كرة القدم أولا والقطاعات الأخرى تنتظر
كرة القدم أولا والقطاعات الأخرى تنتظر
العاملون في قطاع الصحة يحتجون و العمال بقطاع النقل السياحي يستنجدون و الصناع التقليديون ينتظرون الأكسجين للحفاظ على موروث ثقافي و غيرهم من المهن المغربية يتألم في صمت.
و خلال التأمل في هذا الواقع المؤلم يسارع وزير الميزانية المشرف العام على كرة القدم إلى لقاء رئيس الحكومة من أجل حضور الجمهور إلى ملاعب تلك المستديرة التي لا تسمن و لا تغني من جوع في وقتنا الراهن. لعل الكرة تبعث في الأنفس انشراحا ينسي الواقع المر الذي يعيشه كثير من المغاربة الذين يعيشون على الهامش و الهوامش.
ويجد رئيس الحكومة الوقت لاستقبال رئيس جامعة الكرة ووزيره المنتدب من أجل ملىء مدرجات الملاعب و لا يجد وقتا لاستقبال نقابات العاملين بقطاع الصحة و السياحة و اؤلئك الذين يعملون ليل نهار لإنتاج قوت المواطنين من خضر و فواكه و خبز. ليس له الوقت للاجتماع مع ممثلي عمال مصفاة لا سامير في وقت يتبين فيه الدور الكبير لصناعة التكرير و التخزين و الإستثمار في صناعة تحويل الغاز المسال. و لكن كرة القدم أهم من كل القطاعات. ولكنها ستظل ضعيفة و عديمة التأثير على كل مؤشرات الإقتصاد و على التوازنات الإجتماعية و السياسية.
كرة القدم لا تخلق المعجزات. في بلد السامبا و عاصمة الكرة البرازيل ظلت الحال على ما هي عليه و لم يغطي سحر هذه الكرة على سحر كوباكابانا. و جرب جينيرالات الأرجنتين حكاية كأس العالم في 1978 و انقلب سحر الكرة عليهم و رحلوا. الكرة ليست أولوية وطنية ، إنها مجرد لعبة تستقطب الشباب و القلة القليلة منهم قد تصل الى مرتبة كروية تضمن لهم مؤقتا الحصول على مصدر دخل محترم و شبه داءم. أما الجمهور فهو الضحية الأولى لهذه اللعبة و هو المستهدف من طرف الشركات الممولة لمؤسسات كرة القدم التجارية ذاب حب رياضة في إدمان على مواد غذائية و ملابس و مشروبات تسيرها شركات متعددة الجنسيات.
مليارات الدولارات تملأ خزينة الفيفا و الجامعات القارية الممثلة للقارات الخمس. و خلال عمليات تراكم الأموال يتم استغلال العاشق لكرة القدم و تصبح هذه الأخيرة افيونا للشعوب. نعم كرة القدم لعبة جميلة و تنعش النفوس من خلال المنافسات لكنها انحرفت و أصبحت سلعة و سوقا تبيع القيم و الإنسان و السلع التافهة و كثيرا من الصور.
رئيس الحكومة يحتاج لهذا النوع من الرياضة لأنها أصبحت مجالا لضبط إيقاع السياسة. و كثير هم اؤلئك الغرباء عن السياسة الذين تمكنوا من ولوج مجال التشريع في بلادنا. الكرة لها من السحر ما يجعل العالم و المهندس و الاقتصادي و رجل القانون في مراتب أدنى من اؤلئك الذين يعيشون في شبكات المستديرة و يسيطرون على المشاعر و لم يصلوا بكرة القدم الوطنية إلى مرتبة مشرفة. كل هذا في الوقت الذي أصبح فيه الطبيب و المهندس و الأستاذ مجرد كائنات لا تحظى بالاحترام و لا بالراتب الذي يضمن الكرامة.
و رغم كل ما سبق..لا نتائج تذكر. أصبح المغاربه الموهوبون في أوروبا مصدر فخر و استمتاع كما أصبح الفريق الوطني مصدر قلق و أصبحت البطولة الوطنية غير جديرة بالمشاهدة. و لهذا قبل أن تفتحوا الملاعب للجماهير اسألوا اللجنة العلمية و صلوا صلاة الاستخارة حتى لا تتحول الملاعب إلى حلبات للصراع السياسي و إلى سوق للشتاءم و الصراعات من أجل المنافع المادية. و لكم في شعارات جمهور فريق الرجاء البيضاوي خير درس على انقلاب السحرعلى الساحر . افلا تفقهون!