تسبّب فصل قناة "دويتشه فيله" 5 من موظفيها العرب بعدما زعمت تحقيقات أجرتها أن لديهم توجّهات "معادية للسامية"، بصدمة في الأوساط الإعلامية والصحفية وبين متابعيها لا سيّما العرب منهم، وذلك للتناقض الواضح بين قرارها وما تزعم المؤسسة انتهاجه من معايير مهنية وشعارات حرية الرأي والتعبير.

وعلى حد وصف الصحفية الفلسطينية مرام سالم، وهي إحدى الصحفيات الّتي استهدفها قرار القناة الألمانية، فإنّ الأسئلة الّتي طُرحَت خلال التحقيق الذي أُجري معها فاجئها بشدة "إذ لا يجري طرحها عادة إلا من جسم أمني يعمل لدولة قمعية (..) وتشبه سؤال رجال المخابرات"، وفق ما قالت سالم في تصريحات خاصة لـTRT عربي.

كبش فداء

اتخذت دويتشه فيله قراراً الثلاثاء بفصل أربعة موظفين، بينهم الصحفي اللبناني باسل العريضي والفلسطينية مرام سالم، بالإضافة إلى أحد المتعاونين من الخارج وهو لبناني أيضاً، من قسمها العربي بعد تحقيقات استمرّت شهرين.

وأُجريت التحقيقات بإشراف وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويزر شنارنبرغر، وذلك للاشتباه بأنهم عبّروا في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات صحفية عن "آراء معادية للسامية" ومعاداة سياسات إسرائيل، وفق المزاعم.

واعتبرت مرام سالم، التي قالت إنها فوجئت بقرار وقفها عن عملها بالقناة الألمانية وتحويلها إلى التحقيق، أنّ دويتشه فيله "اتّخذت قرارها التعسّفي من أجل التخلّص من الإحراج بسبب أيّ مشكلات تتعلّق بتمويلها، وكنّا كلنا كبش فداء وكان التحقيق مجرد واجهة إعلامية".

وانتقدت الصحفية الفلسطينية في منشور لها على موقع فيسبوك ما وصفته بـ"وهم حرية التعبير في أوروبا"، مؤكّدةً أنّ ثمّة "خطوط حمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القضية". فيما انتقد نشطاء قرار الفصل الذي ليس فقط يتناقض مع شعارات حرية الرأي، بل ويحاسب الصحفيين بأثر رجعي على منشورات وآراء تبنّوها قبل سنوات من عملهم بالإذاعة الألمانية.

لقد تم إعلامي الآن بقرار فصلي من الدويتشه فيله، وذلك عقب نشر صحفي ألماني تقريرا يتهمني مع زملاء آخرين بمعاداة السامية...

Posted by ‎مرام سالم‎ on Monday, February 7, 2022

إرهاب فكري

تتغنّى ألمانيا بشعارات حرية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان، وتزعم قناة دويتشه فيله المملوكة للحكومة الألمانية على صفحتها الرسمية أنّها منصة تقدّم "معلومات غير متحيّزة موجّهة للعقول الحرة"، وأنّها "نمنح الجميع في كل أرجاء العالم الفرصة لتكوين آرائهم الخاصة".

وتفتخر القناة كذلك بنقل صورة عن ألمانيا أنها "دولة ديمقراطية ليبرالية"، وأنّها تهدف إلى أن تكون "منتدى لوجهات النظر الألمانية وغيرها (..) لتعزيز التفاهم وتبادل الأفكار بين مختلف الثقافات والشعوب"، وذلك في إطار التركيز على "الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد"، على حد زعمها.

ويظهر جليّاً أنّ المؤسسة الألمانية تناقض نفسها، إذ يأتي قرارها التعسفي بفصل موظفيها العرب لاستخدامهم حقهم الطبيعي في التعبير عن الرأي في إطار ما نعته مراقبون بـ"الإرهاب الفكري"، ما يتناقض شكلاً وموضوعاً مع مزاعم المؤسسة بعدم التحيّز وإعطاء الفرصة للجميع لتكوين آرائهم الخاصة.

وفي السياق ذاته، خلُص تحقيق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أنّ "تقرير لجنة التحقيق المنبثقة عن دويتشه فيله به مشكلات تقوّض نتائجه، وأنّ إطار عمله وتحليله وتوصياته تتضمّن أدلة عديدة على التحيّز لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين (..) ويتضمن عديداً من وجهات النظر الإسرائيلية، ويسعى لخلق تحيز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية، والحدّ من مساحة أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم".

عقدة الذَّنب وإرث المحرقة

تجمع ألمانيا وإسرائيل علاقات استثنائية وطيدة تشكّلت في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي تخلّلتها جرائم النازية بحق اليهود في أوروبا أو ما يُعرف تاريخياً بـ"الهولوكوست"، فحافظت برلين على علاقة خاصة مع تل أبيب على مر عقود، لما تعتبرها الأولى "مسؤولية خاصة تجاه الدولة اليهودية بسبب الهولوكوست.

وتكرّر رضوخ دويتشه فيله في عدة محافل لضغوط اللوبي الصهيوني في ألمانيا الذي ما أنكفأ يحرّض دوائر السياسة والإعلام في برلين على هضم حقوق الشعب الفلسطيني، فعلى سبيل المثال قيّدت الإذاعة الألمانية نشر التقارير التي تنتقد إسرائيل خلال العدوان الإسرائيلي الشرس على الشعب الفلسطيني شهر مايو/أيار من العام الماضي.

وكانت وثيقة داخلية مسرّبة عن دويتشه فيله نُشرَت وقتئذ على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء العدوان الإسرائيلي الغاشم، أفادت بأنّ "إرث المحرقة ومسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل لا يزالان حجر الزاوية في دستور البلاد وسياستها الخارجية".

وأوصت رئيسة التحرير بالإذاعة الألمانية مانويلا كاسبر-كلاريدج، الموظفين عبر تلك الوثيقة قائلةً "نحن في دويتشه فيله لا نشكّك أبداً في حق إسرائيل في الوجود باعتبارها دولة، ولا نسمح للأشخاص الموجودين في تغطيتنا بذلك"، مضيفة: "نحن لا نشير أبداً إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل. إننا نتجنب أيضاً الإشارة إلى الاستعمار أو المستعمرين".

TRT عربي