صناعة الدستور (١) .. لمٌا همٌ كتشنر بحكم السودان

صناعة الدستور (١) ..

لمٌا همٌ كتشنر بحكم السودان

دخل كتشنر الخرطوم مزهوَاً بإنتصاره على جيوش المهدية التي أهان رجالها الأشاوس عسكر الإمبراطوريه العتيدة وكسر ثعلب الشرق، عثمان دقنه، مربع جيش الانجليز المنيع.
خاطب لورد كتشنر مجلس العموم البريطاني، عندما دعا لتكريمه ومنحه لقب لوردـ، طالباً من الحكومة البريطانيه إمداده بقوة عسكرية إضافية لحكم السودان ذلك البلد الكبير.
جاء رد الحكومة البريطانية صادماً للجنرال:
“أرسلناك في مهمة عسكرية انجزتها بكفاءه و كرمناك على المجهود الحربي الذي بذلته ولكن، وهذا رأي الحكومة البريطانيه آنذاك، ان السودان لا يمكن حكمه بالنظم العسكرية. و سنرسل لك من يخلفك على المنصب” .
ثم دعي كتشنر لمحاسبته على إعدامات ميدانيه امر بها بعد نهاية معركة كرري.
في تقرير لورد كتشنر لخلفه في مذكرة تسليم وتسلم حسب الأصول الإدارية، منبهاً لأسلوب حكم السودان:
” لا تتدخل في شؤونهم الدينيه و لا اعرافهم و تقاليدهم القبلية، الا اذا ما لجؤا إليك في نزاعاتهم الأهلية فلا تتردد في تطبيق القانون بكل حزم وشده”
عين السير ريجنالد وينجيت حاكماً عاماًَ للسودان مكلفاً بإنشاء دولة حديثة على انقاض دولة المهدية.
سير وينجيت رجل مخابرات بريطاني انضم إلى وزارة الخارجية و تدرج فيها و عمل في كل المستعمرات لحوالي خمسه وعشرون عاما حائزاً علي خمسة عشر نوط جداره و تمٌيز و منح لقب سير، مما اهله لتبوء منصب حاكم عام السودان.
خلال الفترة من ١٩٠٠ _ ١٩١٦ أنشأ وينحيت قوام الإدارات الحكومية المطلوبة لتأسيس دولة حديثة.
كانت أولى إنجازاته انشاء كلية غردون النذكارية “جامعة الخرطوم” و مستشفى الدايات بامدرمان ودلك لبيان الإهتمام بالصحة و التعليم في اي دولة تسعي للتنميةو التطور.
في ختام فترة تفويضه سلم وينحيت الحكومة البريطانية دولة السودان بحدودها السياسية المعروفة حالياً و المعترف بها دولياً، كما قام بتسليم مشروع الجزيرة التجريبي بنجاح على مساحة ٢٥٠ فدان معلناً اكتمال بناء الدوله و مصادر الإنتاج الداعمة لميزانية الحكومات القادمة.
استمرت السياسة الإستعمارية في السودان بأسلوب جديد لم تطبقه بريطانيا في مستعمراتها الأخري. فأخضعت تجربة الحكم في السودان للبحث العلمى و الأرشفة و اختصت بها جامعة أكسفورد و كمبريدج و درهام. ولم تبخل الحكومة البريطانية على الخدمة المدنية في السودان فقامت بتعين ثمانية من أميز خبرائها في منصب الحاكم العام. واختصت خريجي أكسفورد و كمبريدج المتفوقين ككوادر دعم وإسناد لتطويرها و توثيقها.
وعلى مدى خمسون عاماً شهد السوداني خلالها إنشاء كل البني التحتية المطلوبه لتأسيس دولة حديثة تتمتع بخدمات الصحة و َ التعليم المجانية على أرقى النظم، على النحو الدي نري الآن أطلاله.
و في تلك الفترة ظلت كتيبه من الجيش البريطاني مرابطة (بالبركس) شرق جامعة الخرطوم تمارس العنف الرياضي في منافسات كرة القدم ضد شباب برى. وعند الجلاء حملوا اسلحتهم الشخصية و غادروا الخرطوم بالقطار الذي استخدموه اول مره في حملة كتشنر.
تحول السودان تحت الحكم البريطاني من دولة دون المتخلفة الي احد أقوى اقتصاديات العالم الثالث الذي كان يشمل أفريقيا و الشرق الأوسط و أمريكا الجنوبية وشرق آسيا.
خلال فترة الحكم البريطاني للسودان لم تتطرق الإدارة البريطانية لموضوع صناعة دستور يبين أوجه الحكم و السلطة في السودان. فبريطانيا نفسها التي حكمت العالم كله آنداك لم تكن تعمل بموجب دستور معلن. فالمعروف ان بريطانيا اعتمدت في البناء التشريعي على السوابق القضائية و الإدارية حتى يومنا هذا.
ولحداثة السودانيين في الحكم سلمهم أخر حاكم عام، سير روبرت هاو، الحاكم العام المكلف بتنفيذ الحكم الذاتي، نسخة من مشروع دستور انتقالي _ دستور ١٩٥٢ و فيما بعد ١٩٥٦_ اعدته الإدارة البريطانية لمساعده الحكومة الوليدة.
في يوم الإستقلال و أمام حشد من القوي الحزبية الفاعلة آنذاك و الجماهير المبتهجه بالحدث، خطب فيهم سير روبرت هاو مقرراً :
“لقد سلمناكم دولة مكتملة الأركان متعددة الثقافات و الأعراق و الأديان، ان احسنتم ادارة ذلك التنوع نعمتم بوطنكم و سعدتم به و أن اخفقتم كانت وبالاً عليكم” _ َوقد كانت كدلك.