بورتريه اليوم العالمي للمرأة.. الفنانة التشكيلية منى الفرجاني: ملكة الألوان تنتصر للمرأة وتنع من وجعها زهورا


ارسم كطفلة وادرّس الاخريات بقلب الامّ، اؤمن ان الفن قضية كما الوطن» هكذا تتحدث منى فرجاني عن الفن التشكيلي وعن الرسم الذي اختارته نورا تزرعه اينما حلّت.
النساء قبس للجمال، هن الابتسامة والمحبة والسعادة، هنّ صانعات الجمال ومانحات الحياة وواهبات الأمل، النساء اليوم يحتفل بهنّ العالم في اليوم العالمي للمراة الموافق لليوم8مارس من كل عام وبهذه المناسبة اخترنا ان تكون ضيفة «البورتريه» فنانة مشاكسة وامراة من نور ونار.
احببت الفن طفلة ولازلت احبّ ذاك الشغف الاول
طفلة لا تكبر ولن تكبر، مجنونة بالفنون، تتقن الرقص جيدا وتحب الموسيقى وهي رسامة لها طابعها الخاص وعلاقة جدّ مميزة بالألوان، ينعتها الجميع «المجنونة» لأنها فعلا مجنونة بالفنون وتحاول دوما نشر عدوى الفنّ، منى فرجاني فنانة تشكيلية تونسية، عصامية التكوين، احبت اللون والرسم منذ الطفولة وهاهي اليوم فنانة لها اسمها في الساحة التشكيلية وبصمتها الخاصة وحزام فني نسائي علمتهنّ كيف يكنّ قويات ثائرات على بياض اللوحة وسواد الالم.
في مرسمها الصغير استقبلت «المغرب» وفتحت نوافذ الذاكرة وسط كمّ هائل من الالوان واللوحات بعضها نصف مكتمل وأخرى لازالت تنتظر الامضاء لتصبح جاهزة للعرض «كنت جد مغرمة بالرّسم، منذ الطفولة المبكرة كان القلم لا يفارقني، ارسم اينما كنت وفي كل مكان، منذ الصغر اكتشفت قدرتي على الرسم والتعامل مع الخط والحركة في حصة الفنون التشكيلية وكنت افوز في المسابقات التي ينجزها المعهد ورسمت غروب الشمس، الشخصيات الكرتونية والمناظر الطبيعية» هكذا تنطلق منى الفرجاني في حديث الذاكرة.
وتضيف محدثتنا «كنت ككل الاطفال ارسم والعب، ويمكن الجزم انني اكتشفت موهبتي الحقيقية مع مادة الفرنسية حين طلب منا استاذي حميدة الشاوش بحث عن الفنون، يومها ذهبت الى المكتبة العمومية لانجاز المطلوب وهناك «غطست» في تاريخ الفن وحقا انبهرت بهذا العالم الذي سحرني، تعرفت على التيارات الفنية منذ الانسان البدائي ورسوماته على الكهوف الى العصر الحديث، عرفت اسماء فنانين عظماء وشعرت ان هناك شيء داخلي يشدني الى اولئك الرسامين»، تصمت قليلا، تعود الى فرشاتها تتأمل اللون الابيض، تبتسم ثم تكمل الحديث وهي تلاعب الالوان «انجزت الملف وتحصلت على عدد17/20 ولازلت اخبئ ذاك العمل في خزانة ذكرياتي، منذ تلك اللحظة وبتشجيع استاذي قررت ان اكون فنانة، نعم سأكون رسامة واعرض لوحاتي وارسم ما يخالجني».
بالكثير من الفخر تتحدث الفنانة عن طفولة احبت فيها الألوان رسمت وغامرت بالألوان المائية، تدرس وتتميز في دراستها وفي الوقت ذاتها تحول كل ورق ابيض الى عمل تشكيلي يبهرها في طفولتها، احبت مدينتها «بنزرت» فرسمتها وحولتها في داخلها الى قبس للحب والنور منه تاخذ الكثير من الطاقة لتبدع «اكتسب المهارة بكثرة مسكي للقلم، كنت اعتقد انني سأدرس الفنون الجميلة، وهناك مجلة كنت اقتنيها بصفة دورية يوجد بها ركن للتعريف بفنان وطريقة رسمه واسلوبه الفني، احببت القراءة في محاور الفن، تحصلت على شهادة الباكالوريا وكانت الهدية جد ضخمة، اهداني احد اصدقاء العائلة حقيبة الوان كاملة، حقيبة رسم بتلك الضخامة كانت حلما، لم افتحها في العطلة بتعلة فتحها اثناء الدراسة، ولكن...».
تعود الى الصمت، تترك لوحتها وتنظر الى لوحة اخرى مرسوم بها الكثير من السمك وينتشر فيها اللون الازرق تستمد منه بعض الهدوء وتواصل «لكن والدتي رفضت دخولي الى كلية الفنون الجميلة، العقلية المجتمعية انذاك رفضت ان ادرس الفنّ، شعرت بالخيبة وقتها، شعرت ان حلما يضيع من أمامي صمتت ودرست شعبة الرياضة، تميزت فيها ونسيت، او أحلت منى الرسامة الى ركن خفيّ ووعدتها ان اخرجها الى النور يوما، في الدراسة كنت ارسم كل الحركات الرياضية ووضعيات الجسم بالقلم واليد وتمكنت اكثر من مهارة الرسم، لسنوات الدراسة نسيت الفنانة وانشغلت بنجاح الاستاذة، التي تدرس الرياضة وتميزت في دراستي وتخرجت وبدأت في العمل والى حينها كنت اتناسى الفن واللعب بالألوان، لكن شيء داخلي كان يؤلمني، كنت ارغب في الصراخ، صوت داخلي كان يقول، ها انك ارضيت والدتك والمجتمع، اما آن ان ترضي نفسك، ها قد درستي ونجحتي في شعبة اختيرت لك، اما حان وقت تميزك في مسار تختارينه لنفسك، وذات صبيحة، قررت ان اعود الى الرسم».
في حضرة الالوان كان اللقاء، بين حركات الخطوط وموسيقى عالمية تغري بمزيد الانصات تحدثت منى فرجاني عن فنانة احبت اللون وشغفت به، احالت حلمها على دفة الانتظار وبعد اعوام قررت ايقاظه من سباته وخوض غمار تجبة الفن « وقفت امام مرآتي، نظرت اليها طويلا، اخبرتها ان تلك الرسامة الصغيرة النائمة حان ميعاد ايقاظها، اليوم سأبدأ الرسم، وبالفعل انطلقت تجربتي عام 2000 وبدات بالطبيعة الصامتة وشاركت بلوحتين في معرض نسائي جماين ويوم شاهدت لوحاتي ممضاة باسمي معروضة امام الناس يومها شعرت انّ اليوم ولدت، منذ اللحظة ولدت منى فرجاني وستنطلق تجربتها في مسار فنّي تختاره» وانطلقت الرسامة في تجربتها الفنية المميزة والمختلفة.
تحقق الحلم بطريقة اروع
منى فرجاني فنانة تشكيلية لها طابعها المميز، فنانة توثق لمعاناة النساء وترسمها، تلتقط الالم وتحوله الى عمل فني تشكيلي، عن سبب اختيارها للنساء لترسمهنّ تقول عاشقة الفن «المراة: هي منى الفرجاني، هي كل النساء، هي الانثى حين تفرح وتبكي، هي الانا والانت والهنّ، حين انطلقت تجربة الرسم سكنت بهاجس وشغف رسم «المراة» شعرت اولا أنني انتصر لذاتي لأنقل وجع وألم انني لم ادرس ما حلمت به، وانفعالات داخلية وذاتية رسمتها اولا،بعدها اصبحت أعبّر عن وجع المرأة عموما، كل ما اتلمسه انقله على اللوحات لكل انثى حكاية ولكل انثى تشنجاتها وأحلامها ،استوعبها وامتصها واحوّلها الى عمل تشكيلي، منذ البداية اشعر ان الريشة واللون هما سلاحي وصوتي لادافع به عن النساء».
تونسية حرّة، امرأة دافعت عن حلمها وهاهي تحققه وتصنع اسمها في العالم التشكيلي، تتقن رسم وجع النساء وحتى ان لم توجد المراة شكلا توجد بعض الرموز التي تحيل اليها، عملية معرفة لروحي من الداخل «الي ماتنجمش تحكيه، ترسموا» حسب تعبيرها، وتضيف «المعاناة ارسمها، كنت احاول ان اكون صوت النساء وأوجاعهنّ، كانت المعاناة ظاهرة في الاعمال لكن مع تقدم التجربة اصبحت المرأة التي ارسمها والألم ليس ذاتي بل انساني، حتى طريقة التعامل مع اللون تغيرت، واصبحت ارسم الام النساء بالوان زاهية، ففي تجربة معرض why not سميت كل لوحةباسم امراة من التاريخ وتركت لكل واحدة منهن الحديث عن المها المنقول بالوان زاهية ايمانا مني انّ المراة بعد كل وجع تزهر».
تنضج التجربة تدريجيا واليوم ترسم المرأة الالم لكنها لا ترسم الشخصيات النسائية بل ترمز لها من خلال «الفقاعات» او «الدوائر» وكلاهما يعبران عن المراة فجسد المراة توجد به الكثير من الدوائر والفقاقيع التي ترمز لها «حتى التجريد اسافر اليه مسكونة بالمرأة وأحلامها».
منى فرجاني فنانة يشعر متتع تجربتها التشكيلية بالنضج، تغيرت الالوان المستعملة، قبل عشرة اعوام كانت الالوان الحارة المعبرة عن الغضب هي المسيطرة، كان الاحمر والأصفر الفاقع يميزون اعمالها وفي العام 2017 ادخلت الازرق تدريجيا «كنت خائفة من الأزرق اللون الروحاني كان صعب جدا اللسيطرة عليه وتطويعه لكنني غامرت وكسبت المغامرة»، ثم دخلت غمار توظيف اللون الاخضر مع بقية الالوان «اللون الاصعب على ما اعتقد، ليس من السهل مطلقا ادخاله وسط تلك الألوان لكنني حاولت، ويمكن القول انني نضجت فاللوحة اليوم توجد بها مروحة الالوان وأصبحت ألاعب الالوان وأراقصها كطفلة تراقص دميتها، لم اعد اخاف الالوان ولا تضادها».
تصنع عوالمها الفنية الخاصة بها، تريد ان تحقق حلما حرمت منه في الطفولة، اعمالها تضج بالالوان والحياة، اذا تاملت احدى اعمالها ستشعر ان اللون يرقص وهناك ايقاعات معينة في توزيع الخطوط والاشكال، فاللوحة ليست مجرد الوان او رسم بل عمل فني متكامل هو حصيلة لتجربة في الرقص والموسيقى ايضا.
الرقص كان حلما اخر وتحصلت على ديبلوم في الرقص في معهد العالي للرياضة وتحصلت لثلاث مرات على بطولة تونس في الرقص سنوات التسعينات»كنت اعلم الاطفال والنساء في نادي للرقص» لذلك وظفت هذا الغرام في اللوحة اما الموسيقى فجزء مني ايضا، لا ارسم دون موسيقى، احببت الايقاعات وتعلمتها ثم عزفت الباطري وحين اقف امام المحمل استشعر نقرات الباطري وايقاعاتها القوية واولها الى الوان وهكذا اريد ان تسحرك اللوحة لانها تضم الموسيقى والرقص موشاة بابهى الالوان، فنحن امام فنانة صنعت ذاتها من رماد الاحلام، فنانة اشعلت قبس الامل وايقظت الطفلة النائمة ودفعتها لتحقق حلمها، امرأة تونسية مثابرة وقوية وفنانة لا تعرف معنى كلمة «مستحيل».
Monart مرسم صغير يعلّم النساء الفن والثورة
يجتمعن في مكان ضيق جغرافيا، مساحة صغيرة الحجم كبيرة بالحب، في «monart» توجد الكثير من اللوحات والأصوات والألوان، لكل منهنّ طريقتها في التعبير، نساء تونسيات اقبلن على تعلمّ الفن التشكيلي والرسم، هي عدوى الفنّ و»فيروس اللون» التي نشرتها الفرجاني في نابل، تلك الطفلة التي حرمت من تحقيق حلمها هي اليوم تعلم النساء الرسم وتدعمهنّ ليحققن ذواتهنّ الفنية.
مرسم صغير يجمعهنّ، لثلاثة عشرة عاما والنساء يجتمعن في هذا المرسم الكبير بالحب وطاقة الابداع، محامل موضوعة في كل مكان، بعض الالوان لم تجف بعد، لوحات لم تكتمل هي الاخرى ربما صاحبتها تنظر حصة يوم غد لتكمل الحلم والعمل، مساء يوم شتوي، زخات المطر تصنع سيفونية في الخارج والنساء في الداخل يرسمن ويغنين ويعبرن عن احلامهنّ الجميلة بالالوان « اشعر انهنّ جزء مني، اليوم بعد 13 عام يمكن القول انهنّ فنانات لهنّ اسلوبهنّ في الرسم ولكل واحدة بصمتها، اشعر ان كل واحدة هي منى فرجاني اخرى لها القدرة على نشر الفن وتعليمه للآخرين»، بهذه الكلمات تعبر الفنانة عن علاقتها بالنساء اللواتي سكنّ هذا المرسم الصغير لمدة سبعة ايام في الاسبوع لتصبح اليوم خمسة ايام « لم افكّر يوما ان ادرس الرسم، كنت ارسم لأنني احقق كينونتي فقط، وذات مرة جاءت جارة لي بلوحة وطلبت مني اصلاحا، فوجئت بقدرتي على اصلاح اللوحة واعطائها بعض النصائح، وطلبت تلك السيدة ان اعطيها دروس في الرسم، من امرأة صدفة الى ثلاثين امرأة تونسية اليوم ولدت تجربتها في هذا المرسم الصغير، هنا نجتمع، نرسم، نكتب احلامنا بحرية».
Monart هو اسم المرسم واسم المجموعة، يقابله في العربية «انا فني» واسم الفنانة منى وكانها اعلان عن جمهورية فنية خاصة بها والنساء اللواتي يشاركنها الحب والرسم والحلم «تكوين 30امراة ليس بالأمر السهل، نجتمع لوقت طويل، نريد ان نخبر الكل ان المراة قادرة على الإبداع، المرأة قادرة على صناعة ذاتها من العدم، Monartiennes تونسيات صنعن ذواتهنّ الفنية، تونسيات نجحن في مجال الفن التشكيلي، تجربة تستحق الكثير من الاحترام والحب لاننا نعمل بصدق، فهؤلاء النسوة يمثلن كل الشرائح العمرية والفكرية، جمعهنّ فقط حب الرسم والتجربة واليوم اصبحن علامة في جهة نابل واصبح لهنّ بصمتهنّ في طريقة التعامل مع الالوان والمحمل الابيض» كما تتحدث عن رفيقات الفكرة، وتضيف الفرجاني انها علمت النساء اولا كيفية قراءة العمل الفني والبحث في عالم الفن التشكيلي ومعرفة اغلب مدارسه، منذ اعوام والى اليوم وهنّ يخضن غمار التجربة «لعبنا بالالوان، جربنا الرمل والتراب والكولاج والزيتي والمائي»اصبحن فنانات حقيقيات، اليوم يتعاملن مع المحمل والالوان بكل اريحية، لكل واحدة اسلوبها ونظرتها المختلفة ولهنّ اعمالهن الخاصة التي ستعرض يوم 20مارس احتفالا بعيد الاستقلال.
الشمس بدأت تودّع المكان، النساء لازلن يجربن اللون ويقفن امام محاملهنّ، حان وقت العودة الى العاصمة وترك المساحة والمكان لفنانات صنعن ذواتهنّ وانتقلت اليهنّ عدوى الفن، سنترك المرسم لأصحابه ونعود محملين بعبق اللون وبهرج الفكرة، ففي هذا المرسم الصغير تعلمت النساء الرسم وتعلمن المقاومة بالفنّ، هنا تقف منى الفرجاني مع رفيقاتها يلاعبن الالوان ويطرحن قضايا النساء اللواتي توجهت اليهنّ بالقول» وابدعي فانت امراة، خلقت من نور ونار انت الابهى والأصدق فأبدعي سيدتي، احلمي وقاومي لا تتركي الم المجموعة ينهكك قومي من رمادك لانك انثى».

تاريخ الخبر: 2022-03-08 15:19:17
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية