محمد الباز يكتب: الحقيقة العارية «1».. كيف نجا هيكل من فخ حسن البنا؟

كأى مواطن مصرى نشأ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل نشأة دينية. 

ففى طفولته المبكرة بالجمالية تلقى دروس تحفيظ القرآن فى مندرة جده لأمه فى حى الحسين مع أطفال العائلة، على يد الشيخ قاسم الذى كان موظفًا مستديمًا لدى جده، والذى كان حاضرًا وبقوة فى المشهد، فمَنْ كان يحفظ جزءًا كاملًا يجازيه جزاءً حسنًا، ومَنْ كان يحفظ القرآن كاملًا يجد جنيهًا ذهبيًا فى انتظاره كمكافأة إجادة. 

إلى جانب القرآن الكريم ودروسه، كان الجد يصطحب حفيده محمد إلى مسجد سيدنا الحسين، ويجلسه إلى جواره فى مقصورة المسجد، ليستمع معه إلى مشاهير العلماء والقراء فى ذلك الوقت، وكان على رأسهم الشيخ على محمود، والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، والشيخ محمد رفعت. 

ظل الشيخ محمد رفعت مصاحبًا لحالة هيكل الوجدانية، وهو ما يظهر من الموقف الذى رواه الكاتب الكبير محمد سلماوى لأيمن الحكيم ونشره فى كتابه «هيكل.. حكايات جديدة». 

يقول سلماوى: حدث أن هيكل فى إحدى المرات طلب منى أن أرافقه إلى موعد له مع طبيب الأسنان، وركب معى سيارتى لتوصيله، وفى الطريق سألنى: الراديو بتاع العربية بيشتغل إزاى؟ ولما شغلته راح يقلب فى المحطات، سألته: بتدّور على حاجة معينة؟ رد: أصلى متعود كل ليلة أسمع تلاوة الشيخ محمد رفعت فى البرنامج العام، ووصل إلى التلاوة، وظل يستمع إلى القرآن بصوت الشيخ رفعت منصتًا فى تركيز حتى وصلنا إلى عيادة طبيب الأسنان. 

يحاول محبو هيكل التدليل بهذه الواقعة على أنه كان يمتلك جوانب روحية، ظلت مخبوءة تحت جلده لا يفصح عنها، ويردون بذلك على اتهامه بأنه كان لا دينيًا، لكنها بالنسبة لى ليست كذلك تمامًا، فهى تعبر عن تكوين ثقافى تتداخل فيه مؤثرات كثيرة، من بينها ميله إلى القرآن الذى حفظ بعضًا منه فى صغره، وهو التكوين الذى صلب عوده، وجعله عصيًا على الخداع الذى كانت تمارسه جماعة الإخوان ومؤسسها حسن البنا؛ لتجنيد الأتباع وتطويعهم وإخضاعهم بشكل كامل. 

ولم يكن غريبًا أن يقول هيكل بعد ذلك: الأصوات الجميلة الندية تطربنى. 

محمد التابعى  

ومن بين ما أوصى به قبل وفاته أن يُقرأ القرآن بصوت الشيخ رفعت عليه وهو ينزل إلى قبره، وهى الوصية التى نفذتها عائلته، ولا يمكننا أن نتجاهل المزحة التى ارتبطت بالأستاذ، عندما قال للمحيطين به: لو أن صوتًا لا يتقن التلاوة أو به نشاز قرأ القرآن على قبرى فإننى قد أموت فيها. 

لم يكن القرآن هو الرافد الوحيد الذى شكّل ثقافة هيكل الدينية، بل كانت هناك مندرة جده المليئة بالكتب التى جمعها جده وخاله من مكتبة صبيح بالأزهر. 

كان بيت جد هيكل موجودًا فى المنطقة التى بها مشيخة الأزهر الجديدة، وهذه المنطقة كانت مقرًا للتجارة الوطنية فى مصر، وتمتد إلى ميدان الأوبرا والسكة الحديد حتى ميدان عابدين، وهو الخط الفاصل بين قاهرة التجارة الوطنية، وقاهرة التجارة الأجنبية، كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة التى بها بيت جده، وهى المنطقة التى عُرفت بعد ذلك بالسكة الجديدة والأزهر والغورية، فالتجارة الوطنية كانت فى هذه المنطقة، وفى الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية. 

أسهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم دينى وأجواء روحية خالصة فى تشكيل ملامح شخصية هيكل الأولى، هذا إضافة إلى البيت الذى يحمل استعدادًا ثقافيًا كبيرًا. 

افتتن هيكل كذلك بالسِير الشعبية، وكان الظاهر بيبرس واحدًا من الشخصيات التى تأثر بها كثيرًا، لأنه رأى فيه صورة البطل، وأحب فيه أنه بطل استطاع تغيير أقداره، فرغم أنه بيع كمملوك بعشرة جنيهات من الذهب، فى حين أن أقرانه يباعون بمائة جنيه أو أكثر، ذلك لأنه كان يعانى من نقطة بيضاء فوق عينه- فإنه استطاع تكوين أفضل وأقوى إمبراطورية مملوكية فى ذلك الوقت بعد انهيار عصر الخلفاء، وباختصار كان بيبرس علامة مميزة فى عصره. 

كان أول كتاب قرأه هيكل هو «أدب الدنيا والدين»، وعانى كثيرًا فى فهمه، وقرأ بعد ذلك فى دواوين الشعر وفى كتاب «الأغانى» للأصفهانى، وفى كتاب «ألف ليلة وليلة». 

استطاع هذا الزخم الدينى أن يحمى هيكل من الوقوع فى فخ جماعة الإخوان، فلم ينتمِ إليها، بل لم يتعاطف معها يومًا من الأيام. 

لكن كيف تقاطعت الطرق بين هيكل والإخوان؟ 

محمد رفعت

ولد هيكل فى العام ١٩٢٣، أى أنه كان فى الخامسة من عمره عندما أسس حسن البنا جماعته فى الإسماعيلية، لكنه عندما تعرف على البنا كان قد بدأ طريق تألقه فى عالم الصحافة. 

كان هيكل يعمل سكرتيرًا لتحرير مجلة «آخر ساعة»، التى أسسها وكان يديرها محمد التابعى، عندما رأى حسن البنا يتردد على المجلة. 

فى مارس ١٩٤٥ أجرى محمد التابعى حوارًا موسعًا مع حسن البنا نشره على صفحات مجلته «آخر ساعة» وكان عنوانه «شعارنا سيفان ومصحف.. والقرآن دستورنا».. ترك فيه المساحة كاملة لمؤسس الجماعة ليتحدث عن نفسه وعن جماعته كما يشاء. 

أما كيف حدث هذا ولماذا؟ 

فهذه قصة طويلة أعتقد أنها تستحق أن تُروى. 

دليلى إلى هذه القصة مذكرات محمود عساف الذى يُعرّفه الإخوان بأنه مؤسس مخابرات الجماعة. 

كان عساف يتحدث عن شخصية غامضة فى الإخوان اسمه محمد البنا، يقول عنه: هو لا يمت لحسن البنا بصلة، كنت تراه كل مساء حاملًا بيده اليمنى دلوه المملوء بالطلاء، مرة يكون أسود اللون، ومرة أحمر، وفى يده الأخرى عصاه التى يتكئ عليها عند الكتابة، ومعها فرشاة أو اثنتان للكتابة بهما. 

«كان محمد البنا يبدأ عمله بعد الساعة ١٢ ليلًا والناس نيام والشوارع تكاد تخلو من المارة فى ليالى الشتاء، أما فى ليالى الصيف فكان يبدأ عمله فى الساعة الثانية صباحًا، وينهى عمله صيفًا أو شتاءً قبيل أذان الفجر». 

«كان عمله شاقًا ولم يكن يتقاضى عنه أجرًا إلا مرضاة الله تعالى، وهو من إخوان ميت غمر، وأقام بالقاهرة لا يُعرف له فيها عنوان محدد، لأنه يبيت عند أى من الإخوان الذين يعرفهم ويتناول طعامه معه أو مع غيره من الإخوان». 

«ومتى وجد محمد البنا الحائط الملائم فإنه يكتب عليه (الإخوان المسلمون) بخط كبير، مرة بالثلث ومرة بالفارسى ومرة بالنسخ ومرة بالرقعة الغليظ، وتحتها (دعوة الحق والقوة والحرية) بخط أصغر، غالبًا ما يكون خطًا فارسيًا أو ديوانيًا».

حسن البنا

يمسك محمود عساف بخيط الكلام مرة أخرى، يقول: «طلبته مرة وأنا مدير لشركة الإعلانات العربية لكى يعمل معى بالنهار فى كتابة الإعلانات التى كان يعدها القسم الفنى عندنا، فأجاب معتذرًا بأنه لا يستطيع أن يكتب على الورق، بل على الجدران فحسب، تلك موهبة من الله، خط جميل بغير أن يتعلم قواعد الخط العربى». 

ويضيف عساف: «كان للافتات التى ملأت أرجاء القاهرة والتى كتبها محمد البنا وحده دون مساعد أثرها الكبير فى نفوس الجمهور، وكنا نحن الإخوان نسعد كلما مررنا على لافتة عليها لفظ (الإخوان المسلمون).. وكنت إذا أردت أن أرى محمد البنا، أجده دائمًا بالقرب من باب مكتب حسن البنا بين المغرب والعشاء». 

ترتب على هذه الحملة، كما يقول عساف، التى خططها ونفذها محمد البنا وحده، أن بدأ الناس الذين لا يدرون شيئًا عن الإخوان المسلمين يتساءلون عنهم؟ وبدأ الناس يتوافدون على المركز العام وبخاصة فى أيام الثلاثاء؛ ليستمعوا إلى الحديث الأسبوعى للبنا، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس فى دين الله أفواجًا معاهدين ومبايعين على ألا يأتوا الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، تائبين من كل عمل يخالف دين الإسلام. 

لا بد أنك توقفت عند ما قاله محمود عساف فى فقرته الأخيرة، فهو دون أن يدرى يفضح جماعة الإخوان بشكل كامل، فهم لم يتعاملوا مع أنفسهم على أنهم جماعة دعوية، بل كانوا يتعاملون مع جماعتهم على أنها دين جديد، والأكثر جرمًا من ذلك أنهم كانوا يتعاملون مع من يدخلون إلى الجماعة طالبين عضويتها على أنهم كفار، فهم يدخلون فى دين الله أفواجًا، وكأنهم لم يكونوا فى دين الله قبل ذلك. 

لكن ما علاقة محمد التابعى بكل ذلك؟ 

ومتى سيظهر لنا محمد حسنين هيكل فى فصول الحكاية؟ 

يقول محمود عساف: عاصر تلك الحملة تحقيق أجراه الأستاذ محمد التابعى فى «آخر ساعة»، وكان على صفحة غلافها العنوان التالى «رهبان الليل وفرسان النهار»، ثم تحقيق صحفى يشغل صفحتين من مقاس التابلويد عن فكر الإخوان المسلمين، وفى الصباح اختفت المجلة من السوق فى ساعاته الأولى، فأعاد التابعى طباعة المجلة للمرة الثانية، وما لبثت «روزاليوسف» أن حذت حذو «آخر ساعة» ثم «المصور»، والكل يحاول أن يكتب عن الإخوان لكى يزيد التوزيع. 

أغلب الظن أن الصحافة لم تكن مهتمة بجماعة الإخوان من باب القناعة بما تقدمه، أو بما تحمله للناس، ولكن من أجل زيادة التوزيع، وأغلب الظن أيضًا أن محمد التابعى لم يكن معجبًا أبدًا بحسن البنا ولا بأفكاره، ولكنه وجد فيه وسيلة ليرفع توزيع مجلته، وهو ما يعترف به محمود عساف صراحة دون خجل. 

كان هيكل فى هذا التوقيت هو المسئول عن متابعة إعداد الحوار الذى أجراه التابعى مع حسن البنا، وهو الذى استقبله، وراجع معه بروفات الحوار قبل النشر، وكانت هذه فرصة ليجلس البنا مع هيكل ويتحدث معه، وكان طبيعيًا أن يُعجب به، وهو ما ظهر بعد ما يقرب من العام. 

عاد هيكل إلى هذه الواقعة مرتين بعد ذلك. 

فى العام ٢٠٠٦ وفى إحدى حلقاته على قناة «الجزيرة» القطرية وكان عنوانها «الإخوان المسلمون وتأثيرهم على الحكم»، أشار إلى أنه كان يعرف حسن البنا جيدًا، وأنه أجرى معه حوارًا مطولًا نُشر على صفحتين من مجلة «آخر ساعة»، وكان عنوانه «يا رهبان الليل وفرسان النهار». 

وفى ٢٦ ديسمبر ٢٠١٤ عاد ليتحدث عنه هيكل فى حواراته المطولة مع لميس الحديدى، عندما كشف عن أنه أجرى حوارًا مع حسن البنا كان عنوانه «شعارنا سيفان ودستورنا القرآن».. و«هبى يا رياح الجنة على رهبان الليل وفرسان النهار.. هذا نداء الإخوان». 

ما قاله هيكل يؤكد أنه هو من أجرى الحوار كاملًا مع حسن البنا، وقد حاول التأكيد على ذلك عندما أشار إلى أن الحوار عنده، فهو لا يتحدث دون وثائقه، لكننى عندما عُدت إلى أعداد مجلة «آخر ساعة» فى العام ١٩٤٦، وجدت أن أرشيف هيكل بها لا يزيد على تقريرين فقط، الأول عنوانه «سنلتقى من جديد» ونشره فى ١٣ يناير، والثانى هو «قصة الفرار من سجن الحدراء» منشور فى ٤ ديسمبر. 

بحثت عن الحوار مع حسن البنا فوجدته منشورًا فى عدد ١٥ مارس ١٩٤٦ بالفعل، لكن دون توقيع، وهو ما يعنى بالنسبة لى أن هيكل لم يكن دقيقًا فى كلامه، فالحوار كما قال محمود عساف أجراه محمد التابعى، وهو ما يجعل نشره دون توقيع أمرًا مبررًا، فرؤساء التحرير يكتبون كثيرًا دون توقيعهم، لكن هذا لا ينفى أن هيكل باشر مهمته فى إعداد الحوار للنشر من موقعه كسكرتير تحرير للمجلة، وكان شاهدًا على وقائعه. 

فى تقرير كتبه الكاتب والباحث ماهر حسن ونشرته «المصرى اليوم» فى ١٧ فبراير ٢٠١٦، أى بعد وفاة هيكل بيوم واحد، يقول: لا نستطيع القطع ما إذا كان الحوار الذى أشار إليه الأستاذ له أم لا، رغم أن طريقة الحوار الذى يجمع بين «البورتريه القلمى» و«السؤال والجواب» واللغة وطريقة العرض الأقرب إلى السرد الأدبى والوصف الدرامى قريب الشبه جدًا بكتاباته فى تلك المرحلة. 

هذا كلام رغم جديته، فإنه ليس دقيقًا. 

فطريقة الكتابة التى يتحدث عنها ماهر حسن هى اختراع أصيل لشيخ مشايخ الطرق الصحفية الأستاذ محمد التابعى، وهو ما يؤكد أنه صاحب الحوار وليس هيكل، فحتى هذا الوقت لم يكن هيكل قد استقر على أسلوب واحد للكتابة، ولكنه كان يجرب، وباعترافه هو فقد تأثر بأسلوب التابعى، الذى كانت الصحافة بعده ليست كما كانت قبله. 

فى العام ١٩٤٦ عرض حسن البنا على هيكل سكرتارية تحرير جريدة «الإخوان المسلمون»، لكنه اعتذر، وهذه قصة أخرى لا بد أن تُروى. 

ففى هذا الوقت فكر الإخوان فى أن يصدروا جريدة يومية لهم، وعهدوا بالمشروع إلى عبدالحليم الغمراوى الذى كان محررًا بـ«الأهرام»، وكان هيكل يعرف الغمراوى جيدًا، كما كان الغمراوى يعرفه ويعرف إمكاناته وقدراته الصحفية. 

لسبب أو لآخر قال الغمراوى للبنا: إننا بحاجة إلى شبان للجريدة، يمكن أن يجددوا الدماء فى شرايين صحافة الإخوان. 

يقول هيكل: يبدو وقتها أننى يمكن أن أكون صحفيًا واعدًا، فرشحونى، وذهبت إلى حسن البنا فى مقره العام بالحلمية، بعد أن أخذت موعدًا بعد صلاة الجمعة، ودخلت المسجد، فى وقت كان البنا يخطب فيه خطبته الشهيرة التى وصف فيها الإخوان بـ«رهبان الليل وفرسان النهار»، وبعد أن انتهى البنا، فتحنا موضوع الجريدة، وأتذكر أننى سألته سؤالًا مهنيًا عن قارئ الجريدة.. مَنْ يكون؟ وكيف تصل إليه؟ 

قال: إذا كنت تتحدث عن التوزيع، فلا تقلق من هذه الناحية.

كان هيكل يتساءل عن محتوى الجريدة ونوعية قارئها، وهو سؤال سهل وصعب فى وقت واحد. 

لكنه فوجئ بحسن البنا الذى يبدو أنه لم يفهم السؤال يقول له: إن مصر بها ٤ آلاف قرية، كل قرية منها بها مكتب دعوة يضم ١٢ فردًا، ولو اشترى الجريدة هؤلاء فقط، لكان التوزيع ٤٨ ألفًا قبل النزول إلى الباعة. 

لم يشفِ ما قاله البنا ظمأ هيكل، فقال له: إن هذا غير ممكن، إننى أخشى أن أقول إن فى دعاوى الوطنية ودعاوى الدين والدعاوى الكبرى لا بد أن نفرق بينها وبين سلعة تُباع، لأن القارئ عندما يدفع قرشًا فى صحيفة، فهو يختار ما يرضى مزاجه، فلا تقيده بما تتحدث عنه، أبعِد عنه موضوعات الدعوة والوطنية، دعه يختار السلعة التى يعتقد أنها أنفع له، ولا تضيّع وقتك معه، وكان من المتوقع أن نختلف، وهو ما حدث، ثم بعد ذلك سافرت حتى لا يتكرر العرض. 

عندما نعود إلى أرشيف هيكل مرة أخرى سنكتشف أن هناك هوامش أخرى على هذا اللقاء، فقد حضره معه عبدالحليم الغمراوى، الذى تحدث عن المشروع من الناحية الصحفية، لكن كلامه أيضًا لم يقنع هيكل، وكان رأيه أن مثل هذا المشروع سيفشل قبل أن يبدأ. 

سأل البنا هيكل عن أسباب توقعه الفشل، فقال له إن القارئ عندما يخرج من جيبه ثمن الجريدة، الذى كان وقتها ٥ مليمات، فهو سيبحث عن السلعة الأفضل بالنسبة له، ومؤكد أن جريدة مثل جريدة الإخوان لن تكون هى الأفضل، لأنها حتمًا ستكون موجهة لأهداف محددة، وبمجرد أن يكتشف القارئ العادى توجه الجريدة ينصرف عنها. 

كان يمكن لهيكل أن يقبل عرض حسن البنا، فهو يعرض أن يكون ضمن الفريق الأساسى لجريدة توزيعها مضمون بحسابات مؤسس الإخوان وعمره لا يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره، وهو مجد صحفى هائل، لكن هيكل رفض لأنه اكتشف أن طريقه لا يمكن أن يكون طريق الإخوان ولا مرشدهم. 

سافر هيكل فى مهمة صحفية، وعندما عاد إلى مصر وجد أن ما تنبأ به تحقق، فقد صدرت جريدة «الإخوان المسلمون» اليومية، ولم تحقق أى نجاح يذكر.

لقاءات هيكل مع البنا جعلته يُكوِّن صورة دقيقة عنه، وهى الصورة التى لم تغادره طوال حياته، فبعد عدة عقود صرح هيكل برأيه فى البنا، وهو ما يشهد عليه ثروت الخرباوى، القيادى الإخوانى السابق. 

فى مقال له عنوانه «شهادة هيكل عن أسطورة حسن البنا» يروى ثروت أن صديقه الناصرى معتمر أمين نقل إليه دعوة من الأستاذ هيكل للقائه، وهو اللقاء الذى حدث فى مكتب الأستاذ على نيل الدقى فى العام ٢٠١٤. 

دار الحوار بين هيكل والخرباوى على النحو التالى: 

هيكل: كيف كنت مع هؤلاء؟ 

الخرباوى: كنت فيهم ولم أكن منهم.. فالحقيقة أننى لم أشعر فى أى يوم من الأيام بأن هذه الجماعة فى داخلى، لذلك كان الفراق حتميًا. 

هيكل: أنا فى شدة الدهشة من هؤلاء الذين فُتنوا بحسن البنا، فقد جلست معه مرتين، واستمعت إليه فى خطبه، وقد كان فى كل هذا شخصية محدودة جدًا، هو عكس الليث بن سعد، فقد كان الليث أفقه الأئمة ولكن أصحابه ضيعوه، وكان حسن البنا أجهل الأئمة ولكن أصحابه قدسوه.

غدًا: هيكل يحضر لحظة إعدام الإخوانى قاتل النقراشى

تاريخ الخبر: 2022-02-16 21:21:02
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 57%

آخر الأخبار حول العالم

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية