في خطابه الأخير، الذي أعلن فيه اعترافه رسمياً باستقلال لوغانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا، تَطرَّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحروب الروسية العثمانية على سواحل البحر الأسود خلال القرن الثامن عشر، في أثناء حديثه عن أن دونباس وأوكرانيا ككل كانت تاريخياً جزءاً من روسيا وتاريخها.

وفي معرض حديثه أشار بوتين إلى أن سفن الناتو تستخدم المواني الأوكرانية على البحر الأسود الآن، وأضاف: "أرادت الولايات المتحدة إنشاء بِنية تحتية لها في شبه جزيرة القرم ضدّ روسيا في البحر الأسود، لكن هذه الخطط فشلت بعدما اتخذ سكان القرم قرارهم". ولفت مجدداً إلى أن دول الناتو تسعى جاهدة لمنع وصول روسيا إلى البحر الأسود الذي كانت سواحله ساحات صراع بين قوات روسيا القيصرية والقوات العثمانية على مدار قرون مضت، فضلاً عن خططهم لتدمير جهود وعمل قادتنا التاريخيين.

تجدر الإشارة إلى أن استذكار بوتين الحروب الروسية-العثمانية على سواحل البحر الأسود خلال القرن الثامن عشر جاءت بعد أيام قليلة من الذكرى 167 لمعركة جوزلوفا التي وقعت في أثناء حرب القرم عندما حاول جيش الإمبراطورية الروسية بلا جدوى الاستيلاء على ميناء القرم في مدينة جوزلوفا، التي تُعرَّض فيها الروس لهزيمة نكراء عجّلت حسم حرب القرم لصالح العثمانيين في النهاية.

خلفية تاريخية

شهد عام 1676 أولى محاولات روسيا القيصرية السيطرة على شبه جزيرة القرم من أجل إيجاد موطئ قدم لها على سواحل البحر الأسود، لكن هذه المحاولة وأخرى في عام 1687 انتهتا بفشل روسي وهزيمة نكراء. لكن محاولة قيصر روسيا بطرس الأول عام 1695 تكللت بالنجاح، فاستطاع بفضل القوة العسكرية الهائلة التي حشدها السيطرة على حصن آزوف المطل على نهر الدون.

وفي مطلع القرن الثامن عشر قررت روسيا القيصرية مجدداً توسيع مناطق نفوذها على سواحل البحار الدافئة في عهد القيصر الروسي بطرس الأول، الذي وضع الخطط من أجل السيطرة على أراضٍ تُطِلّ على بحر البلطيق شمالاً والبحر الأسود الذي يسيطر عليه العثمانيون جنوباً.

وعليه باشر بطرس الأول بين عامَي 1700 و1721 مداهمة مملكة السويد في ما عُرف باسم "حروب الشمال الكبرى"، وردّاً على الغزوات الروسية هاجم الإمبراطور السويدي تشارلز الثاني عشر عام 1709 الأراضي الأوكرانية التي كانت مركز حكم روسيا القيصرية حينها، لكنه تلقى هزيمة مذلّة دفعته هو وحاشيته إلى الفرار إلى قلعة بندر في الإمارة العثمانية بمولدافيا.

تسلسل الحروب الروسية العثمانية خلال القرن 18

- حملة بروت (1710): ما إن رفض السلطان العثماني أحمد الثالث المطالب الروسية المستمرة بإخلاء تشارلز، حتى أرسل بطرس الأول قسماً من جنوده إلى الأراضي العثمانية، وبقي الجيش الروسي عند نهر بروت الفاصل بين رومانيا ومولدافيا، مما دفع السلطان العثماني إلى إعلان الحرب على روسيا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1710. وفي صيف عام 1711 انتصر العثمانيون على القوات الروسية واستعادوا قلعة آزوف من روسيا بعد حصارهم القيصر الروسي وجنوده ودفعه إلى الاستسلام.

- التحالف الروسي النمساوي (1735-1739): جددت روسيا أملها في الهبوط إلى البحر الأسود بعد تحالفها مع الإمبراطورية النمساوية في حربها على الدولة العثمانية عام 1735. وبينما نجحت روسيا في السيطرة على مولدافيا والقرم وبعض المناطق الأخرى التي كانت واقعة تحت السيطرة العثمانية، عادت وذاقت روسيا هزيمة مُذِلَّة من العثمانيين عام 1739 خسرت بموجبها جميع المناطق التي سيطرت عليها، كما اعترفت بالسيادة العثمانية الكاملة على البحر الأسود.

- حرب (1768-1774): تُعتبر هذه الحرب إحدى المعارك القليلة التي تَمكَّن فيها الروس من هزيمة العثمانيين طول سلسلة الحروب الـ13 الممتدة من عام 1568 إلى عام 1918. وفي هذه الحرب تَمكَّن الروس من فرض سيطرتهم الكاملة على على شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى بحر آزوف ومنطقة بيسارابيا.

- حرب (1787-1792): رداً على إعلان الإمبراطورة الروسية كاثرين ضمّ منطقة القرم إلى الأراضي الروسية، عادت الدولة العثمانية وشنّت حرباً جديدة على الروس الذين تحالفوا مع النمساويين مرة أخرى لصد الهجوم العثماني الذي كان يرمي إلى استعادة القرم وردع الروس عن محاولات التوسُّع في القوقاز. لكن نتائج الحرب كانت لصالح الروس الذين أحكموا سيطرتهم بموجب معاهدة "لاشي" على سواحل البحر الأسود الشمالية والشمالية الغربية والشرقية.

TRT عربي