يكفى قدر من المعلومات وقليل من الإدراك للتحصن ضد الدجل المنتشر عن العلاج بالسحر والشعوذة، وأما كثرة الضحايا فتعنى أن كثيرين ليسوا فى أفضل حالاتهم، أضف أيضاً أن بعض الناجين من هذا الدجل يقعون بسهولة فى فخ الترويج العلنى للجوء للعلاج بالأعشاب، وقد يصدقون أن هذا يُغنِى، بل إنه أكثر فائدة، من التعامل مع الطب والأطباء والأدوية! وقد يستغل بعض المروجين للأعشاب، من أجل بث التشكيك فى الأدوية، بعض الحالات الصارخة فى جرائم صناعة الدواء، التى تتورط فيها بعض الشركات العالمية الكبرى، وهو ما تدينه القوانين وتتصدى له الدول، خاصة فى العالم المتقدم. وقد تعاظم خطر الترويج للأعشاب بعد انتشاره بكثافة على مواقع الإنترنت والتليفزيونات، وصار أصحابه نجوماً، ولو لم يكن هناك تشكيك صريح منهم فى الطب والعلاج بالأدوية، فهناك إيحاءات سلبية واضحة.
من العوامل الموضوعية التى تساعد على انتشار هذه الأفكار، ليس فقط قلة العلم، لأنه لا يمكن إنكار أن هناك قطاعات من المرضى، خاصة المصابين بأمراض عضال، مما لم يتوصل العلم إلى علاج ناجع لها، هم أكثر من غيرهم ضحايا لهذه الدعاوى، التى يتجاسر أصحابها ليس بتحفظ العلماء عن احتمالية الشفاء، وإنما بالقطع بأن الشفاء مؤكد! فيأخذ الضحية الوصفة ويُسرِع لشراء مكوناتها من العطار أو البقال أو سوق الخضار، ويشيح عن الأطباء والمستشفيات والصيدليات! وهو ما قد يتسبب فى جرائم مميتة، مثل مرضى السكر الذين يأخذون بالنصيحة ويتوقفون عن الأنسولين، ومثل مرضى السرطان الذين يقتنعون أن العلاج عن طريق منقوع الفواكه!
وكما ترى، فكل هذا يتصادم مع مساعى نشر العلم على يدى أجهزة وأفراد، ومع جهود الدولة فى إقامة المستشفيات وفى نشر الوعى بالكشف الطبى المبكر وبالالتزام بالدواء، وبعدم التهاون مع الأعراض البسيطة، خشية أن تتفاقم إلى حالات خطيرة، وكذلك النجاح فى القضاء على أمراض مثل فيروس سى الذى دخل مرضاه متاهات لسنوات فى أوهام العلاج بالأعشاب. فأين نقابات الأطباء وأين كليات الطب؟ وأين الجامعات العلمية؟ وأين أجهزة الدولة؟
نقلاً عن "الأهرام"
