لم تكن استطلاعات الرأي التي تصدر دورياً في الصحف المحلية، والتي تُظهِر آخر ترتيب للمرشحين في نيات التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تعني شيئاً لمسلمي فرنسا، إذ يكاد جميع المرشحين على اختلاف توجهاتهم السياسية والآيديولوجية، يشتركون في ذات الخطاب المعادي لهم والمحرّض ضدّهم.

بالتالي، وعلى ضوء ارتفاع مشاعر الكراهية في المجتمع الفرنسي، التي أجّجَتها الخطابات السياسية للمرشحين، وزادت حدتها الوسائط الإعلامية، أصبح المسلمون مضطرّين اليوم وبشكل أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إلى مغادرة البلد الذي بدأ يوصد أبوابه في وجههم، وبات العيش فيه مستحيلاً لهم، وقد يزداد فيه الوضع سوءاً بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة بين 10 و24 أبريل/نيسان المقبل، وفق ما أكّده كثير منهم.

لماذا يغادر المسلمون فرنسا؟

في تقرير نشرته مؤخراً صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان "رحيل في الخفاء لمسلمي فرنسا" ، تَحدَّث بعض المسلمين الفرنسيين عن الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إلى مغادرة فرنسا.

وأشار بعضهم إلى أن التركيز على موضوع الهجرة في خطابات المرشحين لرئاسيات 2022، أثار المخاوف والقلق لديهم.

فعلى الرغم من أن فرنسا من أقلّ البلدان استقبالاً للمهاجرين مقارنة ببقية البلدان الأوروبية، فقد وضعت ملف الهجرة على قائمة أولويات المرشحين للانتخابات الرئاسية، الذين استثمروا بدورهم في مشاعر الفرنسيين المناهضة للمهاجرين، للترويج لخطاب مُعادٍ بإمكانه استقطاب أكبر عدد من الناخبين.

وفي هذا الإطار قالت راما ياد، الوزيرة السابقة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان في عهد نيكولا ساركوزي، إن "التركيز المفرط من المرشحين حول موضوع الهجرة خلال الحملة الانتخابية، ما هو إلا نتيجة لعشرين عاماً من الحديث عن الهوية الوطنية".

فيما اعتبر بعض المتحدثين للصحيفة أن اعتداءات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 الإرهابية، أججت مشاعر الكراهية ضد المسلمين، وتصاعدت على أثرها ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل ملحوظ، وتطورت في غالب الأحيان إلى أعمال عنف ضدّ المسلمين.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل توّجت الحكومة الفرنسية بدورها سنوات من التشريع المعادي للمسلمين، بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن خطته لمكافحة ما سمَّاه "النزعات الانفصالية"، وذلك ضمن قانون "تعزيز قيم الجمهورية"، وبدأ القانون لاحقاً يأخذ منحىً غير محاولة إدماج المسلمين ومراقبة قنوات تمويل الجمعيات والمساجد، إلى محاربة المسلمين في زوايا حياتهم كافة ومزيد التضييق القانوني عليهم.

على الصعيد ذاته كشف مسلمون فرنسيون عن تَعرُّضهم للتمييز العنصري في الحصول على وظيفة في فرنسا، وأيَّد ذلك دراسة سابقة نشرتها الحكومة الفرنسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أشارت إلى أن الفرنسيين من أصول مسلمة حظوظهم أقلّ في اتصال رب عمل بهم لإجراء مقابلة توظيف.

كان المرشح اليميني المتطرف إريك زمور عبَّر عن ذلك في خطاباته كثيراً حين صرّح في تعبير مهين بأن "أرباب العمل الفرنسيين لهم الحق في رفض تشغيل العرب والسود".

وتبدو هذه الأسباب لكثير منهم كافية لمغادرة بلد، لو أتقنت لغته واكتسبت من المهارات ما يكفي وفعلت ما فعلت، لن يُقبل اندماجك فيه ما دمت مسلماً أو مهاجراً، وتُحاكَم بأخطاء غيرك.

المرشحون للانتخابات.. تنافس حول العداء للمسلمين

شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً لافتاً في عدد المغادرين من المسلمين الفرنسيين الذين يمثلون نحو 10% من المجتمع الفرنسي، وانتهى بهم المطاف في النهاية إلى اتخاذ قرار المغادرة هرباً من العنصرية وبحثاً عن حياة أفضل.

تعليقاً على موجة هجرة المسلمين من فرنسا قال أولفييه أستيفيز، الأستاذ في معهد الدراسات والأبحاث الإدارية والسياسية في جامعة "ليل" بشمال فرنسا، في حديثه إلى نيو يورك تايمز: "السياسيون الفرنسيون لا يتحدثون كثيراً عن الهجرة العكسية المتمثلة في رحيل مئات الفرنسيين المسلمين إلى بريطانيا أو كندا على سبيل المثال للعيش والعمل هناك والمساهمة في نمو اقتصاد تلك الدول".

ولكن يبدو أن المرشحين لرئاسيات 2022 وضعوا الفوز نُصبَ أعينهم متغاضين عن كل حقيقة أخرى، ولم يكُن من شيء أسهل للفوز أو التقدم على بقية المنافسين سوى الاستثمار في لحظات الغضب والكراهية التي يعيشها الفرنسيون ضدّ المسلمين والمهاجرين، لتأجيج نيران هذه المشاعر وكسب مزيد من الأصوات.

بالتالي أصبح من المفسَّر جنوح المرشحين للانتخابات نحو اليمين، على غرار الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي يتصدر نيات التصويت. فبعد أن كانت بداياته اشتراكياً تمكّن من الفوز بكرسي الحكم، أصبح واضحاً مؤخراً جنوحه التدريجي نحو اليمين، بدءاً من "قانون الانفصالية" الذي كان له السبق في سنّه، وصولاً إلى تصريحاته المعادية للإسلام في قوله إن "الإسلام في أزمة"، ودعمه الصور المسيئة للرسول مُحمَّد عليه الصلاة والسلام، وحلّ جمعيات لمسلمين وإغلاق المساجد، وغيرها من القرارات.

ولم تفوّت فاليري بيكريس، مرشحة الجمهوريين القريبة من المركز الثاني، بدورها فرصة المزايدة على ماكرون في ملفّ الهجرة والمسلمين باتهامها الرئيس الفرنسي بالتغاضي عن "الإسلاموية، بل وكذلك الهجرة غير الخاضعة للرقابة، وزيادة انعدام الأمن". وتعهدت في حال انتخابها لرئاسة فرنسا بأن تكون "أكثر تشدداً" بشأن الهجرة. وكانت اقترحت في وقت سابق "ترحيل الأجانب الذين يمثّلون تهديداً للأمن العامّ، خصوصاً من الذين يتبنّون خطاباً إسلامياً متشدداً".

وتزداد حدة هذه الخطابات لدى المعسكر اليميني المتطرف المتمثل أساساً في ماري لوبان وإيريك زمور، وبالتالي اعتبر مسلمو فرنسا أن النتيجة لن تعني لهم كثيراً في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن التوجه يبدو واحداً.

TRT عربي