يواجه المغرب أحد أقوى موجات الجفاف خلال الـ30 سنة الأخيرة من تاريخه، بعد أن انحبس المطر بشكل كبير طوال الشهرين الأولين من هذا الشتاء. وأمام عطش الأرض ضاقت صدور الساكنة بمخاوف من عام فلاحي بلا غلَّة، يثقل كاهل المزارعين ويضرب اقتصاد البلاد بالكساد. إذ تساهم مداخيل الفلاحة بنسبة تتراوح بين 12 و17% في الناتج الداخلي الخام المغربي.

ومع أنها الأقوى فليست هي المرَّة الأولى التي يواجه فيها المغرب سنة عجفاء، إذ تفيد دراسة بأن البلاد خلال الفترة ما بين 1940 و1979 عرفت خمس سنوات من الجفاف، وما بين 1980 و1995 إلى ست سنوات من الجفاف، كما سجلت ما بين 1996 و2002 أربع سنوات من الجفاف.

فيما تعد هذه السنة الأكثر حساسية من هذه الناحية، نظراً إلى قوة الظرف المناخي الذي تعيشه، والذي يضاف إلى تبعات الجائحة الوبائية التي لم يتعافَ منها الاقتصاد المغربي بعد، ما دفع الحكومة بتوصيات من الملك محمد السادس إلى أن تتحرك بسرعة لتنفيذ إجراءات استعجالية من أجل تخفيف وطأة هذا الجفاف عن المزارعين والقطاعات الاقتصادية المرتبطة بالفلاحة.

سنة عجفاء يعيشها المغرب

هي المرة الثالثة على التوالي التي يصلي فيها المغاربة صلاة الاستسقاء، غير أن السماء لا تزال شحيحة حابسة الغيث عنهم. فما بين 1 سبتمبر/أيلول و31 يناير/كانون الثاني لم يتعدَّ المعدل التراكمي للتساقطات بالمغرب 38.8 مليمتر، مقارنة بـ106.8 في ذات الفترة من السنة خلال وضعية مناخية عادية. أي بعجز يعادل 64%، وبعجز يعادل 53% مقارنة بالسنة الماضية.

هذه الوضع الكارثي أثَّر سلباً على مزارعي البلاد الذين أصبحوا ينظرون إلى موسم فلاحي كاسد ويعدون من الآن الخسائر التي تنهال على رؤوسهم. وصرَّح أحدهم لموقع "طنجاوي" المحلي قائلاً: "إن تأخر التساقطات المطرية بعد أشهر من انطلاق الموسم الفلاحي تسبب في ضرب المحاصيل الفلاحية، ودفع شح الكلأ إلى إطلاق الفلاحين مواشيهم ترعى في المحاصيل بعد أن فقدوا الأمل في غلَّتها".

ونقلاً عن ذات المصدر أفاد بأن "الكسَّابة" (أصحاب الماشية) أصبحوا يقبلون بشكل كبير على بيع مواشيهم نظراً إلى المصاعب التي يواجهونها في إطعامها، ذلك رغم تراجع أسعار الماشية في الأسواق المغربية وضعف الإقبال عليها.

هذا وأثر الجفاف بشكل كبير على المخزون المائي للمغرب، إذ تراجعت حقينة السدود بأزيد من 2.4 مليار متر مكعب، أي بنسبة 15% حسب إحصاءات وزارة التجهيز المغربية. وكشفت الوزارة أن "سد الوحدة"، أكبر سدود البلاد، يعرف عجز بـ690 مليون متر مكعب مقارنة بنسب ملئه في نفس الفترة من السنة الماضية.

ويجمع خبراء بأن المغرب انتقل من زمن العجز المائي إلى زمن الندرة، داقين ناقوس الخطر باستعجال اتخاذ إجراءات تحول من دون وقوع البلاد في سيناريو العطش. وتربط دراسات بين هذا الوضع الذي يعيشه المغرب وبين موجة الاحترار العالمي والتغيرات المناخية، إذ سجل متوسط درجة الحرارة بالمملكة ارتفاعاً بـ0.16 درجة منذ ستينيات القرن الماضي، وانخفضت التساقطات المطرية بأكثر من 40%.

إجراءات استعجالية

"أن تمطر هي أن تحكم"؛ هكذا وصف الماريشال اليوطي، أول مقيم عام بالمغرب، البلاد إبان فترة احتلالها، في إشارة إلى أن الاستقرار السياسي في البلاد رهين بالتساقطات المطرية. مقولة لا تزال قائمة منذ ذلك الوقت، وهذا ما لا تغفل عنه سلطات الرباط.

واستقبل الملك محمد السادس الأربعاء كلاً من رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزير الفلاحة محمد الصديقي، من أجل حث الحكومة على ضرورة اتخاذ التدابير الاستعجالية الضرورية لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين.

وأطلقت الحكومة المغربية وفق تلك التوجيها برنامجاً استعجالياً استثنائياً لإنقاذ الموسم الفلاحي، رصدت له غلافاً مالياً قدر بمليار دولار. سيهم هذا البرنامج دعم الفلاحين المتضررين من انحباس المطر، كما دعم استراد الحبوب تفادياً لزيادات قد تطرأ على أسعارها في ظل تراجع المحصول الوطني وتهديد الأزمة الأوكرانية بتقلب تلك الأسعار في الأسواق العالمية.

وحثَّت الوزيرة السابقة المكلفة الماء، شرفات أفيلال، الحكومة المغربية بأن "من الضروري تفعيل لجان اليقظة الآن في المناطق التي تعاني خصاصاً، فضلاً عن ضرورة الانتباه إلى الفلاحين الصغار الذين يعيشون وضعية مزرية". وأردفت في تصريح صحفي قدمته لموقع هيسبريس المغربي، مؤكدة أهمية "مباشرة حملات تحسيس واسعة النطاق لإقرار التعامل العقلاني مع الموارد المائية، وكما تشجيع الحكومة على تنزيل الإجراءات، فالمغرب أمام وضع خاص، ولا بد من تأمين ولوج الجميع للموارد المائية للبلاد".

TRT عربي