أثار قرار قناة ”دويتشه فيله” التليفزيونية الألمانية فصل موظفين لديها، بينهم لبنانيان، جدلاً واسعاً في لبنان وفلسطين والوسط الصحفي العربي، بعدما زعمت تحقيقات أجرتها أن لديهم توجهات ”معادية للسامية"، وذلك من خلال تغريدات أو منشورات ينتقدون فيها سياسات إسرائيل.

وكانت "دويتشه فيله" اتخذت قراراً قبل يومين بفصل أربعة موظفين، بينهم الصحفي اللبناني باسل العريضي والفلسطينية مرام سالم، بالإضافة إلى أحد المتعاونين من الخارج وهو لبناني أيضاً، من قسمها العربي، بعد تحقيقات استمرت شهرين، بإشراف وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر، وذلك للاشتباه بأنهم عبّروا في منشورات او مقالات صحفية عن "آراء معادية للسامية"، وفق المزاعم.

وأثار قرار القناة الالمانية جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، في ما يتعلق بالعريضي وزميله اللبناني داوود ابراهيم، بالإضافة إلى صحفيين آخرين من الأردن وسوريا وفلسطين.

وقررت نقابة المحررين في لبنان متابعة قضية الصحفيين اللبنانيين المفصولين، قائلة إنها ستتابع "هذا الموضوع قانونياً إذا ارتأى الزميلان العريضي وإبراهيم مقاضاة دويتشه فيله”. كما وجه نقيب المحررين جوزيف القصيفي رسائل إلى كل من الاتحاد العام للصحفيين العرب، والاتحاد الدولي للصحفيين، مطالباً كلا منهما ”باتخاذ الموقف المناسب” بالدفاع عن الصحفيين اللبنانيين.

من جهته ذكر مركز "سكايز" المدافع عن الحريات الإعلامية والثقافية في المشرق العربي الذي يتخذ من بيروت مقراً له، أن القرار يشمل بالإضافة إلى العريضي، وهو مدير مكتب القناة في بيروت، كلاً من فرح مرقة، ومرهف محمود، ومرام سالم، بالإضافة إلى فسخ عقد التعاون مع داود الذي يعمل في مجال التدريب الإعلامي.

وقال العريضي، الإعلامي منذ أكثر من 20 سنة في مؤسسات مثل ”BBC” البريطانية، وقناة الجديد اللبنانية، إن ”التهمة باطلة وأرفضها جملة وتفصيلاً. هذا بمثابة إعدام مهني لي”.

وكان المدير العام للقناة الألمانية بيتر ليمبورغ أعلن في مؤتمر صحفي من بُعد يوم الاثنين أن المؤسسة ”تأكدت عبر دراسة إجابات أسئلة وُجهت إلى الصحفيين أن لدى الأشخاص الخمسة توجها معاديا للسامية، وصولا إلى إنكار المحرقة والتشكيك في حق إسرائيل في الوجود. لذا، فإن تجميد العمل معهم يعد قراراً صائباً، ويوصى بوقف التعامل معهم”.

وروى العريضي مجريات التحقيق الذي أجرته لجنة برئاسة وزيرة العدل الألمانية السابقة، الذي صدرت على أساسه توصيات بإقالة الموظفين من مناصبهم الاثنين الماضي، فقال: "كنت صريحاً مع لجنة التحقيق وذكرت بالقوانين المطبقة في لبنان التي تتعلق بالموقف من إسرائيل، إذ إن لبنان رسمياً بحالة حرب وقوانينه تمنع أي اتصال أو اعتراف بإسرائيل، ففي القانون الجزائي مواد تنص على عقوبات مختلفة، بينها الإعدام والسجن بالأشغال الشاقة، لمن ينتهكها".

وأشار العريضي إلى أنه لم تكن على حسابه على موقع "تويتر" التغريدة التي عوقب على أساسها، بل كان رد كتبه تعليقاً على تغريدة لشخص آخر، يذكّر فيه بالقوانين اللبنانية التي تحظر التواصل مع إسرائيل أو زيارتها، في معرض إشارته إلى زيارة البطريرك اللبناني بشارة بطرس الراعي لمدينة القدس في 2014 برفقة بابا الفاتيكان فرنسيس، علماً بأن العريضي انضمّ إلى قناة "دويتشه فيله" في يوليو/تموز 2019.

وأشار الصحفي اللبناني إلى أنه أُبلغَ القرار هاتفياً قبل ربع ساعة من المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة حيث أُلغِيَ عقد العمل معه، ولم تقدّم له الإدارة أي معلومات إضافية. وأضاف متعجباً: "فرق شاسع بين معاداة السامية ومعاداة سياسات إسرائيل. نحن شعوب سامية، فكيف أكون عدو نفسي؟!".

بدوره، أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء قرار شبكة "دوتشيه فيله" الإعلامية الألمانية فصل 5 صحفيين عرب بزعم "معاداة السامية".

وحذّر المرصد "الأورومتوسطي" في بيان، من أن "مثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى فتح الباب على مصراعيه لتصعيد حملة التطهير ضد العرب في وسائل الإعلام الألمانية".

وراجع الفريق القانوني للمرصد "الأورومتوسطي" وفحص تقرير لجنة التحقيق المنبثقة عن القناة، ورصد به مشكلات تقوّض نتائجه، وخلص إلى أن "إطار عمل التقرير وتحليله وتوصياته تتضمن أدلة عديدة على التحيز لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين".

وأفاد بأن "التحقيق يتضمن عديداً من وجهات النظر الإسرائيلية، ويسعى لخلق تحيز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية، والحدّ من مساحة أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم".

وكانت الصحفية الفلسطينية مرام سالم، إحدى المتضررين من الفصل، قالت عبر فيسبوك الاثنين: "أُعلِمتُ الآن قرار فصلي من دويتشه فيله، وذلك عقب نشر صحفي ألماني تقريراً يتهمني مع زملاء آخرين بمعاداة السامية وإسرائيل، وذلك بسبب منشورات عبر فيسبوك".

وأضافت: "في حالتي فإن (المنشور) خاصتي لم يكن يحتوي على أي تعبير مُعادٍ للسامية، ولم يذكر إسرائيل، بل تحدثتُ عن حرية التعبير في أوروبا فقط".

وتابعت: "الخطوة التعسفية التي جاءت ضدي كانت نتيجة صراعات داخلية وكيدية، ومجموعة من الإشاعات غير الصحيحة، وجدت نفسي لسبب لا أعلمه في وسطها، واستُخدمتُ كبش فداء من دويتشه فيله للخروج من أزمتها الحالية".

وأوردت نصَّ المنشور المذكور، الذي جاء فيه أنّ "حرية التعبير وإبداء الرأي في أوروبا وهم. خطوط حُمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القضية".

TRT عربي - وكالات