مع ارتفاع حدة التصعيد الروسي، وتخبط موقف العواصم الغربية، وترددهم بشأن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، فاجأ الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، الجميع بإعلانه فتح باب القتال للأجانب المحبين لأوكرانيا من غير الأوكرانيين حول العالم، لقتال الروس.

ومن المثير لاستغراب المراقبين أن دعوة زيلنسكي لاقت ترحيباً دولياً، ولم تواجه أي انتقادات أو معارضة غربية، في الوقت الذي كانت تتهم فيه الولايات المتحدة والعواصم الغربية أي شخص يذهب ليقاتل في منطقة الشرق الأوسط بالإرهاب والارتزاق.

وفيما تساءل كثيرون عن دوافع الموقف الغربي، رجح محللون ومراقبون، أن هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تسعى إلى إعادة التجربة الأفغانية في أوكرانيا، إذ إنها دعمت قبل عقود وصول المقاتلين من مختلف الجنسيات إلى أفغانستان، لمحاربة الاتحاد السوفييتي، دون أن تتورط في مواجهة مباشرة معه.

دعم وصول المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان

كان الجيش "الأحمر" السوفييتي، الذي لمع نجمه في المنطقة بوصفه الجيش الذي لا يقهر، يتوقع في عام 1979 أنه سيتمكن من السيطرة على أفغانستان في وقت قصير، وبالتالي سينجح في الوصول إلى المياه الدافئة ومنابع النفط قبل الولايات المتحدة، والتوسع في المنطقة، وزعزعة مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة.

لكن على عكس ما كان يتوقع، كلفت الحرب الجيش الأحمر الذي تمركز أكثر من 100 ألف جندي منه في العديد من المدن الأفغانية، خسائر فادحة. وذلك نتيجة المواجهة الشعبية التي واجهته وصمدت في مقاومته طيلة 10 سنوات، ولم يكن حينها يتوقعها، بخاصة في بلد أنهكته الحروب والتدخلات الأجنبية، وتدير الحكم فيه حكومة موالية للسوفييت.

وباءت بذلك كل مخططات السوفييت ومساعيهم بالفشل الذي زعزع إمبراطوريتهم، وكان عاملاً رئيسياً في تفكك حلف وارسو بعد ذلك، وتفكك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في النهاية.

فبالرغم من تهديد السوفييت آنذاك للدول التي تسعى إلى مساعدة الأفغان، وممارستهم أنواع الضغط السياسي كافة على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتأكيد أن وجود القوات السوفييتية في الأراضي الأفغانية جاء بناء على اتفاقية بين الحكومتين السوفييتية والأفغانية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الدول المنافسة والخصمة، من تقديم الدعم غير المعلن، للمقاومة الشعبية الأفغانية، التي تمكنت في الأخير من الانتصار على القوات السوفييتية وطردها من أراضيهم يوم 15 فبراير/شباط 1989.

فوفق العديد من التقارير، كانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت تتجنب المواجهة المباشرة والمكلفة مع الاتحاد السوفييتي، الذي بدأ يتمدد ويهددها في مناطق نفوذها التقليدية، فقررت مقابل ذلك خوض حرب بالوكالة معه، واستنزافه في صراع طويل يضعفه.

فشجعت بذلك الولايات المتحدة وصول المقاتلين المتطوعين إلى أفغانستان مروراً عبر باكستان، ودعمت العديد من الدول المعادية للسوفييت هذه المساعي، وسهلت وصول المقاتلين إلى الأراضي الأفغانية والالتحاق بالمقاومة الشعبية.

وكشفت في الأثناء العديد من المصادر، أن المقاتلين الأفغان كان بحوزتهم خلال مواجهتهم السوفييت صواريخ ستينغر الأمريكية، وغيرها من التجهيزات العسكرية التي تكشف بوضوح الدعم الذي لاقته المقاومة في هزيمة السوفييت.

هل يعاد سيناريو أفغانستان في أوكرانيا؟

تبدو الظروف التي تعيشها الأزمة الأوكرانية اليوم مشابهة نوعاً ما لما كان عليه الأمر في أفغانستان قبل عقود. فقد توحدت اليوم العديد من الجبهات، كما يعتقد محللون ومراقبون، على مخطط هزيمة الروس دون التورط معهم في حرب مباشرة، لإضعاف موقفهم أثناء التفاوض.

وانطلاقاً من المخاوف ذاتها، بأن التمدد الروسي يهدد بهجومه العسكري الأخير على أوكرانيا، سيادة العواصم الغربية ونفوذها في مناطق سيطرتها، رحبت هذه البلدان بدعوات الرئيس الأوكراني، للانضمام إلى "لواء دولي" للمساعدة في تحرير أوكرانيا من القوات الروسية. وأبدت هذه الدول تفهمها وتقبلها للفكرة وتقديمها جميع التسهيلات التي تساعد الأجانب على دخول أوكرانيا وحمل السلاح.

وتفاعلاً مع الدعوات الأوكرانية لالتحاق المقاتلين الأجانب بصفوفها، قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس إنها تدعم "قطعاً" مشاركة مواطنين بريطانيين في القتال في أوكرانيا. كما أكدت رئيسة وزراء الدنمارك ميتي فريديريكسن، بدورها أن بلادها ستجيز للمتطوعين الانضمام إلى "لواء المتطوعين الأجانب" الأوكراني، نافية أي "عائق قانوني". فيما كشفت مصادر فرنسية، أن حوالي 3000 شخص قد أبدوا استعدادهم للانضمام إلى المقاتلين في أوكرانيا.

وأكد عشرة جنود سابقين في القوات الخاصة لحلف الناتو أيضاً عزمهم على الانضمام إلى جبهات القتال إلى جانب الجيش الأوكراني، في مجموعة من ستة أمريكيين وثلاثة بريطانيين وألماني واحد. إلى جانب العديد من المقاتلين من جنسيات مختلفة أخرى، دون أي شجب أو اعتراض دولي.

ليرجح كثيرون أن هذه الدول بمنحها الضوء الأخضر لوصول المقاتلين والمرتزقة الأجانب إلى أوكرانيا، قد قررت هذه المرة أيضاً خوض حرب بالوكالة مع روسيا دون أن تتورط في مواجهة مباشرة معها، كما فعلت من قبل في أفغانستان.

وإن كانت المقاومة الأوكرانية قد أبدت صموداً إلى الآن في مواجهة القوات الروسية، فإن الكثيرين يتساءلون إذا كانت أوكرانيا ستكون هذه المرة أيضاً "أفغانستان بوتين"، وعما إذا كان دخول عامل المقاتلين والمرتزقة الأجانب سيطيل من أمد الحرب، ما يضعف الموقف الروسي.

TRT عربي