منذ بدء العمليات العسكرية الروسية، سادت الفوضى وحالة الهلع المجتمع الأوكراني، وتدافع مئات من الأشخاص في حركة نزوح كثيفة نحو المعابر والحدود للجوء إلى الدول المجاورة، فيما اضطر عدد كبير إلى البقاء والاختباء في الملاجئ والأقبية المتفرقة في البلاد.

وبينما انشغل الجميع بتأمين حياتهم وحياة ذويهم، أثارت وسائل إعلامية محلية وأجنبية، قضية يبدو أن الكثيرين تغافلوا عنها، في خضم الفوضى التي تعم كافة أرجاء البلاد، وهي قضية "الأمهات البديلات". إذ إن أوكرانيا لطالما اشتهرت بكونها البلد الرائد في تأجير الأرحام.

وكانت تتعهد العيادات فيها وفق قوانين وشروط ملزمة، بحماية الأمهات البديلات طيلة فترة الحمل وحتى الولادة. واليوم وقد أصبح الخطر محيطاً بالجميع، مع بدء الهجوم العسكري الروسي على البلاد، يتخوف الكثيرون، من إمكانية اختلاط المولودين الجدد، أو من إضاعة أثر هؤلاء الأمهات، أو حتى تعريض حياتهن للخطر.

بسبب الحرب.. فوضى في سوق تأجير الأرحام

سلط الهجوم العسكري الروسي الأخير على أوكرانيا، الضوء على الظروف المأساوية، التي تعايشها الأمهات البديلات في أوكرانيا، والتي زادت حدة قسوتها، بعد بدء العمليات العسكرية، واستمرار القصف الذي استهدف بشكل عشوائي مختلف المدن والمواقع الأوكرانية.

ووفق ما أشار إليه تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، فإن العيادات الطبية تترك في الغالب "الأمهات البديلات" أي النساء اللاتي قبلن بتأجير أرحامهن لحمل أطفال غيرهم من الأزواج، في شقق بعيدة عن أسرهن وأطفالهن.

وتجرى رعايتهن بعد ذلك حتى يضعن المولود، ويكنّ في الأثناء التزمن جملة من الشروط والقوانين المحددة.

ولكن مع بدء القصف، جرى نقل الأمهات إلى أقبية وأماكن غير معروفة، وأثار ذلك عديداً من المخاوف خاصة في صفوف المعارضين لقانون تأجير الأرحام في أوكرانيا، الذين لفتوا في تصريحات إعلامية، إلى أنه "لا أحد اليوم في وضع يسمح له بالتساؤل عن كيفية رعاية هؤلاء الأمهات والأطفال في خضم هذه الحرب. من المحتمل أن يولد هؤلاء الأطفال في أقبية. وبالتالي ما نخشاه أن يجرى إجبار النساء على الولادة بسرعة أكبر، عن طريق التحريض الاصطناعي أو الولادة القيصرية، وذلك لتلبية طلب العملاء ".

وكانت وردت قبل بدء الحرب عديد من التقارير التي أزاحت الستار عن المعاملة السيئة التي تتعرض لها "الأمهات البديلات" خلال فترة الحمل، وغياب الدعم المعنوي والنفسي، إذ يُجبرن على الابتعاد عن أسرهن بأماكن معزولة، وتُفرض عليهن شروط مجحفة في الغالب، وتتعرض أجسادهن إلى الإنهاك ويضطررن إلى المحافظة على الحمل الذي تلقين مقابله أجوراً وأموالا باهظة.

وبينما تلقي الحرب اليوم بأوزارها، تصبح هذه الفئة معرضة للكثير من المخاطر. ولا يتعلق الأمر بهن فقط، إذ إن هذه الحالة من الفوضى التي تسود المكان من الممكن أن تعرض الأجنة للخطر، كما يمكن أن يختلط الأطفال، أو تضيع هذه العيادات أثر الأمهات البديلات إلى غير دولة أو مخبئ ويصبح الوصول إلى الطفل بعد ذلك أشبه بالمستحيل.

وفي هذا السياق تحدثت مؤخراً عديد من التقارير عن أن مئات من الأباء وأغلبهم من أوروبا الغربية، قد تقطعت بهم السبل للوصول إلى أبنائهم الذين تحملهم الأرحام المستأجرة في أوكرانيا.

وبذلك يزداد هذا السوق تعقيداً، كل زاد أمد الحرب الروسية على أوكرانيا، ويسود الغموض في الأثناء مصير هؤلاء الأمهات والأطفال.

تأجير الأرحام في أوكرانيا.. جدل مستمر

تعد أوكرانيا من أكثر البلدان شعبية في تأجير الأرحام، وذلك بسبب الأسعار المنافسة التي تقدمها مقارنة مع بقية بلدان العالم.

إذ إن تكلفة تأجير الرحم في أوكرانيا تتراوح بين 10 آلاف و13 ألف دولار، إضافة إلى أجر شهري للأم البديلة يقدر بحوالي 300 دولار عن كل شهر حمل. فيما تترواح الأسعار في الولايات المتحدة ما بين 40 و60 ألف دولار في المتوسط، ويمكن أن يتجاوز المبلغ ذلك بكثير.

وبينما تحظر أغلب البلدان الأوروبية تأجير الرحم، فقد تمكنت أوكرانيا بترخيص تأجير الأرحام منذ عام 2002 كنشاط تجاري، من جلب الأزواج من جنسيات مختلفة حول العالم وأغلبهم من أوروبا الغربية، وكشفت تقارير أجنبية أن من هؤلاء الأزواج "مثليو الجنس".

وأصبح هذا القطاع منذ ذلك الحين يدر الملايين، وسجلت منظمات حقوقية كثيراً من التجاوزات في هذا القطاع، ما عرض حياة الأمهات أو الأطفال للخطر، كما أنه أصبح هدفاً سائغاً لعصابات التجارة بالأعضاء والتجارة بالبشر.

ولا يزال هذا القانون يثير جدلاً محموماً في أوكرانيا، ليتفجر الحديث عنه مجدداً مع اندلاع الحرب التي ألقت بظلالها أيضاً وبشكل مأساوي على هذا القطاع.

TRT عربي