تمرّ العلاقات المغربية الإسبانية بفتور بعد أزمة انطلقت مع استضافة مدريد بين 21 أبريل/نيسان ومطلع يونيو/حزيران 2021، إبراهيم غالي، زعيم جبهة "البوليساريو"، التي تنازع الرباطَ على إقليم الصحراء.

ودخل غالي إلى الأراضي الإسبانية بـ"هوية مزيفة"، حيث بررت مدريد استقباله بتلقيه العلاج من فيروس كورونا، وهو ما أغضب الرباط التي تتهمه بارتكاب "جرائم حرب"، وفي ظلّ قضايا مرفوعة ضده لدى المحاكم الإسبانية للتهم ذاتها.

وطيلة الفترة السابقة، سعت إسبانيا إلى إعادة العلاقات مع المغرب إلى سابق عهدها، لكن الرباط تدعو إلى مزيد من "الوضوح"، خاصة أن العلاقات بين البلدين معرّضة باستمرار للتأثّر السريع على وقع ملفات ذات حساسية مفرطة للجانبين، أبرزها ملف مدينتي سبتة ومليلية.

وتقع سبتة ومليلية أقصى الشمال المغربي، وتخضعان لإدارة إسبانيا، حيث يرفض المغرب الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني للمدينتين، ويعتبرهما جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، ويطالب إسبانيا بإجراء مفاوضات مباشرة على أمل استرجاعهما.

بينما تقترح الرباط حُكماً ذاتياً موسّعاً في إقليم الصحراء تحت سيادتها، و"البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

الرباط تدعو للوضوح

في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، قال متحدث الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحفي، إن "إعادة العلاقات مع إسبانيا يحتاج لكثير من الوضوح".

وأضاف: "بخصوص إسبانيا، في خطاب (ذكرى) ثورة الملك والشعب (في أغسطس/آب الماضي)، تحدّث الملك (محمد السادس) عن أهمية العلاقات الاستراتيجية بين الرباط ومدريد".
وأردف: "قبل سنتين، تكلّم الملك في خطابات أخرى، وحدد الإطار المرجعي للعلاقات الخارجية لبلدنا مع مجموعة من الدول في مبدأين رئيسيين هما الطموح والوضوح".

وتابع قائلاً: "الطموح موجود وعبّرت عنه إسبانيا، لكن لكي يتعزز الطموح نحتاج إلى الكثير من الوضوح".

جاء هذا الموقف المغربي، بعد أيام من تأكيد العاهل الإسباني فيليبي السادس، "أهمية إعادة تحديد العلاقة القائمة مع المغرب على أسس أكثر قوة ومتانة".

وأفاد ملك إسبانيا خلال استقباله وفداً من السلك الدبلوماسي المغربي المعتمد لدى مدريد: "اتفقت حكومتا بلدينا على القيام سوياً بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة".

وأضاف: "الآن ينبغي على الأمّتين السير معاً من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءاً من الآن"، مشدداً على أن العلاقات التي تجمع بلاده مع دول المنطقة المغاربية تكتسي "طابعاً استراتيجياً".

وفي يوليو/تموز الماضي، وفي خطوة لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين، عيّن بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، وزيراً للخارجية، بدلاً من أرانتشا غونزاليس لايا، التي شكّلت أحد أوجه الأزمة بين مدريد والرباط.

أزمة دبلوماسية مستمرة

زاد من تعميق الأزمة المغربية الإسبانية، تدفّق نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي بين 17 و20 مايو/أيار الماضي، إلى سبتة، التي تعتبرها الرباط "ثغراً محتلاً".

ولم تكن الأزمة على خلفية استضافة غالي، الأولى من نوعها، فلطالما تضررت العلاقات بين البلدين بسبب ملف سبتة ومليلية، ففي 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، استدعت إسبانيا سفيرة المغرب لديها، كريمة بنيعيش، بخصوص هذا الملف.

فقبلها بثلاثة أيام، تحدّث رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني، في تصريح متلفز، عن "إمكانية فتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".

وذكرت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، أن الخارجية الإسبانية، استدعت سفيرة الرباط، و"أخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".

وطلبت الخارجية الإسبانية، من بنيعيش تقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما جددت السفيرة موقف الرباط الثابت من قضية المدينتين.

تطور اقتصادي وأمني

رغم الأزمات المتتالية، تتميز العلاقات المغربية الإسبانية بالتطور على أكثر من صعيد.

وتُظهر الأرقام الرسمية أن إسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب منذ 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية في المملكة.

وعلى الصعيد الأمني، استطاع البلدان بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود، حيث فُككت خلايا إرهابية عديدة بتعاون مشترك.

وانتقل التعاون من مستوى تبادل المعلومات إلى تنظيم ندوات علمية حول المخاطر الأمنية، وطرق التنسيق لمواجهتها.

عوامل تحسين العلاقات

وفق سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" (حكومية/شمال)، فإن "هناك عوامل كثيرة تدفع إسبانيا لتحسين علاقاتها مع المغرب وجعل العلاقات قوية كما كانت في السابق".

وقال الصديقي ، إن "هذه العوامل يمكن إجمالها في مُحدِّدَين كبيرين، أولهما المحدد الاقتصادي بمختلف أبعاده سواء في مجال الاستثمار والتبادل التجاري والصيد البحري، حيث أن المغرب وإسبانيا يظلّان بلدان قويان على صعيد ضفتي المتوسط".

وأضاف أن "المحدد الثاني أمني، ويضمّ عناصر متنوعة على رأسها أمن الحدود وتهديد الإرهاب العابر للدول والهجرة غير النظامية، وإن كانت هذه الأخيرة في الأصل قضية إنسانية واجتماعية واقتصادية تحتاج حلاً بعيداً عن تغليب الجانب الأمني".

واعتبر أن "البُعد الأمني لا يقلّ أهمية عن البُعد الاقتصادي لأن الإسبان لن يشعروا بالأمن وحدودهم مشكوك في أمرها، لأن المغرب يظلّ عامل استقرار ويظلّ عاملاً أساسياً في حماية أمن أوروبا وخاصة دول جنوب المتوسط".

وشدد على أن "إسبانيا لن تنام مرتاحة البال إذا كانت حدودها الجنوبية مشكوك في أمنها".

AA