شرح وتحليل لحن “تي شوري” (٤)


 

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

الفكر الموسيقي في لحن “تي شوري”:

إن لحن تي شوري من مقام البياتي عبارة عن جزئين موسيقيين الجزء الأول والذي يمثل الجملة الأولى “المجمرة الذهب هي العذراء” والجزء الثاني يتحول المقام إلى فرع من فروع البياتي ويسمى “البياتين” يمثل باقي اللحن، ومن خصائص المقام البياتي أنه يجمع ما بين الشجن والرقة وهو مقام الشوق والحب ويحمل إحساس النداء والإنتظار واللهفة من هذه الأحاسيس الموجودة في مقام البياتي، نستطيع أن ندرك الإحساس العام للحن، فهو يُعبر عن محبتنا للعذراء وإكرامنا لها وشوقنا لأن تتشفع عنا أمام رب المجد. ومع وجود (الناقوس والتريانتو) كآلتي إيقاع، يُعطي إحساس الفرح و البهجة خصوصاً في الجزء الأول الخاص بالعذراء، فنحن نمثلها بالشورية التي تحمل الله المتجسد، وأخذت كرامة كبيرة إذ قالت عن نفسها: “منذ الآن جميع الأجيال تطوبني”.

ومقام البياتي ركوزه الأساسي يكون (رى) ويكون السلم الموسيقي فيه (رى، مي نصف بيمول، فا، صول، لا، سي بيمول، دو، رى) أما مقام البياتين يتغير في الجزء العالى (جنس الفرع) إلى (لا بيمول) فيعطي طعما آخر للحن، والمساحة الصوتية للحن ( 7نغمات)، السرعة المناسبة للحن (110 نبضة في الدقيقة تقريباً) على إيقاع ثنائي؛ وبالتالي تكون مدة اللحن كله حوالي دقيقة ونصف تقريباً.

أما من حيث تحليل اللحن موسيقياً:

اللحن مقسم من حيث تلحينه إلى أربع أفكار لحنية الفكرة أو الجملة الأولى “تي شوري إن نوب تى تي بارثينوس” (المجمرة الذهبية هي العذراء) (مازورة 1- 13) مكونة من عبارتين مبتدأ وخبر وتقابلهما عبارتان موسيقيتان كأنهما سؤال وجواب والملاحظ أن العبارة الموسيقية الأولى (المجمرة الذهب) (مازورة 1-7) تنتهي عند نغمة (صول) التي تعتبر رابعة السلم وهي نهاية مؤقتة تعطي إحساس السؤال تحتاج إلى نهاية تامة تنهي الجملة وتوضح المعنى وتكون على نغمة الأساس (رى) فيكون الجواب (هي العذراء) (مازورة 8 -13) ويعتبر هذا تلحين متوافق تماما مع الأسس الموسيقية السليمة، نلاحظ أنه أطال في كلمة العذراء، حيث أنها من الكلمات الهامة في اللحن، فهو (لحن العذراء).

الفكرة الثانية جملة لحنية أخرى مكونة أيضاً من عبارتين سؤال وجواب العبارة الأولى “بيس أروماتا”وعنبرها (مازورة 14 -20 )، وفيه تتحول نغمة (لا) الطبيعية إلى (لا نصف بيمول) وبها الإحساس الشرقي الذي يحمل طابع الشجنالذي يُعطي معنى جديد على مقام البياتين وفيه يُمثل الله المتجسد، الذي أعطانا الخلاص وأحبنا إلى المنتهى، وغفر لنا خطايانا، وهو الطِيب الفائق الرائحة، الذي ملأ نفوس البشرية بالسلام والمحبة. ويبدأ هذا الجزء بقفزة موسيقية على مسافة ست نغمات (مازورة 14و15) وهذا مناسب جدا لأنه سيبدأ في فكرة هامة وهي التحدث عن السيد المسيح، وهذه القفزة تُعطي إنتباه وأهمية للفكرة، والعبارة الثانية هي الجواب الذي يوضح المعنى “بى بينسوتير” (هو مخلصنا) (مازورة 21-31) وهنا نلاحظ ركوز غريب في نهاية العبارة يكون على نغمة (مي نصف بيمول) والتي تُعتبر ثانية المقام وهذه من خصائص الألحان القبطية التي تتحرر من النهايات المتوقعة في الجمل اللحنية لتُعطي نوع من التأمل والتعجب من الخلاص الذي أتمَهُ المسيح الذي أحبنا الى المنتهى!

ومن الملاحظ أيضاً أن مُلَحِن “تي شوري” تعامل مع الأفكار بحنكة وفهم عميق أعطى العبارة الأولى تطويل في كلمة (العذراء) وتطويلاً آخر في كلمة (مخلصنا) وهما كلمتان محوريتان ولكن أعطى لكلمة (مخلصنا) لحناً بنغمات أطول من نغمات (العذراء) فنحن نتكلم عن المسيح خالقنا ومخلصنا، وخالِق العذراء ومُخَلِصها، فهو أهم منها فمسيحُنا هو الخالق والمُخَلِص، وفي هذا المعنى قالت العذراء ” تبتهج روحي بالله مخلصي” (لو1 :47 )، فهي تحتاج أيضاً إلى الخلاص، وهذا هو مفهوم كنيستنا القبطية الأورثوذكسية.

ثم ننتقل إلى الفكرة أو الجملة الثالثة في اللحن “أسميسي إمموف، أفسوتي إممون” (مازورة 33-40) التي تبدأ بقفزة أخرى على مسافة خمس نغمات لتعطي إنتباه لفكرة التجسُد الهامة، وهي جملة مُقَسَمَة إلى عبارتين صغيرتين، متساويتين تماماً، ومتقاربتين في الحروف، وفي الإيقاع اللغوي (كأنهما جزء من الِشعر) بهما تتابُع (Sequence)واضح في اللحن، تُعطي طعماً جميلاً في الإيقاعاللغوي، والمُلَحِن هنا تعامل بحكمة وبساطة، حتى لا يكسر الإيقاع الشعري الموجود فيها، وهنا نجد أن اللغة القبطية وضَحَت هذا الإيقاع أكثر من ترجمته إلى اللغة العربية ، وتكلم عن التجسد بأبسط التعبيرات، ولكن بأعمق المعاني، في تناسق لفظي ولحني أبرز المعنى وأكده.

تتبقى الفكرة الرابعة و الأخيرة في هذا اللحن الجميل (مازورة 41 – 60 ) التي تُعتبر التذييل أو جُملة النهاية، و تتميز بالطول لأنها جُملة مِحوَرية أيضاً فيها نتكلم عن مغفرة الله لخطايانا.

“أووه أفكانين نوفي نان إيفول” (وغَفَرَ لنا خَطايانا) وتبدأ الفكرة الموسيقية بتكرار لحرف نغمي (صول) يتكرر خمس مرات في عبارة “أووه أفكانين” (ووضع) (مازورة 40-42) لتأكيد عمل الله بالغفران، ثم تحدث قفزة أخرى عالية على مسافة أربع نغمات في كلمة “نوفي” التي تعني (الخطية) ليُعطي أهمية للفكرة القادمة (كثرة خطايانا وشرها التي سيغفرها الله برحمته)، ونلاحظ الإطالة الواضحة في كلمة “نان” (لنا) التي توضح مدى حب الله ورحمته ووسع غفرانه لنا، وفرحتنا بما فعله الله لنا، فأَطَلنا النغمات كما يقول الكتاب: “عَظَمَ الربُ العمل معنا، وصرنا فرحين” (مز 3 :126)، ” كبُعد المشرق من المغرب أَبعَد عنا معاصينا” (مز 103: 12( ، ” أنا أنا هو الماحي ذنوبَك من أجل ذاتي، وخطاياك لن أذكرها” (أش 4325:)، ويمتلىء قلبُنا بالفرح والشكر، حينما نقول “نان”( لنا)، وكأننا نُذيع الشكر والإمتنان أمام الجميع ونقول: ” الذي أحبني وبذل نفسه عني” (غل 2:20)، نتراقص بهذه الكلمة، صعودا وهبوطا مثل النغمات تماماً.

ثم يطول اللحن في أخر كلمة “إيفول” (خارجاً تماماً) وطول هذه النغمات يُمثل البُعد، وأن الله طرحها خارجاً بعيداً، أو في أعماق البحار، وأصبحت في بحر النسيان، “يعود يرحمنا و يطأ ذنوبنا بقدميه، و يطرح معاصينا إلى أعماق البحر” (مي 7 : 19 ).

وهنا نجد تكرار أخر عبارة عن ثلاث خلايا لحنية متشابهه في حرف (إي) الموجود في كلمة “إيفول” التي تعني (تماماً) (مازورة 52 – 55 ) تُذكرنا بعمل الثالوث القدوس معنا في مغفرة خطايانا، و أن المسيح قد نَفَذ الفداء على الصليب وقال قد “أُكمِلَ” (يو19 :30 )، هو أحد الثلاثة أقانيم في إتحاد بلاهوت واحد.

يظهر من هذا اللحن أنه لو تُرجم الى اللغة العربية يكون من الصعب التعبير عن معاني الكلمات كما هي موجودة في اللغة الأصلية وهي القبطية؛ لأن كل كلمة بل كل حرف من كلمات اللحن موضوعة مع اللحن بصورة دقيقة جداً لن تجد اللغة العربية مجال للتعبير عنها بنفس القوة والدقة والكفاءة التي وُضعت لأجلها كلمات اللحن القبطية وعبر عنها اللحن بجدارة، فاللغة القبطية لغة مُركبة في كلماتها فمثلا كلمة “تي شيب إهموت إنتوتك” التي تعني (أشكرك) معناها حرفياً (أتقبل منك نعمة)، كما في جُملة (وغفر لنا خطايانا)كما حللناها سابقا، والتي تُعطي المعنى بصورة أدق في القبطية ( ترك خطايانا لنا تماما خارجا) وكل كلمة وحرف تتفق تماما مع تلحينها.

وفي النهاية أحب أن أختتم هذه الدراسة بأبيات شعرية من تأليف الشاعر الرائع عصام سعد:

أيُّ مجمــرةٍ عجيبةَ الطُهــــرِ

في بطنِهـــا قُدسٌ من لَهَـــب

قد احتَوَت مَن احتَوَى الكَونَ

في كفِّهِ ..

فأيُّ جـــَــــلالٍ .. وأيُّ عَجـَـــب

اكتَوَت أحشائُها .. ففاحَت بُخُوراً

نسيمُ الخَلاصِ نَشتَمُّه أنَّى ذَهَب

النورُ والنـــــارُ لِحِلِّ الخَطَــــايا

هدايا القَديرِ ..

لُبانٌّ ومُرٌّ .. وحُبٌّ مِن ذَهَب

لينك حلقتان من خمسة تسبيح لشرح تي شوري موسيقياً وتاريخياً.

 

تاريخ الخبر: 2022-02-17 12:21:12
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

بعد الخروج من دوري الأبطال.. صحفي يستفز الخليفي (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:07:29
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 99%

بمقترح ليبي.. تحديد يوم عالمي لكرة القدم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:07:30
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 100%

لمن سيكون الحسم الليلة على مسرح "سانتياغو برنابيو"؟

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:07:31
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 85%

وسائل إعلام: 300 ألف فروا من القوات المسلحة الأوكرانية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 12:07:28
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 96%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية