تنفيذاً لتهديداتها المستمرة، بفرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، على موسكو، في حال أقدمت فعلاً على غزو أوكرانيا، بدأت العواصم الغربية مؤخراً إعلان الحزمة الأولى من العقوبات الاقتصادية، وذلك بعد أن بدأت القوات العسكرية الروسية بشكل علني، في اجتياح شرق أوكرانيا.

وبينما تعد الولايات المتحدة الأمريكية لعقوبات "لم يسبق لها مثيل"، وصفتها بـ"أم العقوبات"، أعلنت ألمانيا يوم الثلاثاء 22 فبراير/شباط الجاري، وقف خط الغاز الروسي إلى أوروبا (نورد ستريم 2) ، كما أعلنت بريطانيا أيضاً حظر خمسة بنوك روسية وفرض عقوبات على عدد من الأثرياء الروس.

وكان يستبعد الخبراء والمختصون، ألا تكون موسكو بدورها، كقوة هامة منافسة على المسرح الدولي، استعدت جيداً لمجابهة هذه العقوبات، في الوقت الذي كانت تخطط فيه لاجتياح أوكرانيا.

وفعلا أيدت العديد من التقارير هذه الترجيحات، وكشفت خطة بدأت البنوك الروسية في تنفيذها منذ فترة، استعداداً لتخفيف وطأة العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي.

البنوك الروسية تخزن الدولار الأمريكي

تحدث تقرير نشرته مؤخراً وكالة التصنيف الروسية (أكرا)،عن استيراد البنوك الروسية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، نحو 5 مليار دولار من الأوراق النقدية بالعملة الأجنبية، وذلك مقابل 2.65 مليار دولار كانت قد استوردتها من قبل، عام 2020.

ويشير هذا الارتفاع الملفت في استيراد العملية الأجنبية، إلى رفع البنوك الروسية مستوى الأهبة والاستعداد، لأي عقوبات غربية محتملة، وذلك منذ بدء تصاعد حدة التوتر بين موسكو والغرب، على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وفي حين أنه من المتوقع أن تنخفض قيمة الروبل، العملة الرسمية لروسيا، نتيجة العقوبات المتوقعة، ازداد طلب المودعين وأصحاب الأموال والمستثمرين، في الفترة الأخيرة على الدولار الأمريكي، للاحتفاظ به.

وتلبية لطلبات العملاء المتزايدة على العملة الأجنبية، استوردت البنوك الروسية الأوراق النقدية من العملة الأجنبية بشكل منتظم، وفق ما أشارت إليه العديد من التقارير، ورفض البنك المركزي الروسي التعليق على الأمر، بالتأكيد أو النفي.

وحسبما جاء في بيانات وإحصائيات رسمية، أعلن عنها البنك المركزي، في سياق منفصل، فإن البنوك الروسية تحتفظ الآن بحوالي 631 مليار دولار، ليصبح رابع أكبر احتياطي نقدي لدى دولة في العالم.

كما أنشأت البنوك، في إطار استعدادها لتداعيات العقوبات الاقتصادية، مجموعة من حسابات المراسلة فيما بينها، لتحويل العملة الأجنبية محلياً.

ومن جانبها، تعهدت وزارة المالية الروسية، مؤخراً بأنها ستضمن الوفاء بجميع التزامات البنوك، بما في ذلك العملات الأجنبية، إذا ما ضربت العقوبات القطاع المالي. ولم تنف في الأثناء أنه ستوجد تقلبات مؤقتة في السوق نتيجة ذلك.

ويلفت مراقبون ومحللون، إلى أن هذه الإجراءات والتدابير التي بدأت في توخيها البنوك الروسية، هي ذاتها التي فعلتها عام 2014، بعد أن هوت قيمة الروبل، نتيجة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إليها.

الغرب يتوعد بعقوبات صارمة

تعتبر البلدان الغربية، أن العقوبات الاقتصادية من أهم أوراق الضغط على موسكو، فيما يتعلق بملف الأزمة الأوكرانية. وقد حاولت في هذا السياق، التلويح مرارا، بفرض عقوبات قاسية، وصفها المشرعون الأمريكيون ب"أم العقوبات" التي لم يسبق لها مثيل، والتي ستشل حتما عمل البنوك الروسية.

ولعل أكثر ما تخشاه موسكو، عند الإشارة إلى هذه العقوبات، هو حظر روسيا من استخدام النظام المصرفي العالمي المعروف باسم "سويفت" SWIFT، وهو نظام يسهل المدفوعات الدولية في الغالبية العظمى من البلدان حول العالم.

ووفق ما أوضحه خبراء، فإن إزالة روسيا من نظام "سويفت" ستحد من قدرة موسكو على التجارة، كما أنه سيكون من المستحيل تقريباً على المؤسسات المالية إرسال واستقبال الأموال داخل أو خارج البلاد.

وبناء على ذلك، فيمكن للاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي الروسي، أن تخفف حدة هذه العقوبات وتوفير السيولة، وامتصاص الصدمة الأولى من العقوبات الاقتصادية الغربية.

وبدأت هذه العقوبات في أخذ مسارها فعلاً، بعد تجاهل موسكو للتهديدات الغربية والمفاوضات الدبلوماسية، ودخول قواتها شرق أوكرانيا. حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 22 فبراير/شباط الجاري، فرض عقوبات مالية شديدة على قادة وبنوك روسيا ضمن حزمة عقوبات غربية على روسيا.

TRT عربي