جلالات المقاومة


أمل محمد الحسن

الحراك الثوري أعاد بشكل واضح الفجوة الكبيرة بين المدنيين والعسكريين (من كافة القطاعات)، بصورة أقوى مما كان عليه اضطراب العلاقة في عهد الرئيس المعزول عمر البشير.

وكانت العلاقة بعد نجاح ثورة ديسمبر، وتسجيل ضباط وعساكر لمواقف بسالة مؤثرة في حماية الثوار من قوات أمن البشير بدأت في التحسن؛ الانتقال إلى مربع جديد لا يمكن وصفه بالمثالي، لكنها خطوات في الاتجاه المرجو.

بعد انقلاب قائدي الجيش والدعم السريع على الشرعية الدستورية، تردى مستوى العلاقة بين المدنيين والعسكريين إلى درك سحيق!

فلم يكن من الممكن تبرير العنف المطلق والوحشية الشديدة والمخاشنة فائقة الحد التي تجابه بها القوات النظامية الاحتجاجات السلمية المطالبة بتصحيح مسار الانتقال الديمقراطي.

العنف العسكري شمل الضرب الوحشي، والاعتقالات والسباب والشتائم بالألفاظ النابية والدهس بالسيارات الكبيرة، وكلها مشاهد موثقة عبر هواتف الثوار ومبذولة على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما القتل، ودماء الشهداء والشهيدات التي سالت وأغرقت شوارع السودان ستحفر خندقا عميقا لن تتمكن القوات النظامية من عبوره أو ردمه في وقت قريب!

ومن الجرائم الرهيبة التي لا تعتبر فقط تجاوزا من القوات الرسمية في حق أفراد؛ بل هو تجاوزا في حق المجتمع بأكمله ما تم من حوادث اغتصاب موثقة لفتيات تحديدا في مواكب 19 ديسمبر، وهو وزر سيبقى علامة عار على جبين العسكر ما بقي السودان.

من أكثر الأدلة وضوحاً على تردي هذه العلاقة بين أبناء الشعب الواحد، الفيديو الذي انتشر لتلاميذ مدارس (كيبس) بالخرطوم، الذين هبوا بتلقائية كبيرة للهتاف في وجه أحد أولياء الأمور الذي كان يرتدي بزة عسكرية!

هتاف الأطفال الذي لم يتم بتوجيه أو إرشاد من أحد وسط إحراج كبير شعر به المعلمون يعبر عن الصورة الذهنية التي يحملها الشعب صغارا وكبارا تجاه العسكر؛ تصورهم أعداء يجب نبذهم وإقصائهم وعزلهم اجتماعيا!

في مواكب رفض انقلاب أكتوبر؛ استخدم الثوار (جلالات الجيش) وهي ألحان مع كلمات بسيطة تثير الحماسة لدى جنود الجيش تساعدهم على السير الطويل (جلالات الخطوة المعتادة) أو جلالات بايقاعات أسرع لحماسة الجري والقتال وغيرها.

ومن تلك الجلالات (الجرية عيب وشينة.. الراجل الحمش فوق الجمر بمش).

وبصورة مفاجئة قام الثوار بصنع جلالاتهم الخاصة، مع السير بذات الخطوات العسكرية المليئة بالحماسة، وفي هذا التغيير إشارة جديدة لترك كل ما يشبه وينتمي للعسكر.

والجلالات بدلاً عن حديثها عن الحماسة والرجولة؛ تحدثت عن عزيمة الثوار لإكمال المسير غير عابئين بالقتل والعنف المفرط، فهي جلالات في بريد العسكر لا يخلو بعضها من سب مباشر لهم ولأسلحتهم التي يوجهونها لأبناء الوطن العزل، كل ذنبهم المطالبة بالعدالة والحرية والسلام!

(أنت ممكن تقتلني.. تقتل ثورة مستحيل.. الماتوا كتار ما مشكلة.. الشهداء كتار ما مشكلة).

(السودان على كيفنا.. ما كيف البرهان ده)

مفارقة الثوار حتى لجلالات الجيش يشير إلى أن الأجيال التي حتما ستنجح في إحداث التغيير الذي تطمح إليه، ستشمل خططها اصلاحات كبيرة في القطاعات العسكرية وستبحث عن ضمانات تمنع  عودة العسكر للسلطة بصورة نهائية.

على المنتمين للمكونات العسكرية كافة الانتباه للإسفين الذي ضربه الانقلاب وعنفه الوحشي بينهم وبين عامة الشعب؛ فيما هم أبناء وأزواج وآباء خرجوا من أحياء هذا الوطن، عليهم العمل الجاد قبل أن يجدوا أنفسهم في قلب عزلة اجتماعية كاملة غير مرحب بهم كطالبي زواج أو سكن.

سيشعر أبنائهم بالخوف من ظهورهم العلني معهم (مثلما حدث في فيديو المدرسة) وسيشعرون هم بغربة داخل أوطانهم، بل داخل أسرهم.

تاريخ الخبر: 2022-03-13 18:23:42
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

قالمة: 45 رخصـة استغـلال واستكشـاف للثـروة المنجميـة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

تبسة: اتفاقية للتقليل من تأثيرات منجم الفوسفـات ببئر العاتـر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية