كان من السهل على دول الخليج في الماضي دعم طرف، ما بين الولايات المتحدة وروسيا، في الحرب الأوكرانية، لكن العلاقات المتنامية مع موسكو تجبر هذه الدول اليوم على تحقيق توازن صعب في مواقفها.

فبينما سارع العالم لإدانة غزو روسيا لجارتها الصغرى، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، ومنها السعودية والإمارات، الصمت إلى حد كبير.

وحسب خبراء في شؤون الشرق الأوسط، فإن إحجامها عن إدانة روسيا أو تأييد الغرب، أمر يمكن تفهُّمه بالنظر إلى ما هو على المحك: الطاقة والاقتصاد والأمن.

وتقول الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد مونتين الفرنسي آن غادال لوكالة فرانس برس إنّ "العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول وموسكو ليست وحدها التي تنمو، بل الروابط الأمنية كذلك".

وامتنعت الإمارات إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي وألباني في مجلس الأمن الدولي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها.

وتحدّث وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن في اتصال هاتفي وبحثا "التطورات العالمية"، حسب بيان رسمي إماراتي، من دون ذكر أوكرانيا. ولم يتّضح ما إذا كان الاتصال جرى بعيد التصويت.

كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية على تويتر أنّ الوزير الإماراتي سيزور موسكو الاثنين "لتعزيز العلاقات".

والخميس، اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها البري والجوي ضد أوكرانيا، امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد موسكو مباشرة وأدانتا العنف فقط، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين بعد.

"حليف آيديولوجي"

على مدى أكثر من سبعة عقود لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في الشرق الأوسط الذي تمزّقه الصراعات، وعملت بشكل خاص على حماية دول الخليج الغنية بالنفط ضد تهديدات جماعات مسلحة ودول، على رأسها إيران.

غير أنّ الولايات المتحدة بدأت في السنوات الاخيرة الحد من انخراطها العسكري في المنطقة، حتى عندما تعرّض أقرب حلفائها لهجمات، وخصوصاً منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة من قِبل المتمردين اليمنيين المتحالفين مع طهران في عام 2019.

وترى غادال أنّ دول الخليج "تدرك أنها بحاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عما يُنظر إليه ياعتباره تراجع للولايات المتحدة في المنطقة". في المجال السياسي أيضاً تقلّبت العلاقة بين الحلفاء.

وشهدت السعودية والإمارات، وهما حليفتان تاريخيتان للولايات المتحدة تستضيفان قوات أمريكية تغيّر علاقاتهما مع واشنطن على خلفية صفقات الأسلحة والقضايا المتعلقة بسجلّهما الحقوقي.

فأدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018 إلى توتر في العلاقات مع الرياض لسنوات، فيما هددت الإمارات مؤخراً بإلغاء صفقة ضخمة على طائرات مقاتلة أمريكية من طراز "إف-35".

ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ المحاضر في "كينغز كوليدج" في لندن أندرياس كريغ: "يُنظر إلى روسيا على أنها حليف أيديولوجي بعدما أصبحت قيود حقوق الإنسان الأمريكية المرتبطة بالدعم الذي تقدّمه (واشنطن) مسألة شائكة أكثر من أي وقت مضى".

ويرى أنّه يوجد مثلاً "تكامل في الاستراتيجيات بين موسكو وأبو ظبي عندما يتعلّق الأمر بالمنطقة. فكلاهما مُعادٍ للثورات وكانا حريصين على احتواء الإسلام السياسي".

وضع صعب

رغم التعاون الأمني المتزايد مع روسيا المنخرطة بشكل مباشر في الصراعين السوري والليبي يعتبر كريغ أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي تبقي أمنها في أيدي الولايات المتحدة.

لكنّها "بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي الأمريكيين وخصومهم في مجالات أخرى".

وقد قفزت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من نحو 3 مليارات دولار عام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار عام 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقاً لإحصائيات رسمية.

ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات، ولا سيما إمارة دبي، باعتبارها نقطة جذب للاستثمارات الروسية ووجهة النخب الروسية لقضاء العلاقات.

وبصفتها لاعباً رئيسياً في أسواق الطاقة، فإن كل دول مجلس التعاون الخليجي تقيم علاقة مع روسيا في مجال الطاقة، بينما تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف "أوبك بلاس"، إذ تتحكّمان معاً في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار.

ووفقاً للباحثة في معهد "المجلس الأطلسي" إيلين والد فإنّ "الأعضاء العرب في (منظمة الدولة المصدّرة للنفط) أوبك في وضع صعب من الناحية الدبلوماسية، فمن الواضح أن الحفاظ" على اتفاق "أوبك بلاس" الذي يسيطر على كميات الإنتاج "في طليعة اعتباراتهم".

وتوضح: "تخشى دول الخليج الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك بلاس (...) ففي حال تركت روسيا المجموعة من المحتمل أن ينهار الاتفاق بأكمله".

وعلى الرغم من دعوات بعض مستوردي النفط الرئيسيين لمنتجي الخام لزيادة الضخ والمساعدة في استقرار الأسعار المرتفعة، لم تُبدِ الرياض، أحد أكبر مصدّري للنفط في العالم، أي اهتمام فعلي في ذلك.

ترى والد أنّ "التزام الصمت بشأن العمليات الروسية في أوكرانيا هو على الأرجح أفضل ما يمكن فعله في الوقت الراهن"، لكن "هذا الموقف البراغماتي قد يصبح غير مقبول في حال ضغط القادة الغربيون على (دول الخليج) لتحديد مواقفها".

TRT عربي - وكالات