تعيش إفريقيا اليوم أكثر من أي وقت مضى تحت تهديد انتشار بؤر العنف فيها بشكل واسع، واندلاع صدامات اجتماعية وسياسية قوية. ذلك للآثار السيئة التي تعكسها عليها الحرب في أوكرانيا، منضافة إلى الوضع الأمني الهش الذي تقبع داخله القارة السمراء منذ عقود.

إذ يهدد الهجوم الروسي على أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو بشكل مباشر الأمن الغذائي الإفريقي، الذي يعتمد في خبز يومه بالنسبة الأكبر على القمح القادم من البلدين المتحاربين. يزيد الأمر عسراً على القارة التي تكابد، كباقي بقاع العالم، آثار التضخم واضطراب سلاسل التوريد بفعل عامين من جائحة كورونا.

يضاف إلى هذا التهديد خطر آخر هو الانسداد الذي يمكن أن تعرفه الأمم المتحدة نتيجة الشقاق الروسي-الأمريكي على خلفية الحرب، ما قد يشل بعثات حفظ السلام الأممية والإعانات الإنسانية في القارة الإفريقية. كما يزيد خطر اندلاع العنف في منطقة الساحل مع تصاعد التنافس بين باريس وموسكو حول المنطقة.

حروب جوع وصدامات اجتماعية

تعتمد القارة الإفريقية بشكل كبير في غذائها على واردات القمح الروسي والأوكراني. ففي سنة 2020 مثَّل القمح 90% من الصادرات الروسية لإفريقيا التي قدرت بـ4 مليارات دولار. وبلغت الصادرات الأوكرانية إلى بلدان القارة خلال نفس السنة 2.9 مليار دولار، توزعت بنسب 48% من القمح و31% من الذرة، وبذور عباد الشمس وحبوب الصويا شكلت الباقي.

بينما تستهدف العمليات العسكرية بشكل أكبر منطقة الشرق الأوكراني، الموطن الرئيسي لتلك المحاصيل، تضرب العقوبات الاقتصادية الغربية الصادرات الروسية في مقتل، وبالتالي تهدد الواردات الغذائية للقارة السمراء من هذين البلدين بأن تنقطع. يضاف إلى ذلك تضخم أسعار هذه المنتجات في السوق العالمية لنفس الأسباب، لكون محاصيل روسيا وأوكرانيا مجتمعتين تمثلان 14% من الإنتاج العالمي من القمح وربع الصادرات العالمية.

وأمام هذا الواقع وحسب مقال لمجلة "Foreign Policy" فإن تفاقم انعدام الأمن الغذائي "في البلدان غير المستقرة سياسياً مثل ليبيا قد يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني بالفعل. وفي العديد من البلدان الأخرى، يمكن أن تؤدي إلى اشتعال الصراع وزيادة التوترات العرقية وزعزعة استقرار الحكومات واتساع رقعة الجريمة العابرة للحدود".

ويشدد المقال على أنه: "لا ينبغي الاستخفاف بهذه السيناريوهات، فلم يمضِ سوى عقد من الزمان على انتفاضات الربيع العربي، الذي كان فيه ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة في تونس ومصر. كما في الآونة الأخيرة، يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى كازاخستان ليرى مدى السرعة التي يمكن أن تنجم عن ارتفاع سعر السلعة الأساسية، في هذه الحالة الوقود، إلى الاحتجاجات والعنف".

انسداد في الأمم المتحدة ونزاع مصالح

كشف التصويت الأخير على قرار إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا داخل الجمعية العامة عن الشقاق الذي يعيشه مجلس الأمن، الذي عجز في محاولتين عن التصويت على القرار، ذلك للصدام الكبير بين أعضائه الدائمين: بين فرنسا وبريطانيا والولايات الأمريكية من جهة، وروسيا من جهة أخرى. وجنوحهم السريع إلى تفعيل حق النقض من أجل تسجيل نقاط دبلوماسية على بعضهما.

ويهدد هذا الشقاق بأن يعصف بالعمل المشترك لهذه الدول في عدد من الملفات، بما فيها التي تشمل القارة الإفريقية، كتعطيل بعثات السلام والمبعوثين الأممين إلى مناطق النزاعات والإغاثات الإنسانية. وظهر ذلك جلياً في تدخل فرنسا الأخير لمنع الولايات المتحدة وروسيا توقيع بيان يؤيد استمرار المساعدة الإنسانية لسوريا، بدعوى أن الوقت الحالي ليس مناسباً لاتخاذ مواقف مشتركة مع موسكو.

وقد يؤدِّي الاحتكاك بين روسيا ودول الناتو بالنسبة إلى الملف الليبي إلى إضعاف جهود الأمم المتحدة للحفاظ على سريان اتفاق السلام لعام 2020 في مساره الصحيح، وبالتالي يساهمون في انحدار البلاد مجدداً إلى مستنقع العنف.

وسيجعل من منطقة الساحل خط اشتباك بين الجانبين، هي التي تعيش منذ شهور على وقع التنافس الفرنسي والروسي ممثلاً في مرتزقة "فاغنر". الأمر الذي أنتج سلسلة انقلابات متتالية في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا، كما أودى بحياة الرئيس التشادي المقرب من باريس على يد متمردين مدربين روسياً.

سيعرقل هذا الأمر الاتفاقَ بشأن تفويضات الأمم المتحدة الخاصة بالعقوبات وحفظ السلام والوساطة في منطقة الساحل وكل مناطق النزاع في القارة السمراء.

وفي هذا الصدد حذَّر مقال لمجلة "Foreign Affaires" الأمريكية فإنه "سيكون من الصعب على الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين العمل بشكل بنَّاء مع نظرائهم الروس، إذا كانت في أوكرانيا حرب طويلة أو احتلال عسكري روسي مفتوح، بخاصة إذا استمرّ الغرب في عقوباته على موسكو".

TRT عربي