الاعتراض الرئيسي على العملات الرقمية غير منطقي | صحيفة الاقتصادية


كل شيء يخضع للرقمنة، وأنظمة النقد والمدفوعات الخاصة التي نستخدمها ليست مستثناة من ذلك. سيعرف القراء العاديون أن النقود الرقمية الرسمية، أو العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDCs، هي إحدى الموضوعات المفضلة لدينا – فهي معقدة بما يكفي كي تتطلب اختراق الموضوعات التي تحيط بها، وتتطور بسرعة، حتى لديها القدرة على إحداث تغيير جذري في كيفية عمل اقتصاداتنا.
لذا دعونا نسلط الضوء على موجة التطورات التي حدثت أخيرا. ظهرت عملة رقمية جديدة تابعة لبنك مركزي، وذلك بعد أن خطت كمبوديا خطى جزر الباهاما وأصدرت عملتها الإلكترونية الرسمية. وكان من المتوقع منذ فترة طويلة أن تكون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي بدأت في بكين المكان الذي ستعرض فيه الصين عملة الرنمينبي الرقمية التي كانت تجربها.
في البلدان المتقدمة، تأتي تحقيقات الهيئات الرسمية حول العملات الرقمية للبنوك المركزية بكثافة وسرعة. قبل بضعة أسابيع، نشر مجلس اللوردات في المملكة المتحدة تقريرا. ثم أصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي ورقة نقاش حول إيجابيات وسلبيات العملة الرقمية. وكتب الخبيران، ماركوس برونرماير وجان بيير لانداو، للتو تقريرا عن اليورو الرقمي للبرلمان الأوروبي. أما بنك التسويات الدولية، وهو رائد فكري في المنطقة، فهو لم يدع الوقت يضيع حتى يصدر خطابا أو مقالا حول الموضوع، كان آخرها ما كتبه المدير العام أغوستين كارستينس حول العملات الرقمية و"روح المال".
يجب على أي شخص مهتم أن يلقي نظرة على كل هذه التقارير لأنها توضح جيدا كافة المواقف الرسمية تجاه عملات البنوك المركزية الرقمية. فيما يجسد تقرير اللوردات البريطاني شكوكا غريزية تعتري الكثيرين من الناس. فهو يرفض عملات البنوك المركزية الرقمية بوصفها "حلا يبحث عن مشكلة". بينما يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي منفتح الذهن تجاهها بشكل واضح – فهو مجبر على عدم التأخر كثيرا عن المحاولات الاستكشافية للبنوك المركزية الأخرى، بل يتمنى بدلا من ذلك التخلص من التحدي برمته. ويتصدر تقرير بنك التسويات الدولية وتقرير اليورو الرقمي طليعة التفكير في الأوساط الرسمية، من حيث التقارب حول وجهة نظر مفادها أن عملات البنوك المركزية الرقمية هي استجابة ضرورية لرقمنة حتمية للأموال.
أتوقع أن يتوصلوا جميعا إلى هذه النتيجة في نهاية المطاف. لكن هناك عديد من الإجابات المحتملة بشأن عدم قدرة مجلس اللوردات البريطاني المعلنة على تحديد المشكلة التي من المفترض أن تحلها عملات البنوك المركزية الرقمية. بيد أن الجميع متفقون على أن التحويلات العابرة للحدود، مثل الحوالات المالية، تعد مكلفة للغاية وأن عملات البنوك المركزية الرقمية يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة. ويرى معظم الناس أن الابتكار يحدث بسرعة في خدمات المدفوعات، وأنه في حالة عدم وجود عملة رقمية رسمية، فبإمكان عملة خاصة أن تحل محل، ليس فقط الأموال الرسمية بل أيضا الودائع المصرفية التجارية. لكن ما تسبب في هذه المواقف، هو احتمال صدور "عملة فيسبوك" الأمر الذي أخاف مسؤولي البنوك المركزية ودفعهم إلى دراسة عملات البنوك المركزية الرقمية بشكل جدي.
عبر برونرماير ولانداو عن هذا الأمر بوضوح: "وبالتالي، فإن المنطق الرئيسي من تطوير اليورو الرقمي هو الحفاظ على دور المال العام في الاقتصاد الرقمي."
لقد كان هذا الاعتراف ينمو في الأوساط الرسمية - ولا سيما في الاقتصادات الناشئة، كما يشير رئيس البنك المركزي الهندي الأسبق، دوفوري سوباراو - لكنه قبول على مضض. كان القبول يقترن عادة بافتراض بديهي هو أن الجهات المالية الخاصة يمكنها مواجهة التحديات على الأقل وكذلك البنوك المركزية. وسرعان ما يتبع ذلك السؤال عما سيفعله القطاع المالي الخاص في حال قدمت البنوك المركزية عملة رقمية.
يبدو لي أن هذا هو السبب الرئيسي للتردد بين صانعي السياسة. لكن المقلق هو أن العملة الرقمية للبنوك المركزية التي يسهل الوصول إليها ستكون جذابة للغاية بحيث سيفضلها العملاء على الودائع المصرفية، سواء للمعاملات المالية أو كمخزن آمن للقيمة، وبالتالي ستعمل على تدمير نموذج أعمال البنوك التجارية: وهو تمويل القروض بالودائع، الذي يدعم الشكل الرئيسي للمعاملات المالية التي نستخدمها مع الاستثمارات غير السائلة في النهاية.
لكن هناك بعض الإشكالات التي تأتي مع هذه الحجة - بخلاف المبدأ الغريب الذي يقول إن جاذبية المنتج تعد سببا لحظره. إحداها، كما تقر جميع تقارير البنوك المركزية، أن هناك طرقا لتصميم عملات البنوك المركزية الرقمية تنزع فتيلها باعتبارها تهدد البنوك الخاصة. والسبب الآخر هو أنه، حتى لو كانت العملات الرقمية للبنوك المركزية أكثر جاذبية من الودائع المصرفية، فإنه يمكن تحديد سعر الفائدة على النقد الرقمي منخفضة جدا (أو حتى سلبية) للحفاظ على تكاليف منخفضة للتمويل البنكي كما كانت من قبل.
لكن المشكلة الأكثر جوهرية هي الافتراض الأساسي بأن نظامنا النقدي الحالي الذي تحركه البنوك الخاصة يستحق الحفاظ عليه، وأنه يجب مقاومة التهديدات التي يواجهها أو نزع فتيلها. ويجب أن نجرؤ على الأقل على طرح السؤال عما إذا كان إلغاء وساطة البنوك الخاصة عبر عملات البنوك المركزية الرقمية قد لا يكون مخاطرة يستهان بها، بل الإجابة الأكثر أهمية على سؤال اللوردات المتغطرس حول ما يفترض أن تحققه عملات البنوك المركزية الرقمية.
فكر معي في الأمر. معظم الأموال المتداولة اليوم هي ودائع بنكية – أي أنها الديون المستحقة على البنوك التجارية الخاصة لعملائها. وحقيقة أن جميع الحكومات تشعر بأن عليها ضمان جزء كبير من تلك الالتزامات الخاصة هي أول تلميح إلى مدى غرابة ذلك في واقع الأمر. لكن الأغرب من ذلك هو كيف يتم تحديد إجمالي هذه الأموال.
يتم إنشاء الأموال المودعة حينما يصدر بنك (خاص) قرضا، وذلك عندما يودع المقترض وديعة في حسابه مقابل وعد من البنك بالسداد. وهذا يعني أن البنوك لا تقرض الأموال التي يودعها العميل لديها؛ بل تقوم ببساطة بإنشاء أموال إيداع جديدة عند تقديم قرض جديد وإلغاء الأموال الموجودة عند سداد القروض. (وضعت النشرة الفصلية لبنك إنجلترا شرحا رائعا لهذا الموضوع قبل بضعة أعوام).
النتيجة هي أن الحجم الإجمالي للعرض النقدي الكلي في اقتصاداتنا هو نتيجة ثانوية لكن غير منسقة لقرارات البنوك التجارية حول كيفية إصدار الائتمان وتخصيصه. الآن يبدو من الواضح أن كمية الأموال المتداولة، وقبل كل شيء مدى سرعة هذه الكمية من الأموال في التضخم أو الانكماش، لها بعض التأثير على النشاط الاقتصادي (وإلا فلماذا تحاول البنوك المركزية إدارة الشروط النقدية أساسا؟). مع ذلك، لا يوجد أي سبب على الإطلاق للاعتقاد بأن ما هو أمثل بشكل فردي للبنوك الخاصة في قراراتها بشأن الإقراض يجب أن يتطابق مع الكمية الإجمالية للأموال التي تجعل الاقتصاد أكثر إنتاجية وأكثر أمانا.
في الواقع، إنه أسوأ من ذلك. فالطريقة التي يتم بها زيادة كمية الأموال أو التعاقد عليها من قبل البنوك الخاصة تعمل على زعزعة الاستقرار، لأن نمو الأموال عندما يكون سريعا، فإن النمو الاقتصادي يميل إلى أن يكون سريعا أيضا، ويشجع التفاؤل الناتج عن ذلك والعائدات المرتفعة البنوك على الإقراض وبالتالي توفير المزيد من الأموال. وعلى العكس من ذلك، عندما يتخلف الناس عن سداد قروضهم أو عندما يسددونها، فإن الوظائف تفقد ويتراجع النمو، ما يقلل من الأسباب التي تدفع البنوك إلى الإقراض.
ما يمكن أن تفعله عملات البنوك المركزية الرقمية هو فصل العمليات التي تحدد المبلغ الإجمالي للأموال المتداولة عن العمليات المتعلقة بالائتمان. وفي مثل هذا النظام، يتعين على البنوك أن تفعل ما نميل إلى التفكير بسذاجة أنهم يقومون به بالفعل (قبل أن نقرأ شرح بنك إنجلترا المذكور أعلاه)، وهو تقديم عطاءات للعملاء لإيداع أرصدة أموالهم الحالية لديها، ووضع هذه الأرصدة في استخدامات جيدة من خلال إقراضها للمقترضين الذين رأت أنهم يتسمون بالجدارة الائتمانية. وطوال الوقت، سيحدد صانعو السياسة الخاضعون للسيطرة الديمقراطية بشكل مباشر المبلغ الإجمالي للأموال المتداولة، دون التورط في تخصيص الائتمان. بعبارة أخرى سيبدو عدم الوساطة وكأنه شيء جيد.

تاريخ الخبر: 2022-02-05 00:23:06
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 41%

آخر الأخبار حول العالم

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:15
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

عادل رمزي مدربا جديدا لمنتخب هولندا لأقل من 18 سنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 21:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية