يبدو أن  "الحقائق القديمة لا زالت صالحة لإثارة الدهشة"، كما يقول الكاتب المصري الكبير يحيى الطاهر عبد الله، خاصة وإن تغيرت تلك الحقائق مع مرور الزمن، فمن كان يتصور أن يشاهد العالم الآن جندياً أوكرانيا يُطلق صاروخا ألمانيا على دبابة روسية في "كييف".

مع وصول العملية العسكرية الروسية ليومها الرابع، لا زال السؤال الأكثر تعقيداً وإلحاحاً هو أين الجيش الأوكراني مما يحدث فى شرق بلاده؟ هل اختفى من الساحة كما يزعم البعض؟ هل يصد الهجوم الروسي؟ أم هل اتبع تكتيكات دفاعية أخرى ربما تؤجل دخول القوات الروسية للعاصمة الأوكرانية "كيف"؟

كان بعض رجال السياسة والدبلوماسية يتوقعون أن  روسيا والغرب محكومة بالتوصل إلى اتفاق حول أوكرانيا يكون شبيهاً بذلك الذي توصلت إليه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق حول فنلندا في ذروة الحرب الباردة، يومذاك لم تنضم فنلندا إلى الحلف الأمني الغربي مقابل إحجام سوفييتي عن غزوها.

وعاشت فنلندا في ظل هذا الحياد، لكن يبدو أن السيناريو قد تأخر فى الوقت الحالي، لأن الكولونيل الروسي يبدو أنه لن يقبل أنصاف الحلول، فيما تقول الروايات الأخرى أن بوتين قد أساء تقدير عناد الأوكرانيين.

وقبل أن نشرع فى سرد يوميات الحرب التى يبدو أنها ستستمر لفترة ليست بالقليلة مع بداية التلويح باستخدام الردع النووي إذا ما جد فى الأمر جديداً، علينا أن نلقى نظرة إلى موقع الجيش الأوكراني الذي يتحل المركز الـ 22 فى ترتيب جيوش العالم وفقاً لموقع جلوبال فاير باور، والذي يبلغ عدد مقاتليه الموجودين فى الخدمة الفعلية 196 ألف عنصر، ويبلغ الاحتياط 900 ألف عنصر، والقوات الشبه عسكرية لديه يصل عددها لنحو مائة وألفا عنصر.

يمتلك الجيش الأوكراني 318 طائرة حربية فقط، بينها 69 مقاتلة، و29 طائرة هجومية، و32 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 71 طائرة تدريب، و112 مروحية عسكرية منها 34 مروحية هجومية، كما أن لديه أكثر من 2596 دبابة و12303 مدرعة و1067 مدفعا ذاتي الحركة وأكثر من 2040 مدفعًا ميدانيا، إضافة إلى 490 راجمة صواريخ. ويضم الأسطول البحري الأوكراني 38 قطعة بحرية.

يقول الكاتب اللبناني غسان شربل أن "القانون الدولي كذبة تفضحها جنازير الدبابات" وهو جرى بالفعل ويظهر الآن جلياً  خلال سباق التسليح والإمدادات الأمريكية والأوروبية من الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، وألمانيا (العملاق النائم) تدخل سباق التسلح ودول الحياد التاريخي تقدم أسلحة علنية لأوكرانيا وتتخلى عن عقيدتها.

يعتبر الباحث فى الشؤون العسكرية مينا عادل أن الهجوم الافتتاحي للروس بواسطه الصواريخ البالستيه والكروز والقاذفات التكتيكيه والاستراتيجيه "لم يكن كافياً" ويفسر ذلك لعدم رغبه القوات الروسيه بالتدمير التام لتحجيم الخسائر المدنيه والاكتفاء فقط بتعطيل البنيه التحتيه للمطارات العسكريه وليس تدميرها وتحييد الدفاع الجوي وليس تدميره وتعطيل شبكات الاتصالات بالهجوم السيبراني والتشويش علي الرادارات الاوكرانيه، وكل ذلك أسفر عن عرقله العمليه الدفاعيه للقوات الاوكرانيه في البدايه ولكن كما هو متعارف فإن العمل علي قدم وساق لاسترجاع الكفائه القتاليه للمطارات ووحدات الدفاع الجوي وهو ما تم في غضون ساعات لاستكمال العمليه الدفاعيه ومن المعروف فأن المجهود الحربي الأكبر والقوه الضاربه للاوكرانيين تتركز في الغرب علي مستوي الدفاع الجوي او الطيران او حتي الوحدات البريه مما سيمثل تحدي كبير للقوات الروسيه.

يشير مينا عادل فى حديثه لـ"الدستور" أن الخطه الاوكرانيه  تعتمد على الاستراتيجيه الدفاعيه للحفاظ قدر المستطاع علي الجاهزيه القتاليه لسلاح الجو والاستمرار في المحافظه علي وجود المقاتلات الاعتراضيه للمهمات الدفاع الجوي بجانب قاذفات التكتيكيه التي تدعم القوات الارضيه وتعرقل الهجمات البريه الروسيه بجانب الهليكوبتر الهجومي، إضافة إلى الحفاظ علي جاهزيه منظومات الدفاع الجوي بالمديات البعيده والمتوسطة والمناوره بها بزمن قليل، والتمسك بالمواقع الدفاعيه قدر المستطاع والاستماته في المواجهه للقوات البريه الروسية.

إلى ذلك، تتركز الاستراتيجيه الهجوميه الأوكرانية فى استخدام الصواريخ الباليستيه في توجيه ضربات لأهداف حساسه روسيه بالقرب من الحدود الاوكرانيه مثل مصافي النفط والمطارات العسكريه الهامه، وتحاول فى ذات السياق إبراز البطولات الاوكرانيه علي مختلف الجبهات والاسلحه وتصدير فكره المقاومه الشامله للنهايه مثل قصه (شبح كييف) عن بطوله طيارين المقاتلات الاوكرانيه لرفع الروح المعنوية.

هل اختفى الجيش الأوكراني؟ أو ماذا يفعل؟

استطاعت القوات الاوكرانيه – بحسب باحث الشؤون العسكرية مينا عادل -  أن تبطئ تقدم القوات الروسيه علي كل المحاور فيما عدا محور القرم الذي تقدمت فيه القوات الروسيه لمسافه ٦٠ كم، كما نجحت في صد الهجوم المظلي الروسي علي مطار هوستوميل، فيما نجحت القوات الروسيه الخاصه من دخول ضواحي العاصمه من الجهه الغربيه إلا أن الاوكرانيين نجحوا في صدهم من الناحيه الشرقيه.
يشير أيضاً أن  القوات الروسيه حققت نجاح طفيف في الدونباس وتوقفت حيث ان غرضها هو تثبيت القوات الاوكرانيه شرقا، فيما نجحت القوات الروسيه في السيطره علي مدينه خيرسون علي جبهه القرم وفي الاتجاه للهجوم علي اوديسا ومايكوليف، إضافة إلى نجاح القوات الروسيه في السيطره علي مدينه شيرنوبيل في الشمال.

خطة عزل المدن 

التكتيك العسكري للعملية العسكرية الروسية بدا واضحاً أنه يخطط لعزل المدن والقوات الاوكرانيه من الهجوم علي ٤ محاور لمنع الدعم عن القوات المدافعه، إضافة إلى خطه إلهاء القوات الاوكرانيه وتشتيت المجهود الحربي عن طريق الإنزال المظلي خلف خطوط العدو في الغرب لتلفت نظر المدافعين الاوكرانيين عن الهجمات الرئيسيه الروسيه من اتجاه الغرب.

ويتم تنفيذ تلك الخطة بالاستطلاع الدائم للجبهه لتحديد الأهداف الحيويه وتنفذ هجمات انتقائيه بالصواريخ البالستيه، إضافة إلى الاعتماد الكامل علي الهليكوبتر المسلح اكثر من القاذفات التكتيكيه لمرافقه القوات البريه ودعم الهجمات البريه 
هل صمد الجيش الأوكراني؟ ولماذا لم يصل الروس إلى "كييف"؟

يمكننا القول أن الاسباب التي ساعدت الجيش الاوكراني للاستمرار حتي الان في المعركه مع خصم شرس يأتي على رأسها حرص الجيش الاوكراني علي التدرب لمثل هذه السيناريوهات وقد قام الجيش الاوكراني بسلسلة تدريبات مع القوات الجويه الامريكيه بدايه من سنه ٢٠١١ تحت اسم (سماء امنه) وقد شارك فيها الجانب البولندي ايضا غرضها التركيز علي رفع الكفائه القتاليه لاسراب سلاح الجو الاوكراني بواسطه الاشتباك التدريبي مع مقاتلات الحرس الوطني الامريكي وصولا لأكبر تدريبات تمت علي الاراضي الاوكرانيه في ٢٠١٨ تحت اسم (سماء خاليه) وهو تدريب متعدد الجنسيات شاركت فيه مقاتلات الحرس الوطني الامريكي وقاذفات امريكيه من المتمركزه في انجلترا بجانب مقاتلات من مختلف الدول الاوربيه وقد كان غرض التدريب هو محاكاة اجتياح جوي لأجواء اوكرانيا ليتدرب سلاح الجو والدفاع الجوي آلاوكراني علي التصدي في المعركه الحديثه والتصدي ايضا للتشويش والهجمات السيبرانيه وبرز بشده في هذه التدريبات المقاتلات من طراز ميج ٢٩ من اللواء الجوي ٤٠ والسو ٢٧ من اللواء جوي ٣٩ المتواجدين حاليا في قاعده فاسيليكيف يخوضون معارك ضاريه مع الطائرات الروسيه لحمايه العاصمه الاوكرانيه واسقطو طائرات روسيه بالفعل بالتكامل مع قاذفات تكتيكيه من طراز سو ٢٥ التي ساعدت في اجهاض هجمات المظليين، حسبما ذكر باحث الشؤون العسكرية فى حديثه لـ"الدستور".

كما تدرب الجيش الأوكراني  في أغسطس ٢٠٢٠ علي الإقلاع والهبوط من الطرق السريعه في حاله ضرب المدارج الرئيسيه للمطارات للحفاظ علي التواجد لحمايه الأجواء، إضافة للتدرب في نوفمبر ٢٠٢١ علي عمليه صد اجتياح جوي بجانب العمل علي توجيه ضربات تكتيكيه للقوات المخترقه.

يمكننا أن نضيف أن الدعم الإلكتروني المستمر علي مدار الساعه من طائرات الناتو المتواجده عفي الأجواء البولنديه والرومانيه وهي توفر صوره معلوماتيه متكامله عن مسرح العمليات للجانب الاوكراني لاتخاذ افضل القرارات المتاحه لإيقاف الزحف الروسي عن طريق طائرات التجسس والاستطلاع الاليكتروني والانذار المبكر بجانب ايضا تواجد المقاتلات المتطورة التي تم تمركزها في القواعد الاوروبيه الشرقيه لتضمن عدم خروج الروس من الأجواء الاوكرانيه ويضمن اسطول كبير جدا من طائرات التزود بالوقود تواجد هذه المقاتلات.