منذ منتصف شهر دسيمبر/كانون الأول، وموسكو تحشد جيوشها على الحدود الأوكرانية، مموهة ذلك بشتى الذرائع وتكثيف المناورات. ومنذ ذلك الحين كذلك عملت الاستخبارات الغربية على التحذير من عزمها غزو البلاد. تحذيرات تمسكت الخارجية الروسية بوصفها بـ"الهستيرية" منكرة صحتها، حتى اللحظة التي أطلقت فيها أول رصاصة على الجيش الأوكراني.

ورغم ذلك استمر الرئيس الروسي في إنكاره ارتكاب عمل حربي ضد جارته الجنوبية، نافياً أن له نية في احتلال البلاد. حيث قال في خطابه يوم الخميس: "نحن لا نريد احتلال أوكرانيا، لكوننا لا نملك نية في أن نفرض أنفسنا على أحد". مضيفاً بأنه: "إذا أرادت القوات الأوكرانية النجاة عليها أن تلقي أسلحتها وتعود إلى منازلها".

فيما يعد هذا الخطاب المناقض للواقع على الأرض عقيدة عسكرية روسية قديمة، يطلق عليها اسم "ماسكيروفكا"، التي تستخدم لتمويه العمليات الحربية، حيث يكون الخداع أداة عسكرية للنيل من العدو مادياً ومعنوياً.

الحرب خدعة!

منذ إعلان بوتين اعترافه بإقليمي دونيتسك ولوهانسك جمهوريتين مستقلتين، عبرت قوافل من القوات المدرَّعة وناقلات الجنود إلى داخل الحدود الأوكرانية. وقتها أعلن الكريملين بأن قواته ستتوجه إلى دونباس لـ"حفظ السلام"، دون أن يحدد موعد نشرها. بالمقابل كل القوات التي عبرت وقتها دخلت بلا شارات عسكرية ولا أعلام توضح هويتها، كما نزعت من العربات والمدرَّعات ترقيمها.

كانت تلك إحدى الخطط لتمويه بوتين وجود قواته داخل الحدود الأوكرانية، وليس إلا بعد يومين حين أعلن عزمه نشر قوات في أوكرانيا. وامتد ذلك الإنكار حتى بعد تنفيذ القوات الروسية ضربات ضد أوكرانيا. نافياً أن له نية في احتلال البلاد.

فيما يذكر تحرك الجيش الروسي بتلك بالكيفية التي تم بها احتلال شبه جزيرة القرم، حيث اقتحم "عسكريون بلباس مرقط ومسلحون بدون شارة خاصة" برلمان الإقليم واستولوا كذلك على مطار مدينة سيباستوبول، حسب وزير الداخية الأوكراني وقتها. فيما ردت عليه موسكو بأنه "لا وجود لاجتياح روسي للقرم".

حسب أشرف يالينكيجلي، الخبير في الشؤون الروسية وشؤون أوراسيا، فإن ما صرَّح به بوتين مؤخراً هو تقنية عسكرية روسية موروثة عن الاتحاد السوفييتي "تسمى ماسكيروفكا (التمويه بالعربية)". وأضاف الخبير "في هذه الحالة يحاولون خداع الرأي العام الدولي بالحديث عن انسحابهم لكن في الواقع يبقون على الأرض".

ما عقيدة "ماسكيروفكا"؟

عقيدة "ماسكيروفكا" هي عقيدة خداع عسكري روسية، حيث تستعمل فيها عدة تقنيات من أجل تمويه العمليات وتضليل العدو من أجل تحقيق أهدافها. وحسب الموسوعة العسكرية السوفييتية لعام 1944 فإن أهداف هذه الـ"ماسكيروفكا" تتمثل في "تأمين العمليات القتالية والأنشطة اليومية للقوات؛ وتعقيد الإجراءات الموجهة لتضليل العدو فيما يتعلق بوجود القوات وتنظيمها".

واستخدم السوفييت هذه التقنية في حسم معارك كثيرة طوال تاريخ الحروب التي خاضوها. أبرزها معركة ستالينغراد التي مثَّلت منعطفاً في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وأدت هزيمة النازيين فيها إلى تقهقرهم بشكل كبير وصولاً إلى سقوطهم تحت نيران الحلفاء.

ومن الناحية العسكرية فإن لماسكيروفكا معنى عسكرياً أوسع: الخداع الاستراتيجي والعملياتي والمادي والتكتيكي. ويجري تنفيذها بوسائل عدة، تمتد من تقنيع الجنود بأقنعة التزلج أو الزي الرسمي بدون شارات، إلى الأنشطة السرية، إلى عمليات نقل الأسلحة المخفية، إلى بدء حرب أهلية في الدولة المعادية والتظاهر بعدم وجود مسؤولية للدولة التي بدأها فيها.

ولهذه التقنية مقابل في المعجم العسكري الأمريكي، ويطلق عليها إما CC&D أي التمويه والإخفاء والخداع أو D&D أي الإنكار والخداع.

TRT عربي