افتتاحية الدار: ريان مات لكن رسالته إلينا لن تموت


الدار/ افتتاحية

لم يكن قدر الله في اختيار هذا الطفل البريء لهذا الابتلاء العظيم وهذه الوحشة المفزعة مجرد امتحان له ولأهله ولِذويه. لقد تجاوزت حكايته حدود شفشاون والمغرب والوطن العربي والعالم ليتحول إلى قصة إنسانية وحدت الإنسانية وهي تتابع أمام كاميرات التلفزيون وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي هذه الملحمة الحزينة. لقد كان خبر وفاته صدمة كبيرة تلقاها كل المتابعين بحزن وكمد شديدين، لكن في طيات هذه المحنة منحة غالية كشفتها لنا قصة هذا الطفل البريء. لقد كشفت لنا، مثلما فعلت ذلك الشهور الأولى من جائحة فيروس كورونا، أننا كمغاربة قادرون على تحدي الأزمات وتجاوز الكوارث بهبّتنا الموحدة شعبا ودولة.

قضينا مع ريان خمسة أيام بلياليها المؤلمة لتنتهي المأساة بوفاة الطفل بعد كل الآمال الكبيرة التي عقدناها على إمكانية انتشاله حيا يرزق، لكنه صغر سنه وضعف جسمه والظروف الطبيعية التي واجهها داخل البئر كانت أكبر من كل الآمال والأماني التي عقدناها جميعا. لكن في قلب هذا الألم رأينا كيف استعاد المغاربة قاطبة روحهم التضامنية العالية وهم يتابعون ساعة بساعة ما يحدث ويتلهّفون إلى اللحظة التي سيتمّ فيها الإعلان عن الخبر المفرح بخروجه من البئر سليما معافى. ورأينا كذلك بأم أعيننا كيف بذلت الدولة بمؤسساتها الأمنية والوقائية جهودا جبارة لا تضاهى، ووفّرت كل ما يكفي من تجهيزات وإمكانات مادية وبشرية وواصلت الليل بالنهار من أجل إخراج ريان موحّد المغاربة والعرب من محنته.

فقدنا ريان لكن رسالته التي ربّما جاء إلى الدنيا وخرج منها لأجل أن يوصلها إلينا. هذه الرسالة ملخّصها أن هذا الوطن الذي نعيش فيه بأمن وأمان بخير وعلى خير. وأن هذا الوطن يقّدر كثيرا أرواح أبنائه من أصغر أطفاله إلى أكبر شيوخه، وأن الدولة المغربية مستعدة لتقديم كل ما تملك من أجل حماية أرواح أبنائها والحفاظ على سلامتهم من كل ما يحدق بهم من أخطار. لقد عبأت السلطات كل ما لديها من موارد بشرية وآليات وتم تنسيق الجهود بشكل عالي الحرفية وإدارة الأزمة بما يلزم اتخاذه من إجراءات، ولعّل الحرص الشديد على ضمان سلامة ريان وسلامة طواقم الوقاية المدنية وعمال الحفر والتقنيين من الوقوع في كارثة أخرى لا قدّر الله يفسر ذلك التريث الذي تمت به عملية الحفر.

لقد رأينا كيف قضى أطفال من مختلف بقاع العالم أياما تجاوزت العشرين في حوادث مشابهة قبل أن يتم الوصول إليهم مثلما حصل في إسبانيا والجزائر والسعودية، ولأن السلطات المغربية كانت على اطلاع ومعرفة بما يمكن أن تحدثه عملية الإنقاذ العشوائية المتحمسة أكثر من اللازم، كان هذا الحرص على تأمين المكان وتفادي كارثة كان من الممكن أن تكون أكثر فجاعة وتدميرا. صحيح أن فقدان هذا الطفل البريء جرح وألم لن يندمل بسرعة، خصوصا بالنسبة لوالديه وعائلته، لكنه بهذه البراءة التي جاء وغادر بها الدنيا أعاد الكثيرين إلى رشدهم، وأظهر لهم أن ما يوحد مكونات هذا الوطن المغربي الغالي أكثر مما يفرق. وكشف أن لنا مؤسسات يمكن أن نعتمد عليها ونطمئن لعملها سواء في الظروف العادية أو في ظروف الأزمات المفاجئة.

لقد أظهرت جائحة كورونا في شهورها الأولى على الأقل أن المغرب دولة منظمة بمؤسسات ناجعة وفعالة، وها نحن ذا نكتشف من جديد هذا الرصيد الهام الذي ينبغي أن نعتز ونفتخر به بالرغم من كل الأحزان والآلام التي صاحبته. لقد كانت الكلفة غالية بفقدان ريان ورحيله عنا لكنهم هكذا هم الشهداء من ملائكة الجنة الذين لا يتركوننا إلا وقد تركوا فينا رسائلهم النبيلة. رحمك الله يا ريان وعاش هذا الوطن واحدا موحّدا.

تاريخ الخبر: 2022-02-06 03:23:39
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:45
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

جلالة الملك يوجه خطابا إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

سمرقند تستضيف قرعة كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة يوم 26 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:05
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية