كان كابلي يتنفس وطناً اسمه السودان


كان كابلي يتنفس وطناً اسمه السودان

البخاري حبيب الله عباس

مات الكابلي وترك فناً خالداً في النفوس، رحل كالعصافير مع مغارب الشموس، وترك وكره مهجوراً إلا من صوت موسيقاه تهتف خلفه وتذكرنا ببقاء ما بعد الرحيل.

رحل الكابلي ورغم كثرة الشائعات حول وفاته ورغم تقدّمه في العمر ونيل المرض من جسده إلا أن كل هذا لم يخفف مرارة فراق ورحيل الكروان والهرم الغنائي فقد كان خبر رحيله فاجعة فلا كان دمعنا عصياً ولا كان الصبر شيمة حزننا في فقد كابلي.

المطرب السوداني الراحل عبد الكريم الكابلي

رحل الكابلي الفنان الشامل بعد أن أبدع وأجاد نظماً فريداً ولحناً شجياً وعزفاً مترعاً بالجمال، رحل سامر الليالي المخملية وصادح الأمسيات، فقد كان سفيراً للأغنية السودانية، طربت له الدبلوماسية في حفلاتها واستقبالاتها وأطرق له السامعون غير ذوي اللسان العربي المبين، فقد كان كابلي فوق الفن صاحب ثقافة واسعة ولسان ذرب وفكر وقاد، يجيد أكثر من لغة ويستزيد من أشعار الأعارب والأعاجم، يلاحق طرائد الفن وفرائد الأدب وجمائل الموشحات وسجائع المفردات.

شيّد كابلي حياةً باذخة بكل ما هو جميل ونبيل، ونثر السعادة والفرح في النفوس، وأمتع محبي الفن الأصيل والطرب الجميل، فقد كان كابلي محباً لصنعته متقناً لها، لم يهبط عليه الفن من العدم لكنه بموهبته وعصاميته بنى لنفسه ولشعبه مجداً فأصبح أيقونة فنية، ما ذُكِر فنُ الغناء السوداني إلّا وكان كابلي جوهرته وعرصة بنائه المشيد، وقد أرسى بموهبته نمطاً غنائياً سهلاً عند السماع عصياً على التقليد، كان حلقة وصل وجوهرة عقد، جسّر العلاقة بين جيله وسابقيهم، ربط بينهم في براعة وسلاسة نادرة.

في أغاني كابلي تكاد تستبين أنماط الفن قديمه وجديده في لحن واحد؛ ويأخذك بهدوء متنقلاً بين عوالم التراث والحداثة، وبين الحضر والبادية، وتألف أذنك لنعومة الصوت وغلظته في المقطع الواحد، ويشحذ أذنك ليغرس في روحك طرباً ونبلاً وشجاعةً وأصالةً.

كان بين كابلي ومنطقتنا وشيجةٌ فقد غنىّ كثيراً من أغاني الحماسة والتراث (البشيل فوق الدبر ما بميل وأنا بشرح وأقول والبشاقرة تتصنت وأغنية غير خالد ماليك تنين عرّش دود الأربعين السيل بوبا) فهي أغانٍ تراثية وحماسية كل واحدة منها تحكي سيرة وقصة رجل من أهل البشاقرات (البشاقرة شرق وغرب وفضل وأم مغد والتكينة وألتي والمسيد والعديد وودلميد) وهي منطقة حاذت بغناء الحماسة في السودان ولا تكاد تجد من أغاني الحماسات الكبرى إلا وشاعرها أو شاعرتها من بشاقرات الرفاعيين، فقد قصدها كابلي بحسه الفني وأخذ عيون شعرها وجميل أغانيها.

خلّد الكابلي اسمه بأحرفٍ من نور في سماء الفن والثقافة، ورحل مرتاحاً وسعيداً بأداء رسالته كاملة غير منقوصة، فهو مثالٌ سوداني نادر لمن امتهن حرفته واتقنها لا يتطاول إلى سواها ليس عجزاً ولكن درساً خالداً للأجيال، فقد كرّس كابلي حياته لرسالة أكبر من أن تحتويها تجربة مبدع وموهبة فنان لكنه اتخذ فن الغناء مدخلاً لحب الوطن فعبّر بها كلمةً ولحناً وفكراً وموسيقى فكان يحمل الوطن في ندواته وفي أفكاره وفي أشعاره وفي حله وترحاله حتى بات الوطن رئته الثالثة، اهتم كابلي بالوطن أكثر من أي شيء في حياته، فلم يكن يغني كلمات ولم يكن يعزف ألحاناً وموسيقى وإنما كان يتنفّس الوطن.

رحم الله كابلي وغفر له..

تاريخ الخبر: 2022-02-14 03:21:38
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:25:58
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 64%

الغلوسي: هل من حكماء لإنهاء أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة؟

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:26:14
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

أخنوش يمثل الملك في القمة العربية بالمنامة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:26:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

الغلوسي: هل من حكماء لإنهاء أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة؟

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:26:09
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 57%

مبابي يغيب عن مواجهة سان جرمان أمام نيس بداعي الإصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:25:51
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

أخنوش يمثل الملك في القمة العربية بالمنامة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 18:26:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية