عنونت صحيفة "News Break" اليونانية تقريراً نشرته نهاية الشهر الماضي بعبارة "كل شيء ممكن الآن: الولايات المتحدة تبيع مصر أيضاً!"، ولم تكتفِ بذلك، بل وصفت حكومة بايدن بأنها تفرش السجاد الأحمر أمام تركيا في كل المجالات، في إشارة إلى الموقف الذي تعرض له كل من اليونان ومصر مؤخراً.

ولم يمضِ أكثر من شهر على تخلي الولايات المتحدة عن دعم مشروع خط أنابيب الغاز المعروف باسم "ميد إيست" الذي رفضته تركيا مراراً، حتى تخلت عن مصر هذه المرة، الحليف الآخر شرقي المتوسط، من خلال إلغائها مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار بحجة أن القاهرة لم تستوفِ جميع متطلبات حقوق الإنسان التي حددتها واشنطن.

وعلى الرغم من الدعم الأمريكي والغربي الكبير لليونان في الفترة الماضية، فإن الواقع والقوانين الدولية والتحالفات السياسية فضلاً عن أزمة الطاقة التي تجتاح أوروبا، كلها عوامل دفعت واشنطن إلى تحسين موقفها تجاه الحق التركي، إذ بدأت تتعامل مع الواقع شرق المتوسط وفقاً للرؤية التي وضعتها تركيا منذ البداية.

اقرأ أيضاً: تحطم أحلام اليونان في "إيست ميد".. الموقف الأمريكي يدعم اعتراضات تركيا

التحالف اليوناني يتصدع

دقت الولايات المتحدة مسماراً جديداً في نعش التحالف اليوناني ضد المصالح التركية في صراع الغاز شرقي المتوسط، وذلك بعدما اصطدمت محاولات الاصطفاف اليونانية بقوة الموقف التركي الذي أفشل تشكيل جبهة حقيقية ضد تركيا، وهو ما لم ينتج عنه تخلي الولايات المتحدة عن مشروع "ميد إيست" وحسب، بل مهّد أيضاً للتقارب التركي الإسرائيلي الذي يقيم للتعاون في ملف نقل الطاقة إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية السابقة كانت من أشد المؤيدين لمشروع "ميد إيست" الذي كان يستثني تركيا ويتجاهل حقوقها بشكل صارخ، بحجة أن أوروبا بحاجة إلى تنويع احتياجاتها من الطاقة مقابل روسيا، فإن الإدارة الأمريكية الحالية رفضت بصمت دعم المشروع لكونه "مصدراً رئيسياً للتوتر" وشيئاً "يزعزع استقرار" المنطقة، بالإضافة إلى افتقاره إلى الجدوى الاقتصادية، ووجود تخوفات بيئية أخرى.

وما إن أعلنت الولايات المتحدة تخليها عن مشروع "ميد إيست" الذي اتفقت إسرائيل واليونان وقبرص الجنوبية عام 2020 على بنائه بطول 1900 كم وبتكلفة تبلغ نحو 7 مليارات دولار، حتى بدأت إسرائيل البحث عن حلول مع تركيا لنقل الغاز إلى أوروبا التي تعاني نقصاً كبيراً في إمدادات الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية، وسط تقديرات الخبراء الذين يرون أن تكلفة النقل ستكون أرخص بثلاث مرات إذا ما مرّ خط الأنابيب عبر تركيا.

أمريكا "تبيع مصر" أيضاً

عجّت وسائل الإعلام اليونانية بالأخبار القادمة من واشنطن حول إلغاء الولايات المتحدة 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. تأتي هذه الخطوة بعد أيام فقط من موافقة حكومة بايدن على مبيعات أسلحة بقيمة 2.5 مليار دولار للبلاد.

وهو ما دفع صحيفة "News Break" إلى وصف الأمر على أنه "خيانة" مماثلة لتلك التي ارتكبوها مع اليونان مؤخراً، عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب دعمها لخط الأنابيب "ميد إيست" ذي الأهمية الجيوسياسية القصوى لليونان وقبرص الجنوبية، بعد فترة قصيرة من توقيعها اتفاقية ليونتيوس الدفاعية المشتركة مع الحكومة اليونانية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي أعطى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الضوء الأخضر لتقديم 300 مليون دولار مساعدات عسكرية لمصر، لكنه حجب 130 مليون دولار أخرى على أسس غير مقبولة مفادها أن البلاد لم تستوفِ "شروطًا محددة لحقوق الإنسان" بحلول نهاية يناير/كانون الثاني.

فيما أشارت صحيفة "Estia" اليونانية إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان لم تمنع حكومة بايدن من الموافقة على بيع 12 طائرة نقل من طراز "Super Hercules C-130J" ورادار دفاع جوي بقيمة إجمالية بلغت نحو 2.5 مليار دولار لمصر قبل أيام. وأوضحت وزارة الخارجية أن الاتفاقية "ستدعم السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي، وتساعد على تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو لا يزال شريكاً استراتيجياً رئيسياً في الشرق الأوسط".

اليونان وحيدة في مواجهة تركيا

يبدو أن الحلفاء الذين استنزفوا الخزينة اليونانية جراء صفقات بيع السلاح الضخمة التي وقعوها مع أثينا في السنوات الأخيرة بدؤوا التخلي عنها تدريجياً، وباتوا أقرب إلى أنقرة منهم إلى أثينا التي سعت جاهدة لحشد الجميع في صفها في مواجهة الحقوق التركية شرقي المتوسط.

وقُبيل الرفض الأمريكي لمشروع "ميد إيست" بداية العام الجاري وتبنّي الرؤية التركية في ما يتعلق بملفّ غاز شرق المتوسط، بدأت أنقرة جهوداً دبلوماسية مع مصر وإسرائيل قد تنتهي بترسيم الحدود البحرية معهما كما فعلت مع ليبيا سابقاً، لتنهي بذلك صراع شرقي المتوسط لصالحها رغماً عن اليونان وحلفائها المتبقين.

وبينما سيقيّم كل من أنقرة وتل أبيب إمكانية نقل الطاقة إلى أوروبا عبر تركيا خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي المرتقبة لتركيا منتصف الشهر المقبل، ما زالت تركيا تحافظ على اتصالاتها مع مصر في ظلّ التحسن الذي شهدته علاقات البلدين خلال العام الماضي، وسط ترقُّب وتفاؤل بإحداث خرق وتطبيع العلاقات بالشكل الذي من شأنه أن يدفع مصر إلى تغليب مصالحها على تحالفها غير المجدي مع اليونان التي ستُترَك وحيدة في مواجهة تركيا شرقي المتوسط.

TRT عربي