وتتيح صفة عضو مراقب والتي تحظى بها الدول والهيئات المؤثرة من خارج الاتحاد وعددها نحو مئة شريك لإسرائيل تسجيل حضور مباشر ومتابعة دائمة في اجتماعات الاتحاد وتشكيل رؤاه وتشبيك علاقاته والمشاركة في الجلسات المفتوحة لمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي وفى الجلسات الافتتاحية والختامية لقمم الاتحاد الإفريقي.

كما تحصل الدول على ولوج محدود إلى وثائق الاتحاد الإفريقي، ويمكن أن يدعوها رئيس المفوضية للمشاركة في الاجتماعات والإدلاء ببيانات، كما يتيح لها ذلك التواصل المباشر مع المسؤولين الأفارقة في هذا الاتحاد المهم الذي ينوب عن مجلس الأمن في الملف الإفريقي.

لا تزال هذه المعركة قائمة منذ قرار المفوضية الإفريقية ورئيسها موسى الفكي قبول عضويتها مراقباً في الاتحاد استناداً إلى مفهوم إجرائيّ لصلاحيات رئيس المفوضية، وهو الأمر الذي رفضته 24 دولة عضو في الاتحاد من أصل 55 دولة واعتبروا أن قراراً بهذا المستوى يتطلب عرضه على مستوى أعلى من المفوضية لخصوصيته السياسية وأبعاده الأمنية، وأن صلاحيات الفكي تتطلب منه مراعاة مصالح الاتحاد والدول الأعضاء، بخاصة أن إسرائيل لا تعترف بمبادئ الاتحاد في الملف الفلسطيني، إذ يؤمن الاتحاد بحق فلسطين في إنشاء دولته على أرضه ويعترف بالقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة.

كما أن ملف إسرائيل في ملف حقوق الإنسان من الموانع الكبيرة لقبولها، إضافة إلى رفض معظم الدول العربية ومجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (16 دولة) لدور إسرائيل في الاتحاد، وسبق للاتحاد أن رفض طلبين قدمتهما إسرائيل للانضمام إلى الاتحاد بصفة مراقب في عامَي 2013 و2016، ولم يتغير هذا الوضع الذي رُفض فيه طلب إسرائيل، وتشير هذه الدول بصراحة إلى وضع استثنائي نتج عن تدخل مباشر لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للضغط على الدول الإفريقية لإعادة علاقاتها مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها وإدماجها في المؤسسات الإقليمية، بخاصة أن إسرائيل كانت عضواً مراقباً في منظمة الوحدة الإفريقية حتى عام 2002 قبل أن تتحول المنظمة إلى اتحاد بعد نشاط دبلوماسي كبير للعقيد القذافي، ومنذ ذلك الحين تحاول إسرائيل استعادة عضويتها داخل الاتحاد الإفريقي.

ومع أن إسرائيل وصلت إلى مرحلة متقدمة في علاقاتها الإفريقية باعتراف أكثر من أربعين دولة إفريقية بها، وقرار رئيس المفوضية الإفريقية التشادي الجنسية السفير موسى الفكي قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد وتقديم السفير الإسرائيلي في إثيوبيا أدماسو ألالي ذي الأصل اليهودي الإثيوبي أوراق اعتماده مندوباً لدى الاتحاد في 22 يوليو/تموز الماضي فإن الجزائر ومعها جنوب إفريقيا تخوض حرباً سياسية لإلغاء قرار الفكي، ويستند الموقف الجزائري إلى قواعد وإجراءات الاتحاد الإفريقي بأنه إذا اعترضت دولة عضو واحدة على اعتماد دولة غير إفريقية، يذهب الأمر إلى المجلس التنفيذي ليقرّر ويطرح الأمر للتصويت، وهو ما لم يحدث بسبب الضغوط الأمريكية على بعض الدول الإفريقية المؤثرة، وفضّل المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي الذي عُقد في 14 و15 أكتوبر/تشرين الأول 2021 ووزراء خارجية الاتحاد الإفريقي الذين التقوا عقب انتهاء أعمال المجلس -باقتراح من غامبيا- أن يُرجِئوا البتّ في الأمر حتى اجتماع القمة الإفريقية في فبراير من عام 2022 لشدة الانقسام وقوة الضغوط الأمريكية والبريطانية التي تضغط أيضاً باتجاه قبول إسرائيل عضواً مراقباً خشية فتح ملف مراجعة عضويتها في الاتحاد على خلفية احتلالها لجزر شاغوس في جمهورية موريشيوس في شرق إفريقيا.

وكان لافتاً في اجتماع وزراء الخارجية الأفارقة حينها الذي شهد خلافات حادة حول هذه القضية أن الدول التي أيّدت موقف موسى الفكي بوضوح كان منها المغرب وتشاد والسنغال والكاميرون والغابون وكوت ديفوار ورواندا وأوغندا وجنوب السودان، وبرّر بعض الدول موقفه بأن الاتفاقيات الإبراهيمية الأخيرة برعاية ترامب تعطي دافعاً لتسريع قبول إسرائيل في الاتحاد عضواً مراقباً، وأن ذلك يؤسّس لمبدأ المسامحة والمغفرة بين الدول المتنازعة، وأن إسرائيل صديقة للدول الإفريقية ولا صراع معها، كما أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بها وأصبحت القضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ثنائية، فيما اعترف بعض الدول مثل ليبيريا بوقوع ضغوط عليها لتوافق.

أما الدول التي أيدت الجزائر فقد كان منها جنوب إفريقيا ومصر ونيجيريا وليبيا وتونس وموريتانيا والسودان وجيبوتي وغامبيا وناميبيا، وبوتسوانا والنيجر وإرتريا... ولم يعترض الموقف المصري على قرار موسى الفكي بشكل مباشر لكنه اعتبر هذا القرار مدخلاً للانقسام في جسم الاتحاد الإفريقي، بخاصة أنه ملفّ ثانوي لا يتعلق بأولويات القارة الإفريقية وقضاياها.

ومن الواضح أن الدول الرافضة لقرار الفكي لديها مناورة قوية تعتمد على ضرورة قبول إسرائيل لمبادئ الاتحاد المتعلقة بالقضية الفلسطينية والمتمثلة بالانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهو أمر لا تقبل به الحكومة الإسرائيلية ذات التوجهات اليمينية، وهذه الدول تشكّل في مجموعها نحو نصف الدول الأعضاء مدعومةً بموقف جامعة الدول العربية، وكما كان متوقعاً فإن القمة لم تتخذ قراراً نهائياً بتثبيت عضويتها، خاصة أن رؤية أدوار الشركاء الخارجيين للاتحاد لم يُبَتّ فيها بعدُ، ويعمل مجلس الأمن والسلم الإفريقي على وضعها استناداً إلى مبادئ الاتحاد الرافضة للاحتلال.

ومع أن للموقف الفلسطيني تأثيراً مهماً في هذه القضية فإنه ليس من المتوقع أن تتحرك الدبلوماسية الفلسطينية برئاسة وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي بنشاط في هذه القضية تجنّباً للمواجهة مع الإدارة الأمريكية.

وفي العموم فإن فرص إسرائيل بتثبيت قرار موسى الفكي بشكل نهائي في اجتماع قمة الاتحاد الإفريقي لم تكن قوية رغم نشاط دبلوماسيتها واستنفار خارجيتها، فهذه القضية ليست من القضايا الملحة، بخاصة إذا تسببت في انقسام إفريقي حادّ تحاول القارة السمراء أن تتجنّبه مع تعاظم التحديات في دولها، بخاصة بعد اشتعال الانقلابات في بعض دول القارة وزيادة حدة الصراع الفرنسي الروسي الأمريكي فيها، ومع إصرار الجزائر حسب إعلان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة يوم الجمعة 4 فبراير/شباط 2022 أن قرار المفوضية قبول عضوية إسرائيل في دور مراقب خطأ مزدوج تمّ دون استشارة الدول الإفريقية، ودون اعتبار لموقف الدول الرافضة لهذا الدور، مما يهدد تضامن الاتحاد الإفريقي، وكان يكفي في اجتماع القمة أن لا تُطرَح القضية للتصويت والاعتماد الإجرائي ليسقط ملف العضوية الإسرائيلي، لكن لطبيعة الضغوط وحساسية أي إجراء يتعلق بإسرائيل وإصرار موسى الفكي على أهليّة قراره وأنه ضمن اختصاصاته فإن قمة الاتحاد الإفريقي قررت تعليق قرار منح إسرائيل صفة مراقب في المنظمة، وتشكيل لجنة من 7 رؤساء دول من بينهم رئيس الجزائر لدراسة الأمر وهذا يعني أن وجود إسرائيل ما زال محل مراجعة وعدم اعتماد نهائي رغم أن قرار رئيس المفوضية الإفريقية يمنحها بعض الوقت للاستفادة من قراره بالبقاء حتى اتخذا القرار النهائي.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي