رغيف على الرصيف..من وراء حجاب قصص نساء بين الألم والأمل


“الله غالب، الله يدير لينا تاويل ديال الخير..” مثل هذه الأمثال التي ترفع واقع الحال إلى الباري تعالى التي سمعتها من السعدية وفاطمة بعدما سدت في وجههن حلول الأرض ولم يتبقى إلا حلول السماء، هو شطر يسير من ضنك العيش والحياة اليومية للائي الساعيات وراء رزقهن يوما بيوم، من العاملات في الإقتصاد غير الرسمي أو غير المنظم أو الهش..تعددت الأسماء والحال واحد، حيث لا وظيفة ثابثة ولا تأمين صحي أو اجتماعي ولا إجازات مدفوعة ولا تقاعد ولا مكافأة نهاية الخمة ولابيئة عمل لائقة بالنساء.

 

درب غلف، الحي الذي انتزع شهرة فاقت حدود البيضاء، كل شيء يباع هنا في السوق الكبير أو البرزار الكبير، بهذا الحي الأسطوري يوجد شارع به وراج، لاسيما بعد صلاة العصر، إذ تخرج السعدية امرأة ستينية “غلبها الزمان” بيد أنها ماتزال لم ترفع الرابة البيضاء تضع في أحد أركان الشارع المزدحم بالسيارات والعربات وضجيج “الليمون، ماطيشة، بطاطا..” سلع معروضة وطلب ينتظر غروب لعل البائع يخفض من ربحه، لتملىء قفة الفقراء..وعن الفقراء وشقائهم، تحمل السعدية مائدة خشبية صغيرة وكراسي أربعة، تضعهم على طرف الشارع وتنادي على أحد التجار أن لاتغفل عيناه على المائدة، لتعود إلى بيتها لتأتي ب”الطنجرة الكبيرة”، إنها الحريرة أو التجارة التي اتخذتها منذ مدة ليست باليسيرة، تفوق ثماني سنوات على الأقل أي منذ أن وجدت نفسها في موقف الصراع مع الدهر وتقلباته.

 

من وراء حجاب

 

استقبلتني على محلها أو مرسمها هكذا تقول، تمد إلى “زلافة حريرة”، رائحتها تعيد عقارب الزمن إلى الوراء وتذكر بأيام الصوم ورمضان وصوت المأذنز أسألها عن موعد الثامن من مارس، ماذا يعني لها؟ ترد باتسامة “والله أوليدي ماعرفت”، إنه اليوم العالمي للمرأة، أجيبها تعود لتذكرني أن الاحتفال لم يخلق لمن تعيش في الدرك الأسفل من المجتمع.

 

جلست بقربها لقرابة الساعتين، بدأ الزبناء في التوافد على مائدة السعدية، الكل يرغب في الحريرة، لاسيما وانخفاض حرارة الطقس، تبيع للزلافة الواحدة ب 3 دراهم وتضع على للبيع أيضا بيض وخبز، إنها المعادلة التي تسعى وتجري وراء حلها وتفك معاناتها بعدما ضاق الحال بها.

 

السعدية امراة نال منها الدهر ما نال، حتى ملامحها تبدو عليها علامات “الحزن” وكـأنها تحكي ما بداخلها من مرارة، تجاعيد تخفي الألم وابتسامة عابرة في لحظة سهو، وتأمل في حركية الشارع وخاطرها يسرح هموم الدنيا ومنعطفات تترأى في الأفق.

 

تقول “إنني لم اختر هذه الحرفة إلا عندما وجدت أن زوجي أقعد من العمل، ولدي 3 بنات لم يسعني الوقت لإخراجهم للعمل فاضطررت أنا لأشمر على سواعدي وأعيل الأسرة إلا أن يفرج الله كربته”، هكذا كان، عملت السعدية بجد، ترعى أسرتها وتشتغل، تعد الحريرة صباحا وتعمل مساء، إنها الحياة المجهدة التي فرضت عليها ولم ترغب بها.

ترمي على عاتقي إبان لقائي بها أن أذكر معاناتها خلال الأيام الماضية، بعدما ماقل مدخولها إذ كانت تحصل على أزيد من 100 درهم كأرباح في اليوم الواحد، تغير الحال راهنا، إذ بات الدخل لايتجاوز سقف 60 درهم بسبب الغلاء الذي هم المواد الأساسية على غرار “الزيت والحمص واللحوم..” لقد فاتني ولم أذكر أن من بين مكونات الحريرة التي تعدها السعدية تضع قطعا من “اللحم”.

 

نساء مقصيات

 

أظهرت تقارير وطنية رسمية، أنّ البطالة أكثر ارتفاعاً بين النساء المغربيات، مقارنة بالرجال، بينما توجد العاملات منهن أكثر في قطاع الزراعة والخدمات، ما يعكس هشاشة وضعيتهن في سوق الشغل، فالبطالة بين النساء تصل إلى 13.5%، مقابل 7.8% بين الرجال، وتطاول البطالة أكثر النساء في المدن بنسبة 21.8%.

 

وبلغ عدد النساء اللواتي في حالة بطالة بالمغرب، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط سنة 2020، 388 ألف امرأة، أي بنسبة 35% من مجموع العاطلين، حيث إنّ غالبيتهن من فئة الشباب البالغة أعمارهم أقل من 35 سنة بنسبة 82.6%، ومن الحاصلين على شهادة بنسبة 88.1%. وتفوق أو تعادل مدة بطالة 75.9% من هؤلاء السنة، مقابل 63.5% لدى الرجال، و69% لم يسبق لهن العمل، مقابل 50.9% لدى الرجال.


وبلغ عدد النساء في المغرب 17.9 مليوناً يمثّلن نحو 50.3% من السكان، منهن 13.4 مليوناً في سنّ العمل، غير أنه يتبين أنّ وضعية النساء تجاه سوق الشغل تتميز بضعف مشاركتهن في النشاط الاقتصادي. وبلغ معدل نشاط النساء 21.5%، أي أقل بكثير من نظيره لدى الرجال، الذي يصل إلى نحو 71%.

 

ويبلغ عدد النساء خارج سوق الشغل يصل إلى 10.5 ملايين، حيث يمثلن 78.5% من مجموع النساء البالغات من العمر 15 سنة، كذلك فإنّ غالبيتهن ربات بيوت أو تلميذات أو طالبات.

 

أرقام دالة

 

وما زال معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة بالمغرب من بين أقل المعدلات في العالم، بل ينخفض عما كان عليه قبل عقدين من الزمن، ذلك على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وانخفاض معدل الخصوبة، وتحسّن فرص التعليم. وكان معدل مشاركة النساء في القوى العاملة بالمغرب 21.6% عام 2018 ليحتل المغرب بذلك المركز 180 في عينة تضم 189 بلدا، وذلك يعني أن 78.4% من المغربيات بين 15 و65 عاما لم تكن تعمل أو لم تكن تبحث عن عمل.

 

علاوة على ذلك، فعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتسم بانخفاض تاريخي لمعدلات مشاركة النساء في القوى العاملة، فإن المغرب من بين عدد محدود من البلدان التي سجلت انخفاضا مطردا، والمغرب هو البلد الذي شهد انخفاض معدل مشاركة النساء في قوة العمل لأطول فترة زمنية، والذي بلغ الذروة عند 26.3% عام 2004.

 

وإذا استمر هذا الاتجاه، ففي غضون سنوات قليلة قد ينخفض معدل مشاركة النساء في القوى العاملة دون متوسط المعدل بالمنطقة، بالنظر إلى أنه الآن يرتفع ارتفاعا طفيفا فحسب عن متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ 21%.

 

 

تاريخ الخبر: 2022-03-08 12:18:01
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 72%

آخر الأخبار حول العالم

رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 03:25:32
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 53%

رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 03:25:39
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية