي لم تدمج حتى الآن ، ولربما لقطة واحدة يظهر فيها البرهان مع حميدتي وجبريل ، تكشف ان هيئة الحكم ذاتها وراء كل واحد منها جيشه (البرهان –الجيش القومي ، حميدتي الدعم السريع، جبريل جيش العدل والمساواة).

2- الاشكالية في مصر كانت مع قوة سياسية واحدة ، هي جماعة الاخوان المسلمين المحظورة حاليا، او حتى مع تيار اوسع هو الاسلام السياسي ، بينما الاشكالية في السودان بين الجيش وقوى الحرية والتغيير المكونة من 77 حزبا تجمعت تحت شعار (تسقط بس) ضد البشير، ومع معظم الأحزاب السياسية الفاعلة حتى خارج هذه المظلة بما فيها قوى كانت متحالفة مع البشير مثل المؤتمر الشعبي الذي يترأسه الترابي ، ومع “لجان المقاومة “الشعبية التي لاتعتبر نفسها قوى سياسية حزبية وإنما مناضلة من أجل الديمقراطية، ومع المواطن السوداني العادي الذي لادخل له بالسياسة لكن يحلم بالحرية.

3- الاشكالية في مصر ، على الاقل لحظة وقوعها ، لم تخل من التباس ، فالاخوان المسلمين كانوا يقودون “حلف يمين ديني” منهم ومن الجماعات الاسلامية ذات الماضي العنفي الصريح ومن جهاديين وسلفيين، حلف يتجه بالبلاد سواء قصدت كابينة قيادته ام لم تقصد إلى دولة دينية متشددة، وهو واقع يمكن إدراكه بسهولة، لا يخفف منه وان كان يربكه واقع أن الرئيس مرسي كان منتخبا والدعوة لشرعية الصندوق مقولة مشروعة. بينما الاشكالية في السودان بين الجيش وقوى مدنية بسيطة ليبرالية صريحة ، لايوجد شك واحد في ان مطالبتها بالديمقراطية هو غاية وليست وسيلة .
كان هذا الالتباس في مصر مربكا وممزقا للقوى اليسارية والليبرالية والديمقراطية ، وبدا شعار “لا للفاشية الدينية ولا للفاشية البوليسية والعسكرية ” غير قابل للتنفيذ على الأرض، فانتهى بهذه القوى فعليا إلى مناطق عدمية.
5- الصراع في مصر أيضا ومن الأصل ، لم يكن أحاديا ، كان هناك رفض من قطاعات ونخب مسيحية وليبرالية واجتماعية لحكم الاخوان واكبه تحرك للجيش ، قد تكون هناك رواية اخوانية ان رموز هذه القوى كانت “مجرد دمى ” في يد الثورة المضادة، لكن هذا القول “صحيح وغير صحيح”، بمعنى ان قوى الثورة المضادة استغلت ذلك، وبعض الرموز كانت فعلا كذلك، لكن هذا لا ينفى وجود رفض وتخوف شعبي أيا كان هامشه من الحكم الديني .

أما في الحالة السودانية ، فالملايين التي تخرج كل يوم وتعاود الخروج رغم سقوط الشهداء يدلل على التفاف الشعب حول شعار المدنية والديمقراطية ، بل إن الاعتصام اليتيم الذي اقامته قوى الثورة المضادة في السودان ،والمسمى بـ”اعتصام الموز” لم ينجح في اخراج موكب سياسي واحد إلى الشارع.

6- أن ظروف الحاضنة الإقليمية والدولية لمصر 3 يوليو مختلفة عن السودان، ربما لاعتبارات تتعلق بالتخوف من فزاعة التطرف الديني ، او للموقع او الموقف من اسرائيل، أو لاعتبارات الجيوبولتيك المصري، وقد تم ترجمة هذا الدعم مالا بما يشبه خطة مارشال اقليمية ، وغطاء سياسيا أميركيا وعالميا، وهي حالة لم ولن تتوفر في السودان.

– الثورة المضادة، رغم مناورتها بالروس وقاعدتهم ومفاعلهم النووي الممكن شراؤه او بدور لفاجنر، ورغم مناورتهم بإسرائيل التي يبدو ان كل ماكان يهمها التيقن من عدم وصول أسلحة لحماس عبر السودان (وليس التطبيع كما يتوهم البعض).

7- أن الروحانية السياسية في السودان منذ استقلاله عام 1956مختلفة نسبيا عن مصر ، فدورة ديمقراطية – ديكتاتورية – ديمقراطية، جعلت اولويات هذه الروحانية نسبيا هي الديمقراطية والحكم المدني ، بعد اسقاطه ثلاث ديكتاتوريات (عبود- نميري – البشير) عبر انتفاضات شعبية سلمية ، وإقامته لـ4 ديمقراطيات، بينما الروحانية السياسية المصرية تاريخيا أكثر احتشادا حول شعار “الانجاز الوطني أو القومي” نسبيا ايضا ، وقد اقر بمرارة بما يشبه ذلك الصاغ الاحمر حالد محيي الدين بعد أزمة 1954، وقد عزز ذلك قيام يوليو 1952 بمصادرة الحياة السياسية والنقابية والمدنية لتصبح النتيجة سببا وتسبب في غياب السياسة والتسييس من الشارع المصري في فترات طويلة ، ولم تستطع “يد البطش” في السودان أن تصل في عز الديكتاتوريات الى هذه الحالة الاستئصالية .
أن كل هذه الخلفيات ، خلقت حالة انشطارية معقدة ومتحركة ، تجعل التنبؤ بما يحدث وسيحدث في السودان، عبر قياس التطابق غير دقيق ، كما جعلت من الصعب التنبؤ بالقفزات المفاجئة والمعتادة في نفس الوقت، من الصعوبة بمكان ، وعليه فإن أفق انقلاب المكون العسكري السوداني، على نظيره المدني في 25 اكتوبر الماضي مختلف ، الواضح فيه حاليا، أنه لن يكون نهاية المطاف، ولن يكون الحل ، وأبسط طريق لحل اشكاله هو تجاوزه لنفسه كانقلاب .. ولمنطقه الصفري، وفتح كتاب الحلول الوسط والشراكة الحقيقية مجددا ، وهو ما ستؤكده الأيام.

تاريخ الخبر: 2022-01-16 23:26:36
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:38
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 70%

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:15
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

الحبس النافذ للمعتدين على “فتيات القرآن” بشيشاوة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

طقس الأحد.. أمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 12:26:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية