فراغ وفشل النظام الدولي


مع تصاعد الصراع في اوكرانيا، وزيادة حدة المواجهة بأشكال مختلفة بين روسيا وامريكا وبعض الدول الاوروبية، يبحث العالم عن جهة لديها القدرة على حل الخلافات ومنع انزلاقها لحروب مفتوحة، فلا امريكا كونها الزعيم الاوحد للنظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مع نهاية الحرب الباردة نجحت في حفظ السلام والأمن الدوليين، بل تتهم من البعض بأنها كانت سبب في زيادة الصراعات، ولا المنظمات الدولية المعنية بالأمن والسلم نجحت في ذلك. ومازال العالم يعاني من فراغ في القيادة المسؤولة ويتصف بالفوضى السياسية anarchy، ونتيجة لذلك تستمر دول وشعوب في دفع اثمان باهضة مقابل استمرار واصرار عدد محدود من الدول بالاحتفاظ بمكاسبها اثناء حقبة الاستعمار او المنتصرين مع نهاية الحرب العالمية الثانية على الرغم من كل التحولات التي شهدها العالم.

ومع زيادة الازمات والصراعات يزداد انكشاف الخلل المؤسسي والهيكلي في المنظمات المعنية وعلى رأسها مجلس الامن، فلا يوجد ما يبرر احتكار خمسة دول دائمة العضوية لقرارات مجلس الامن وامتلاكها حق النقض (الفيتو) مما عطل حل كثير من الصراعات وجعل دول العالم تدور في فلك الدول الخمس لفترة من الزمن،
ونتيجة لهذا الخلل الهيكلي والمؤسسي في المنظمات المعنية بالامن والسلم الدوليين، نجد روسيا تختار ان تحسم مصالحها بالطريقة العسكرية ولا تلجأ او تعتمد على مجلس الامن وهي احد الاعضاء الدائمين، وكذلك الحال بالنسبة لامريكا سواء في العراق او فيتنام او افغانستان.

ولكن تجربة مجلس الامن لم تكن الاولى وسبقتها تجربة لا تقل اهمية على الرغم من فشلها ويجب علينا الاطلاع عليها لنعلم ان التنظير المثالي لا يحقق اي نجاحات على ارض الواقع وكذلك الحال بالنسبة لاي مبادرة لا تمتلك آلية تنفيذ فاعلة ولا تمثيل عادل والاهم عدم وجود قيادة قوية وقادرة على تحمل المسؤلية والقيام بما يلزم لا على اسس انتخابية وشعارات شعبية قصيرة المدى انما على اساس ضمان الامن والاستقرار الدوليين، تماما مثل ما فعلت القيادة الفاعلة والمسؤولة في المملكة العربية السعودية عندما احتاجها العالم العربي اثناء الفوضى المفتعلة في ٢٠١١ وكذلك فعلت الامارات العربية المتحدة ودفعوا اثمان باهضة لكي يتحقق الامن والاستقرار في المنطقة.

ففي العام ١٩١٩ تم تأسيس عصبة الامم League of Nations بعد نهاية الحرب العالمية الاولى عندما سعى مهندسها الرئيس الامريكي الثامن والعشرين وودرو ويلسون لتأسيس منظمة دولية تمنع وقوع الحروب بين الدول والحد من انتشار الاسلحة وضمان الأمن المشترك للاعضاء بالاضافة لمبادئ اخرى (عددها ١٤ مبدأ) قدمها ويلسون في البداية للكونغرس الامريكي كوثيقة تضمن السلام الدولي واعادة اعمار اوروبا بعد الحرب، وشكلت هذه المبادئ نواة عصبة الامم التي لم تنجح في تجنيب العالم حرب عالمية ثانية ابشع من الاولى فانتهت معها عصبة الأمم والمبادئ الويلسونية.

كانت مثالية ويلسون الاكاديمي السابق والرئيس الامريكي غير كافية لتحقيق ما طمح له، فبعد ان اقنع زعماء اوروبا بتأسيس والانضمام لعصبة الأمم لم يستطع اقناع الكونغرس الامريكي بالانضمام لها، ولم تمتلك العصبة اي اداة فاعلة او آلية لفرض هذه المبادئ والتأكد من الالتزام بها، فكانت مجرد افكار مثالية لا تعالج اسس الخلافات ولا اسبابها ولا تضمن عدم تطورها لحروب مدمرة.

فلم تصمد عصبة الامم وتلاها في العام ١٩٤٥ تأسيس منظمة الامم المتحدة على امل ان تنجح في ما فشلت فيه عصبة الامم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع استمرار هذه المنظمة الدولية لغاية اليوم وتوسع نشاطاتها وانبثاق العديد من المنظمات دولية التابعة ومن اهمها مجلس الامن المعني بحفظ السلام والامن الدوليين وعلى الرغم من ان قراراته تعتبر نصوصا قانونية ملزمة بناء على ميثاق الامم المتحدة الا انه فعليا وعلى ارض الواقع عاجز عن حل الخلافات والصراعات الدولية لاسباب كثيرة منها الخلل المؤسسي والهيكلي بوجود خمسة اعضاء دائمي العضوية يملكون حق النقض (الفيتو) على قرارات المجلس، وهم الخمس دول الكبرى التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا، فرنسا، الاتحاد السوفيتي "روسيا حاليا" والصين).

ومع كل التحولات التي يمر فيه العالم وتصاعد حدة الخلافات بدل حلها اصبح لزامًا على المجتمع الدولي اعادة النظر في وضع مجلس الامن، اما عبر ادخال اصلاحات جدية وشاملة تعالج الخلل الكبير فيه وتمكنه من القيام بدوره في تحقيق السلم والامن الدوليين. او ان تنظر بقية الدول في تأسيس منظمة موازية تكون اكثر مرونة وفاعلية في حماية مصالحهم وتحقيق الامن…

تاريخ الخبر: 2022-02-28 03:16:16
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية