شرفات أفيلال بين رئيسي حكومتين: لم أعلم بالقطاع الذي سأشرف عليه إلا داخل القصر والعثماني طعننا في الظهر


  • محمد كريم بوخصاص

برز اسم شرفات أفيلال بقوة في حكومة عبد الإله ابن كيران بعد أن كانت ضمن الوزراء الأكثر نشاطا، لكن اسمها سيطفو على السطح بشكل مختلف في حكومة سعد الدين العثماني بعد اندلاع “حرب الاختصاصات” بينها ككاتبة دولة مكلفة بالماء وبين وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء عبد القادر اعمارة، والذي كان سببا في خروجها من الحكومة بعد مرور سنة ونصف فقط على تعيينها في حكومة الإسلاميين الثانية، وبروزها ضمن قلائل من الشخصيات السياسية الذين تم تجديد الثقة فيهم.

 

في هذا الحوار من سلسلة “ذاكرة وزراء سابقين”، تعود أفيلال بذاكرتها إلى الفترة ما بين أكتوبر 2013 وغشت 2019 التي قضتها وزيرة منتدبة ثم كاتبة دولة مكلفة بالماء في حكومتي الإسلاميين، لتستذكر بعضا من حيثيات استوزارها مرتين، وتفاصيل حذف كتابة الدولة التي كانت تدبرها باختصاصات “مبهمة” بفعل ما تسميه “تعيين جيش عرمرم من النساء ككاتبات دولة وبدون اختصاصات” و”عدم حيادية رئيس الحكومة”. وتغوص لأول مرة في أسرار إعفائها الذي لم تعلم به إلا من بلاغ المجلس الوزاري، وفحوى الحديث الذي دار بينها وبين عبد الإله ابن كيران والمرحوم عبد الله بَها في القصر الملكي يوم تعيينها وزيرة منتدبة، وأشياء أخرى تقرب القارئ من حجم الضغط الذي عاشته خصوصا بعد تصريحها الشهير حول “جوج فرانك” الذي استعملته في برنامج تلفزيوني لتبخيس معاش البرلمانيين.

 

اشتغلت في حكومتين مختلفتين، لكن في البداية سنعود بك إلى اللحظة الأولى لتعيينك وزيرة منتدبة مكلفة بالماء في التعديل الحكومي الذي جرى في حكومة عبد الإله ابن كيران بتاريخ أكتوبر 2013. كيف تلقيت خبر تعيينك وزيرة لأول مرة؟ وما هي الحيثيات التي رافقت استوزارك؟

> كغيري من الوزراء، تلقيت خبر استوزاري في الساعات الأخيرة التي تسبق الاستقبال الملكي، حصل ذلك بالضبط بعد منتصف ليلة العاشر من أكتوبر 2013، حين تلقيت اتصالا من الأمين العام للحزب نبيل بنعبد الله يخبرني فيه أني معنية بالاستوزار صباح غد ذلك اليوم. بالتأكيد تفاجأت للخبر لأني لم أُحَضر لذلك، وزاد من وطأة المفاجأة عدم وضوح القطاع الذي سَيُناط بي، واستمر ذلك حتى وأنا في القصر الملكي، حيث لم أتلق بشكل دقيق اسم القطاع بالتحديد إن كان البيئة أو الماء أو غيرهما، وذلك راجع لكون المفاوضات بين الأحزاب استمرت إلى ساعة متأخرة من صباح الاستقبال الملكي.

لا أخفيك أني عندما تلقيت مكالمة بنعبد الله شعرت بالارتباك والخوف معا، لأنها كانت المرة الأولى التي سأدخل فيها القصر الملكي وأحظى بالوقوف أمام جلالة الملك، لكن الحمد لله الأمور مرت بسلام.

 

لكن اسمك كان متداولا في الإعلام خلال فترة مشاورات تشكيل الحكومة، ألم يكن ذلك كافيا لتضعي إمكانية استوزارك في الحسبان؟

> صحيح. راج اسمي كثيرا في الإعلام خلال فترة المشاورات واقترن بالخصوص بتعويضي لعبد الواحد سهيل في وزارة التشغيل، لكن لم يكن هناك أي تأكيد، لذلك لم أكن مهيأة لذلك، حتى أن اللباس الذي سأذهب به للقصر لم يكن جاهزا، وقد استيقظت باكرا ذلك اليوم من أجل اقتناء لباس يليق بالاستقبال الملكي (تضحك).

 

هل تمكنت من اقتناء اللباس ذلك الصباح؟

> نعم. اشتريته في نهاية المطاف.

عندما جاء موعد الاستقبال الملكي، هل ذهبت إلى القصر بمفردك أم بشكل جماعي؟

> على ما أذكر، ذهبنا كوزراء التقدم والاشتراكية للقصر بشكل جماعي، وقد التقينا في مقر وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة التي كان يتولاها الأمين العام نبيل بنعبد الله.

 

قلت إنك عرفت اسم الحقيبة الوزارية التي ستتولينها في آخر لحظة، متى حصل ذلك؟

> في الطريق إلى القصر الملكي، أخبرني الأمين العام نبيل بنعبد الله أنه قد يكون قطاع الماء، ووجدت أن كل الوزراء الجدد لا يعرفون بالتحديد اسم القطاع الذي سيكلفون به، فقد كنا نعرف القطاع بشكل جزئي، قبل أن أعرف في القصر وقبل الاستقبال الملكي بقليل أنني سأعين وزيرة منتدبة مكلفة بالماء.

 

من أخبرك بذلك؟

> سي عبد الله بها رحمه الله رحمة واسعة، كما أخبرني أنه هو الذي اقترح على ابن كيران تعيين وزراء منتدبين بدل كتاب الدولة من أجل عدم التمييز بين أعضاء الحكومة، بحكم أن الدستور لا يسمح لكتاب الدولة بحضور المجالس الوزارية.

 

قبل أن نستمر في تفاصيل استوزارك، دعيني أسألك حول ما إن كان حصل تواصل بينك وبين رئيس الحكومة قبل تعيينك من طرف الملك أم تم الاكتفاء بإخبارك من طرف الأمين العام للحزب الذي تنتمين إليه؟

 

صراحة لا. الأمين العام للحزب هو الذي أخبرني بتعييني وزيرة.

 

حتى داخل القصر الملكي لم يحصل تواصل بينك وبين رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران؟

> سلمت عليه، ورحب بي كغيري من الوزراء الجدد، لكن لم نتحدث كثيرا، وقد أخبرني أنه هو من طلب من الأمين العام للحزب اقتراح اسمي، حيث لفتت انتباهه طريقة نقاشي خلال برنامج حواري تلفزي، حسب قوله.

 

قبل الاستقبال الملكي، هل اجتمعتم في القصر لفترة طويلة؟

> لا أتذكر صراحة، لكن في الاستقبال الملكي تكون الأمور ميسرة.

 

خلال لحظة تعيينك من طرف جلالة الملك، ما هو الحوار الذي دار بينكما؟

> حصل تواصل بما يُحتمه البروتوكول القائم من الاحترام الواجب للملك، وقد تمنى لنا التوفيق في مهامنا.

 

بعد انتهاء الاستقبال الملكي، أين كانت وجهتك؟

> لا أتذكر بالتدقيق، لكن في الغالب اتجهت للمنزل حيث كانت أسرتي في انتظاري، وقضيت ذلك اليوم في استقبال التهاني بالهاتف الذي لم يكن يتوقف عن الرنين من مناضلي الحزب والعائلة الكبيرة وزملاء العمل وغيرهم.

 

كيف قضيت ما تبقى من يوم تعيينك وزيرة؟

> كان يوما مميزا امتزج فيه الخوف من ثقل المسؤولية بالفرح والفخر الذي رأيته في أفراد أسرتي.

 

هل التحقت بالوزارة في ذلك اليوم؟

> التحقت بمقر الوزارة في اليوم الموالي، لكن قبل ذلك اتصلت بالكاتب العام من أجل إعداد الميزانية الفرعية للقطاع التي كان مبرمجا تقديمها في البرلمان في إطار قانون مالية 2014.

 

يحق لكل وزير تشكيل ديوان لمساعدته في مهامه، هل قمت بهذه الخطوة بسرعة؟

> لم يحصل ذلك بسرعة، لأنه ليس سهلا إيجاد أشخاص يحظون بثقتك. في البداية، كنت أستشير بعض الزملاء والخبراء والمهندسين الذين كنت أشتغل معهم بحكم أن مساري المهني كله كان في قطاع الماء.

 

هناك سؤال دقيق أبحث عن جواب له، متى يبدأ العمل بالبروتوكول الذي يصاحب الوزير، هل من اللحظة التي تسبق التعيين من طرف الملك أم بعد الخروج من القصر أم متى؟

> في اليوم الثاني لتعييني وزيرة، ذهبت إلى مقر الوزارة بسيارتي الخاصة قبل أن يضعوا رهن إشارتي سيارة وسائقا. شخصيا لم أكن أعطي اعتبارا كبيرا لهذا الأمر، وكان المقربون مني يشعرون بذلك، لأنه بالنسبة إلي لم تكن الهالة التي تُصَاحب الوزير تعني لي الكثير. طبعا ينبغي أن يرافق الوزير بروتوكول معين لأن شخصيته يجب أن تكون ذات هيبة، لكن لا ينبغي جعلها في صدارة اهتمام الوزير، فأنا أتذكر أني كنت أستعمل سيارتي الخاصة عندما يتعلق الأمر ببعض الأعمال التي أقوم بها خارج مهمتي الوزارية.

 

خلال حكومة عبد الإله ابن كيران كانت العلاقة بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية متينة وفريدة من نوعها، هل كان ذلك ينعكس على تعامل ابن كيران معكم كوزراء في التقدم والاشتراكية؟ وهل كنتم تشعرون بأنكم أقرب إلى رئيس الحكومة من الوزراء الآخرين؟

> لم يكن هناك أي ميز، والذي يمكن أن أشهد به بالنسبة لرئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران أنه كان يتعامل مع جميع الوزراء بنفس الطريقة والأريحية. من جهة أخرى، كان ابن كيران يمتاز بشيء آخر جميل، هو أنه عندما كان يثق في وزير أو يقتنع به يذهب معه إلى آخر المطاف، ويقدم له الدعم والمساندة ويسخر له كل الإمكانات لكي ينجح في مهمته. لقد كان رئيسا للحكومة للجميع، ولعل شخصيته المرحة ساعدته في نسج علاقات ودية وإنسانية مع الجميع.

 

هل كنت على تواصل دائم مع ابن كيران؟

> نعم، كان هناك تواصل مباشر بيننا، وفي بعض الأحيان كان هو السباق إلى التواصل، ففي أحد الأيام اتصل بي وطلب مني القدوم إليه بمعية فريق العمل لأشرح له ما أفعل، وعقدنا جلسة عمل مطولة معه بحضور مستشاريه، وأطلعته على برنامج العمل والمشاريع التي نشتغل عليها.

كما كنا على تواصل مستمر في شأن بعض القرارات والتعيينات التي تهم القطاع، وكنت دائما أجده مساندا للقطاع ومستوعبا لأهميته وأيضا لاستيعابه لدور الأمن المائي في استتباب الأمن والاستقرار المجتمعيين.

 

إلى ماذا يُعزى تواصل رئيس الحكومة ابن كيران الدائم معك في الوقت الذي كان يُنظر إلى الماء كقطاع حكومي ثانوي؟

> بالعكس، القطاع له علاقة مباشرة بالسلم والاستقرار، وهو سيادي ويتطلب اهتماما دائما، وتزداد راهنيته أكثر خلال فترات انحسار الموارد المائية، وفي العالم تنشأ حروب ونزاعات بسبب ندرة المياه.

 

اشتغلت أيضا مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، هل هناك فروق بينه وبين ابن كيران في التعامل؟

> لا يجب أن نسأل عن الفرق بينهما، لأن الرجل هو الأسلوب (l’homme c’est le style)، كما يقال، فلكل شخصيته المختلفة وطريقته في التدبير، ولا يمكن استنساخ شخصية عن أخرى. لكن العلاقة والتواصل مع رئاسة الحكومة في عهد ابن كيران كانت أسهل وأكثر مرونة وسلاسة.

 

هل جمعتك لقاءات عمل مع العثماني أيضا؟

> نعم. عقدنا اجتماعات عديدة بحضور وزيري الداخلية والفلاحة ورئيس المكتب الوطني للكهرباء والماء، لأن الفترة التي جاءت فيها حكومة العثماني كانت تتميز بجفاف حاد، كما كان هناك تتبع دقيق لصاحب الجلالة الذي كان يسهر على الإشراف الشخصي على وضعية الموارد المائية على الصعيد الوطني.

 

كنت ضمن الوزراء الجدد الذين التحقوا بحكومة ابن كيران، كيف مر حضورك في أول اجتماع للمجلس الحكومي؟ وهل اندمجت سريعا مع الفريق؟

> اندمجت مباشرة، ولم يكن ذلك صعبا بالنسبة إلي، لأني كنت برلمانية في تلك الفترة وكان لدي احتكاك مع عدد من الوزراء، وذلك بحكم أني كنت نائبة لرئيس مجلس النواب وترأست عددا من الجلسات البرلمانية، فضلا عن اشتغالي داخل لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة، كما أن عددا من الوزراء الجدد كانوا أصدقاء لي قبل أن نكون وزراء مثل سمية بنخلدون وحكيمة الحيطي وغيرهما، بالتالي كان التواصل بيننا مرنا وسلسا.

 

على ذكر الملك، هل كان لديك تواصل مباشر مع الملك محمد السادس؟

> ليس بشكل مباشر، لكن كان هناك تواصل مستمر عن طريق ديوان جلالة الملك كباقي الوزراء.

لقد كان جلالة الملك يواكب مشاريع الوزارة بحذافيرها ويتتبع بشكل دقيق الوضعية المائية عن طريق لجنة كان يشرف عليها شخصيا، وحضرت مرة واحدة اجتماعها وحضر وزراء بعد مغادرتي الوزارة، لأن القطاع سيادي ولديه تداعيات على الاستقرار والسلم المجتمعي والعدالة الاجتماعية والمجالية.

 

لم يمض على تعيينك كاتبة للدولة في حكومة العثماني سوى عام ونصف قبل أن يصدر قرار حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء، ما الذي حصل تحديدا؟

> في حكومة سعد الدين العثماني، انتقلت من وزيرة منتدبة إلى كاتبة دولة، وكان المشكل آنذاك هو تعيين جيش عرمرم من النساء ككاتبات دولة وعدد منهن لم يمنحن اختصاصات، فأصبحن في وضعية شاذة، فما هن بوزيرات وما هن بكاتبات دولة ولا هن حتى بموظفات.

وبالنسبة لوضعيتي، فقد كنت أمام ضغطٍ كبير لتدبير قطاع الماء بعد سنتين عرفت فيهما البلاد جفافا (2016 و2017)، لكني كنت مسلوبة الاختصاصات كما أن درايتي الدقيقة بالقطاع وتواجدي الميداني كان يزعج البعض.

 

كيف ذلك؟

> لقد كانت مسؤوليتي غير واضحة، فيما الوضع يفرض إما أن تكون مسؤولا لديك دور داخل المؤسسة التنفيذية وإما ألا تكون مسؤولا، وإذا كنت مسؤولا يجب أن توضع رهن إشارتك جميع الإمكانيات التي تُمكنك من الاشتغال وعلى ضوئها تخضع للمحاسبة، وغير ذلك يجب أن تعود للوراء ليأتي غيرك. أما أن تكون مسؤولا تخضع للمحاسبة لكن دون امتلاك إمكانيات العمل، فهذه وضعية شاذة.

 

ماذا عن الاختصاصات؟

> كانت اختصاصاتي مبهمة، وهذه المسألة رفضتها، لأني أومن أن المرء في موقع المسؤولية إما أن يمتلك اختصاصات كاملة تمكنه من العمل أو أن يتوارى للخلف.

 

إذن كل الاختصاصات كانت في حوزة وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء عبد القادر اعمارة الذي كنت تتبعين له، فهل اشتكيت إلى رئيس الحكومة؟

> رئيس الحكومة كان متابعا للأمر منذ بدايته، والأمين العام للحزب كان على علم به أيضا، وقد عقدنا عدة اجتماعات مع رئيس الحكومة والمعنيين لحل المشكل، واتفقنا على أمور لكن لم يجرِ تنفيذها.

 

هل كل المشاكل التي كانت لديك مع اعمارة كانت لها علاقة باختصاصاتك ككاتبة دولة مكلفة بالماء؟

> كانت هناك أشياء أخرى لا يمكنني أن أقولها في هذه اللحظة، ربما يأتي وقت لأعلنها.

 

في النسخة الأولى لحكومة العثماني، كان أغلب كتاب الدولة بدون اختصاصات أو باختصاصات مبهمة أو غير واضحة، خاصة بالنسبة لكتاب الدولة التابعين لوزير ليس من نفس الحزب…

> (مقاطعة) ليس بالضرورة، وليس ذلك هو السبب الوحيد للخلاف. دعني أقولها بصراحة، إن الفئة المحافظة من الطبقة السياسية لا زالت غير مستعدة لتقاسم المسؤوليات بين النساء والرجال رغم أن حكومة العثماني سعت إلى تعيين عدد كبير من النساء بحثا عن تحقيق المناصفة التي نسعى إليها، وهذا يحسب لحكومة العثماني، لكن المرأة لا تعني فقط التأثيث، بل يجب وضع الثقة فيها وتمكينها من القدرة على التأثير في السياسات العمومية وصناعتها.

أما وضع المرأة من أجل تأثيث طاولة الاجتماعات فذلك أمر مرفوض، وقد عبرت عن ذلك بكل وضوح.

 

هل عبرت عن ذلك لرئيس الحكومة العثماني؟

> فعلت ذلك مرارا وتكرارا.

 

هل كان هناك تواصل بينك وبين الوزير اعمارة في عز المشاكل؟

> كنت مضطرة للتواصل معه. كما أن الحزب الذي أنتمي إليه باعتباره مكونا من مكونات الأغلبية الحكومية كان على تواصل مستمر مع رئاسة الحكومة بحثا عن حل. كنت أحبذ أن تكون رئاسة الحكومة محايدة ولو عشرة في المائة، لكن لم يحصل ذلك مع الأسف، فأفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.

 

راج كثيرا في تلك الفترة أن حذف كتابة الدولة التي كنت تديرينها يعود أساسا إلى تقرير رفعه الوزير اعمارة للديوان الملكي بشأنك، هل هذا صحيح؟

> «أودي الله يهديك».

 

ماذا كان مضمون ذلك التقرير؟

> أودي الله يهديك (تضحك)، يقول المثل المغربي «كون سبع وكلني».

 

قضيت خمس سنوات مكلفة بقطاع الماء سواء من خلال الوزارة المنتدبة أو كتابة الدولة، هل حققت كل المشاريع المسطرة خلال هذه الفترة؟

> لا يمكن أن أدعي أنني حققت كل ما كنت أرغب فيه، لأن جزءا من المشاريع كنت أحبذ أن أوصلها إلى نهايتها، لكن مسؤولية الوزير منحصرة في الزمن، ولا يمكن أن تدوم طويلا، لكن ضميري مرتاح ولله الحمد، ومازلت لليوم أتلقى إشادة من مسؤولين ومنتخبين وبرلمانيين في عدد من مناطق المملكة بسبب المشاريع المنجزة التي تتكلم عن نفسها بنفسها، وليس بالضرورة أن أتحدث عنها.

 

بوصفك خبيرة في القطاع قبل أن تكوني وزيرة سابقة، هل أنت مقتنعة بضرورة إحداث حقيبة وزارية مكلفة بالماء دائما؟

> نعم، لأن تحديات ندرة الماء وتراجع الموارد المائية والإجهاد المائي جراء التقلبات المناخية التي يعرفها المغرب كغيره من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط تفرض ذلك، ومن شأن تعويم القطاع أو انصهاره في قطاع آخر أن يفقده هويته المميزة ويجعله خارج سلم أولويات المسؤولين.

 

نأتي لمرحلة مفصلية حصلت في مسارك كوزيرة، وهي تجديد الثقة فيك وتعيينك كاتبة للدولة في حكومة سعد الدين العثماني، علما أنه من النادر أن يحافظ وزير سياسي ـ بخلاف وزراء السيادة – على منصبه عند الانتقال من حكومة لأخرى، كيف حصل ذلك؟ وهل كان ذلك قرارا لحزبك؟

> الأمر حصل بشكل عادي، وكان من تدبير المكتب السياسي للحزب الذي ارتأى الحفاظ على نفس الأسماء في مشاورات تشكيل حكومة العثماني، من منطلق استكمال وزراء الحزب تتبع المشاريع التي أطلقوها، وهم نبيل بنعبد الله والحسين الوردي إضافة إليّ.

 

انتهت مهمتك الوزارية في 20 غشت 2018 بعد إعلان الملك قبول طلب رئيس الحكومة حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء. كيف تلقيت خبر إعفائك، وماذا كان موقف حزبك؟

> تم ذلك بشكل مفاجئ، ورئيس الحكومة لم يحترم حتى شريكه في الأغلبية الحكومية التقدم والاشتراكية، فاللباقة كانت تفترض منه إخبار الأمين العام للحزب على الأقل. صحيح من حقه وله كامل الصلاحية في طلب إعفاء أي وزير لم يعجبه أو لم يكن مقتنعا به لكن عليه أن يقوم على الأقل بإحاطة قيادة الحزب علما بخطوته.

 

معنى ذلك أن الأمين العام للحزب أصيب بالصدمة مثلك ولم يحصل بينه وبين رئيس الحكومة أي تواصل بشأن إعفائك؟

> هذا هو المشكل، رئيس الحكومة لم يحترم ميثاق الأغلبية في تدبير الشأن الحكومي. أفترض أنني كنت مخطئة في الحكومة لكن كان يجب على العثماني أن يطلع الأمين العام للحزب بخطوته وهذا أضعف الإيمان، لا أن نعرف الخبر بعد صدور بلاغ المجلس الوزاري.

 

كيف علمت إذن بحذف كتابة الدولة أو بالأحرى من أخبرك؟

> لم أعلم إلا بعد صدور بلاغ المجلس الوزاري، حيث تلقيت أزيد من ثلاثين اتصالا في تلك اللحظة يسأل أصحابها عن فحوى ما صدر. تفاجأت، خصوصا أني حضرت في صباح ذلك اليوم اجتماع المجلس الحكومي.

 

ألم تتلقي إشارة من رئيس الحكومة أو أي شيء من هذا القبيل قبل صدور البلاغ؟

> أبدا.

 

كيف تعامل حزبك مع هذا الوضع في ذلك الوقت؟

> لقد تابعتم الأمر آنذاك. حصل توتر كبير بين الحزبين، وربما كان هذا الحادث أحد الأسباب التي دفعت التقدم والاشتراكية إلى مغادرة الحكومة في أكتوبر 2019.

 

هل شعرتم كحزب بأن العدالة والتنمية قد وجه إليكم طعنة في الظهر؟

> طبعا، شعرنا بطعنة في الظهر منه. رغم أننا كنا قد بدأنا نستشعر قبل ذلك ومنذ مجيء الأمانة العامة الجديدة بأن هذه الأخيرة تريد التخلي تدريجيا عن الإرث الذي تركه ابن كيران في علاقته بحزبنا، وقد لمسنا ذلك في محطات عديدة ومن خلال طريقة تعاملها وتواصلها معنا. ولا أخفيك أننا تداولنا أكثر من مرة داخل المكتب السياسي هذا الموضوع.

 

في النهاية أنتِ إنسان له مشاعر قبل أن تكوني وزيرة، كيف تلقيت خبر إعفائك كإنسانة وسياسية؟

> لا أخفيك أن فكرة الاستقالة كانت تدور في عقلي قبل أن يحدث الإعفاء، فكرت في هذا الأمر مرات عديدة، وفاتحت الأمين العام نبيل بنعبد الله بشأنه، كما تحدثت في الموضوع مع أشخاص آخرين أحترمهم وأتحفظ عن ذكر أسمائهم، وطلبوا مني جميعا التريث. لكن مع ذلك كنت مقتنعة بصعوبة تحمل مسؤولية ثقيلة جدا كقطاع الماء في ظروف مناخية صعبة، وفي ظل انعدام وسائل الاشتغال، ناهيك أنني حوربت أيضا بطرق قد يأتي الوقت المناسب لأفصح عن تفاصيلها، ربما لأنني امرأة، لذلك لما جاء قرار الإعفاء تنفست الصعداء وأزلت عني ضغطا رهيبا كنت أعيشه، كما شعرت أسرتي بالارتياح.

بالمقابل، شعرت بحسرة كبيرة بسبب الطريقة المذلة التي تعامل بها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مع حزبي، وتساءلت في نفس الوقت عما إن كان هذا هو ثمن الوفاء لحزب اعتقدنا أننا يمكن أن نبني معه شراكة قوية لتدبير الشأن العام، خصوصا بعد أن أعطينا في 2011 صورة فريدة عن تعايش حزبين من إيديولوجيتين مختلفتين لصالح الوطن.

 

بعد إعفائك، هل حرصت على استفسار رئيس الحكومة عما حصل؟

> لم أستفسره لأن الأمر لا يعنيني بالدرجة الأولى، إنما يعني الحزب الذي أنتمي إليه، والحزب أصدر بلاغا قويا آنذاك، وطلب من رئيس الحكومة في عدد من المرات الخروج للمواطنين لشرح أسباب حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء، لكنه لم يفعل ذلك، وفي الأخير تم طي الملف بطريقة ودية لتيسير الأمور وخوفا من خلق أزمة داخل المشهد السياسي.

 

ولم يحصل تواصل بينك وبين الوزير اعمارة أيضا؟

> قبل حذف كتابة الدولة بقليل كان التواصل معه قد أصبح مستحيلا ووصل إلى الباب المسدود.

أما بعد الإعفاء فلم يكن هناك أي داعٍ للتواصل معه من جانبي أو من جانب حزبي، لأن حذف كتابة الدولة في الماء كان بطلب من رئيس الحكومة والذي وحده من يمتلك هذا الاختصاص، بغض النظر عن أن ذلك الشخص كان هو الطرف الذي وقف وراء ذلك، لكن بالنسبة إلي وحزبي فإن الجهة المخاطبة كانت هي رئاسة الحكومة التي رفعت الطلب إلى جلالة الملك.

 

ألم يكن الأجدى التواصل معه لمعرفة ما حصل تحديدا؟

> البكاء وراء الميت خسارة!

 

بعد تجاوز لحظة الإعفاء، هل التقيت لاحقا رئيس الحكومة في أي مناسبة؟ وهل تبادلتم أطراف الحديث حول الموضوع؟

> لم ألتقه، وليس لدي سبب للحديث معه في الموضوع، فكما قلت في تصريحاتي في تلك الفترة، أنا أحترم قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وأعتبر أني أديت مهمتي على أكمل وجه وضميري مرتاح، وكنت دائما على وعي بأن منصب الوزير لا يمكن أن يستمر في الزمن، فكما عنده بداية فإن له نهاية، والنهاية يمكن أن تتم بأي طريقة من الطرق، إما عن طريق الانتخابات أو الإعفاء أو غيرهما.

 

بعد إعفائك، متى عُدت إلى مقر الوزارة؟

> كان الإعفاء يوم جمعة، وفي اليوم الموالي (السبت) ذهبت إلى مكتبي لأجمع أغراضي. كانت مهمتي سهلة لأن الظروف الصعبة التي كنت أعيشها في الحكومة جعلتني مقتنعة أنني سأغادرها قريبا وتهيأت لذلك، لذلك لم أمكث في المكتب أزيد من ساعة ونصف الساعة، لأخذ ما تبقى من حاجياتي، لكني نسيت «السجادة» و»العباية» و»الفولار» وكنت أستعملها لأداء صلواتي (تضحك).

 

ألم تعودي لأخذ هذه الحاجيات؟

> لا، لم أعد إليها.

 

جمعت أغراضك من الوزارة في يوم سبت، إذن لم تحظي بوداع من الموظفين؟

> البعض تواصل معي عبر الهاتف، والبعض الآخر أرسل لي رسالة أو وجه سلامه لي عبر الديوان، ولحد اليوم مازلت على تواصل مع عدد من أطر الوزارة ونتبادل التهاني في المناسبات والأعياد الدينية وغيرها.

 

بعد الإعفاء، هل كنت مضطرة لتبرير ما حصل لأسرتك الصغيرة؟

> صراحة، كان هناك ارتياح من لدن الأسرة، لأنهم كانوا يرون حجم الضغط الذي كنت أعيشه، وفي النهاية فقد قضيت خمس سنوات وزيرة، لذلك «باركة!».

 

من المحطات البارزة في مسارك الوزاري والتي خلفت جدلا كبيرا، التصريح المثير الذي صدر عنك تعليقا على جدل تعويضات البرلمانيين التي وصفتها بـ»جوج فرانك» سنة 2015، ما هي ملابسات هذه الواقعة؟

> حين أعود بذاكرتي اليوم إلى هذا التصريح وما رافقه من جدل ينتابني الضحك، لكن لا أخفيك أني في تلك الفترة أصبت بالارتباك وشعرت بضغط رهيب، خاصة أني تعرضت لهجوم إعلامي منظم، وبعد أن مرت كل هذه السنوات أجدني اليوم أكثر مناعة وقوة، ولن يهزني مثل هذا الأمر.

 

صحيح أن التصريح خلف ردود فعل غاضبة، لكن ما الذي آلمك أكثر؟

> لقد تعرضت لردود فعل عنيفة، لدرجة أنني كنت أتلقى اتصالات وأتوصل بصور مسيئة، وبلغ الأمر حد الاتصال بهاتف المنزل. ومازلت أتذكر كيف أن ابنتي ردت يوما على أحد الاتصالات الواردة على المنزل فكان المتصل مجهولا وجه لها سيلا من الشتائم والسباب، لكني مع الوقت أدركت أن مثل هذه الوقائع تُقوي مناعة السياسي، لذلك قلت لك إنه لو حصل معي مثل هذا الأمر اليوم فلن يُربكني.

 

أمام موجة الغضب من تصريحك في ذلك الوقت، هل وجدت الدعم من حزبك؟

> نعم. تلقيت دعما من طرف الحزب والأصدقاء والزملاء الوزراء.

 

ماذا عن رئيس الحكومة؟

> ابن كيران كان داعما لي هو الآخر، وقد دعاني إلى عدم الاهتمام بما يروج، وأكد لي أنه هو الآخر يجري تحوير كلامه. أكثر من ذلك فقد تلقيت دعما أكبر من جهات عليا.

 

باعتبارك وزيرة سابقة واشتغلت في حكومتين متتاليتين، كيف تقيمين تمثيلية المرأة على مستوى الحكومة؟

> المشكل أن هناك تيارا محافظا من الطبقة السياسية ووسط المجتمع لم يستسغ بعد وصول طاقات وكفاءات نسائية لتدبير الشأن العام، ويضع عراقيل أمام اضطلاعها بمسؤوليتها، لأنه لا يقبل رؤية امرأة متمكنة من القطاع. وشخصيا عشت هذه التجربة المريرة ليس فقط داخل الحكومة بل حتى في الوسط المهني.

 

هل معنى ذلك أن المرأة الوزيرة قد تعاني بدورها من نظرة سلبية؟

> طبعا. الطريق بالنسبة للمرأة الوزيرة غير سهلة وغير مفروشة بالورود، فهي بدورها تعاني من نظرة سلبية من البعض، لأن المحيط الذي تشتغل فيه هو مجتمع ذكوري في نهاية المطاف، وقد تجد حتى داخل الفريق الحكومي وزراء يحملون أفكارا محافظة تجاه المرأة.

 

ماذا عن الإدارة التي تكون تحت إمرة المرأة الوزيرة، هل يمكن أن تظهر مقاومة لها مرتبطة بكونها امرأة؟

> طبعا. شخصيا تلقيت عند تعييني كوزيرة عدة رسائل نصية تطلب مني الذهاب إلى المطبخ وتحتج على أني جئت إلى قطاع الماء، وتبين لاحقا بعد أن أخبرت وزير الداخلية وفتح تحقيق في الموضوع أن تلك الرسائل تعود لموظف في الوزارة.

 

خلال مهمتك الوزارية، هل وجدت وزيرات يعانين من التضييق المرتبط بالنوع الاجتماعي أيضا؟

> نعم، كنت ألمس ذلك باستمرار، وإلا كيف يمكن تفسير تعيين تسع كاتبات دولة ووضعهن في آخر لائحة أعضاء الحكومة وعدم منحهن أي اختصاصات؟ هذا أحد أوجه التضييق على المرأة الوزيرة. لذلك أحيي حكومة عزيز أخنوش لأنها تميزت بتعيين امرأة وزيرة للاقتصاد والمالية، وأعتبر هذا القرار شجاعا من لدن رئيس الحكومة الحالي.

 

هل هذا الأمر يرتبط بكون الحزب الذي كان يقود الحكومة محافظ وإسلامي؟

> ربما. لكن كن متأكدا أن النبرة المحافظة غير موجودة لدى العدالة والتنمية وحده، بل توجد في أحزاب أكثر انفتاحا.

 

أنت أم لثلاثة أبناء، كيف كنت تدبرين علاقتك بأبنائك الذين كانوا يحتاجون إلى رعايتك؟

> كان الأمر صعبا للغاية، فعند تعييني في أكتوبر 2013 كان عمر ابنتي البكر 11 عاما، بينما كان ابني الصغير ما يزال رضيعا في عمر 10 أشهر فقط، وكنت أعرف أن مهمة رعايتهما ستكون صعبة لأنهما ما يزالان صغيران، خاصة أنني أتولى قطاعا حكوميا يفرض تنقلي باستمرار خارج الرباط، لكني حرصت على تدبير هذه المسألة، وأشكر بالخصوص مساعداتي ووالدهم الذي كان يعوض غيابي، والحمد لله مرت الأمور بسلام.

 

بالنسبة لابنك الرضيع، هل اتبعت برنامجا خاصا لرعايته، من قبيل اصطحابه معك إلى مقر الوزارة؟

> لم يحصل هذا الأمر إطلاقا. بالنسبة إلي الأسرة أسرة والمسؤولية مسؤولية، وحتى زوجي لم يسبق أن وضع رجله في الوزارة.

تاريخ الخبر: 2022-02-18 12:18:00
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 61%
الأهمية: 74%

آخر الأخبار حول العالم

"رويترز": بريطانيا ستفرج عن بعض المجرمين بسبب اكتظاظ السجون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:54
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 87%

طقس الخميس.. حرارة وهبوب رياح بهذه المناطق

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:09:08
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 74%

روسيا.. الجندي الأمريكي المعتقل في فلاديفوستوك يعترف بجريمته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:51
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 90%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٦)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:21:33
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

10 دول أوروبية ترفض الحديث عن ضمانات أمنية لأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:07:10
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 97%

آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /16.05.2024/

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 06:06:55
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية