أُثيرَت التساؤلات حول جماعة الأفروسنتريك (Afro-centric) والتي تعني المركزية الإفريقية، وذلك بعد انتشار وسم "#وقف_مؤتمر_أسوان" بين نشطاء ورواد لمواقع التواصل الاجتماعي في مصر، مطالبين الحكومة المصرية بوقف مؤتمر بعنوان "إفريقيا الواحدة.. العودة إلى الأصول"، ومن المقرر عقده على مدار يومي 25 و26 من فبراير/شباط الجاري في مدينة أسوان المصرية.

وجاءت تلك المطالب بعد الكشف عن انتماء أغلب المحاضرين بالمؤتمر إلى فكر الأفروسنتريك، والتي يُعرف عنها التعصّب للعرق الأسود وادعاء نسب الحضارة المصرية إلى ذلك العرق، بزعم أنّ الأهرامات بناها الأفارقة الأوائل الذين أبيدوا لاحقاً، إضافة إلى عديد من الادعاءات التي يروجون لها حول احتلال أبيض لشمال إفريقيا.

ورُغم تداول البعض من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خبر إلغاء المؤتمر، غير أنّ شركة Akht Tours السياحية الأمريكية، التي كانت أعلنت عن المؤتمر ضمن برنامج سياحي لزيارة معالم سياحية وأثرية في مصر بين يومي 20 إلى 28 من الشهر الحالي، لا تزال تحتفظ بإعلان الرحلة والتي تشمل تفاصيل المؤتمر والمحاضرين فيه على موقعها الرسمي.

فيما يتساءل كثيرون حول دوافع جماعة الأفروسنتريك وأهدافها وطبيعة الادعاءات التي تزعمها.

نشأة المركزية الإفريقية

يمكن تعريف الأفروسنتريك باعتبارها أيديولوجية عنصرية عالمية تحاول التنديد بالاضطهاد والعنصرية والاستعمار الذي تعرّضت له القارة الإفريقية على يد البيض، وذلك عبر ممارسة عنصرية مضادة تتمحور حول تفوّق وبراعة العرق الأسود وقدرته التاريخية على صنع الحضارات.

ويؤرَّخ لبداية ذلك الفكر الذي تحوّل لاحقاً إلى جماعة أو منظمة عالمية، منذ القرن التاسع عشر على يد الناشط الجامايكي ماركوس غارفي الذي روّج لفكرة "الشتات الإفريقي"، داعياً إلى تدشين دولة إفريقية منفصلة للأمريكيين السود.

وأسهم العالم والمؤرّخ السنغالي أنتا ديوب في الترويج لفكرة المركزية الإفريقية، وألّف العديد من الكتب مدعياً أنّ منطقة شمال إفريقيا والتي تضم دول مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، هي "محتلّة حالياً من البيض"، وأنّ سكانها الأصليين كانوا من أصحاب البشرة السمراء ولكنّ أبيدوا قديماً.

فيما يعتبر الباحث والناشط الأمريكي من أصل إفريقي موليفي اشانتي، من أهم رواد ذلك الفكر وذلك لإسهاماته في الثمانينيات من القرن الماضي لصياغة مصطلح الأفروسنتريك وتعزيزه بإطار نظري وفكري لترويج الادعاءات التي تتبناها المنظمة، إضافة إلى عقد المؤتمرات والندوات الدورية للتشاور بين أعضاء المنظمة عالمياً.

"ادعاءات كاذبة"

في كتابه "الأفروسينترية: الماضي الأسطوري والأوطان المُتخيَّلة"، فنّد ستيفن هاو أستاذ تاريخ وثقافات الاستعمار بجامعة بريستول البريطانية مزاعم جماعة الأفروسنتريك حول نسب الحضارة المصرية إلى العرق الأسود، قائلاً إنّها "تعتمد على حجج هاوية لا أصل لها تاريخياً".

وأضاف هاو أنّه "على سبيل المثال يزعم أتباع فكر الأفروسنتريك أنّ إحدى ملكات مصر التي تُدعى تيي زوجة الملك أمنحتب الثالث لها ملامح إفريقية ولون بشرتها أسود، ليستدلوا بذلك على أنّ المصري القديم كان إفريقي أسود". ويدحض هاو تلك الفكرة مؤكّداً أنّ ملوك الفراعنة كان من المباح لهم الزواج من أعراق أخرى، إذ تزوّج الملك رمسيس الثاني ابنة ملك الحيثيين بعد توقيع معاهدة سلام بينهما.

وتدّعي جماعة المركزية الإفريقية أنّ المصريين تعمّدوا كسر أنوف التماثيل الفرعونية حديثاً لإخفاء ملامح الأنف الإفريقي، غير أنّ المؤرّخين نقلوا عن مصادر تاريخية أنّ المصريين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم أن التماثيل تتنفس.

وفي مقال قديم له أوضح وزير الدولة الأسبق لشؤون الآثار وعالم الآثار المصري زاهي حواس، أنّه ألقى محاضرات بولاية دالاس الأمريكية ليؤكّد أنّ "الحضارة الفرعونية بعيدة عن الأصل الزنجي والإفريقي"، مفيداً بأنّ "المصريين القدماء قد صوروا أنفسهم بأشكال مختلفة تماماً عن أىّ أفارقة أو زنوج".

وندّد حواس في مقاله المنشور عام 2007 بعنوان "عن الفراعنة وأصلهم"، بمساعي البعض من جماعة الأفروسنتريك لترويج ادعاءات كاذبة، لافتاً إلى أنّ "بعض هؤلاء المدعو أنتوني برودر الذي يحضر إلى مصر وينظّم العديد من الرحلات لإثبات أنّ أصل الفراعنة يعود إلى العنصر الزنجي".

TRT عربي