«نقل عام».. نقلة فى الدراما الاجتماعية والإنسانية «لم الشمل»
«نقل عام».. نقلة فى الدراما الاجتماعية والإنسانية «لم الشمل»
نجح صناع وأبطال مسلسل «نقل عام»، فى تقديم وجبة درامية اجتماعية واقعية دسمة، جذبت الجمهور للجلوس أمام الشاشة الصغيرة؛ منذ انطلاق اولى حلقاته حصريا على شبكة قنوات ON حتى النهاية؛ بسبب قصة العمل التي تتناول العديد من القضايا الإنسانية والاجتماعية، التى تستهدف «لم شمل العائلة من جديد»، جعلته يتصدر التريند على محرك البحث جوجل، ومختلف منصات التواصل الاجتماعي إذ طالب الجمهور صناع المسلسل بعمل جزء ثانِ؛ وذلك بعد ارتباطهم الشديد بشخصياته خاصة أن نقل عام مكتوب بعناية خاصة، على يد المؤلف المتميز فى منطقته وليد خيرى، الذى اكتسب خبرات كبيرة من مُعلمه الأول، فهو أحد تلاميذ عميد الدراما العربية الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، الذى رحل عن عالمنا بجسده ولكن تبقى روحه حاضرة وأعماله خالدة على مر الزمان.
تبدو روعة الكتابة فى «نقل عام» متعلقة بالحوار الجاذب الذي صاغه «خيرى»، خصوصا فيما يتعلق باختلاف طريقة تفكير جيل الأجداد والآباء والأبناء، وتناوله نماذج الطبقة المتوسطة بأسلوب رائع في استعراض الشخصيات وتقديم المشاكل الاجتماعية التي تمس كل بيت، منها «التعليم، والانفجار السكانى، والسوشيال ميديا ومدى خطورة استخدامه بطريقة سلبية، وتجارة الأعضاء، والثأر، السحر والدجل، والتفكك الأسري، وصلة الرحم»؛ ليعبر بصدق وواقعية عن روح المجتمع المصري ويعكس قيم وعادات وأساليب قاربت على الاندثار؛ فضلا عن علاقات معقدة لنماذج مختلفة من الشباب ما بين فقدان الذات والعمل والحبيب، فمنهم من يبحث عن الهجرة أو يحاول أخذ قرض لعمل مشروع ناجح، ما جعل أحداثه تعتمد على شكل الحياة اليومية، المليئة بالتفاصيل بين أفرادها، خاصة الذين تربطهم ببعضهم روابط إنسانية؛ ليعيد لنا إلى الأذهان الأعمال الدرامية الاجتماعية لحقبة الثمانينيات والتسعينيات، التي لها مردودا إيجابيا وتتناسب مع جميع الفئات العمرية.
حالة من التوهج الفني شهدها طاقم العمل بأكمله على مدار 30 حلقة، لاسيما أن المسلسل يحمل اسم النجم الكبير محمود حميدة، الذى يحتل مكانة خاصة لدى الجمهور؛ وكعادته قدم درسا عمليا في كيفية أن الممثل عندما يتقمص شخصية ما، أن يضع فى خلده هذه العبارة «ماذا لو كنت فلانا؟»، فقد ارتدى عباءة الأب «أحمد الشربينى» الموظف البسيط، الذى يسعى دوما وفى آن واحد، لتصحيح الأفكار المغلوطة وإرضاء والدته التى جسدتها خلال الأحداث القديرة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب، التي تمتلك أدوات خاصة لتقديم المرأة الصعيدية، التى مرت بأحداث مأساوية جعلتها مريضة بفكرة «العزوة و خلفة الصبيان» وبأدائها المستنير و تلقائيتها غير المعهودة تقدم حلولا جذرية لتلك المشكلات، ومن ناحية أخرى يمثل «الشربينى» عمود البيت.. رب الأسرة الذى يتصرف بالحكمة فى معالجة كل الأمور، وذلك من خلال علاقته بأسرته المكونة من 8 أبناء، لكل منهم مشكلاته الشخصية والأسرية، وكيف يلجأ له أولاده فى الظروف الصعبة، ليصبح هو السند والحضن الدافئ لهم، فضلا عن محاولته لإنقاذهم دوما، وتقديم درسا قويا ونموذجا إيجابيا للأبوة.
من جانبه برع المخرج الكبير عادل أديب، فى ضبط إيقاع الأداء بين جميع أفراد «نقل عام»، لنجد أننا أمام مجموعة متعددة من نجوم موهوبين تم اختيارهم وتسكينهم فى أدوارهم بدقة متناهية فلا يوجد ممثل فى دور لا يتطابق مع إمكانياته وكأنه مكتوب خصيصا له ليصبح المسلسل بطولة جماعية ومباراه تمثيلية بين هؤلاء النجوم سوسن بدر، دينا، أحمد بدير، إيهاب فهمي، ميرهان حسين، ريم البارودى، هاجر الشرنوبي، نور خالد النبوي، أميرة أديب، هايدى رفعت، إيمان أيوب، نيكول سابا، نهلة سلامة، كريم عبدالخالق، أحمد جمال سعيد، أحمد أبو زيد، مهند وليد خيري، الطفل عبقرينو آدم النحاس، محمد الصاوي، عمر زكريا، صولا عمر، ديما زيدان، ديفيد عصام، ناهد زكريا، إياد عيد، زينب عبدالوهاب، اسماء ماهر، جمال يوسف، مصطفى حشيش، مفيد عاشور، عواطف حلمي، عهدي صادق، محمود عامر.
وبشكل خاص نتحدث عن جانب هام جدا فى الأحداث، قدمه الفنان القدير محسن محيي الدين، الذى عاد بقوة فى منطقة صعبة للغاية لمساندة مرضى السرطان؛ وكيفية الدعم والقدرة على التحمل والإصرار بالقضاء على المرض، بتوفير كل المساعدات الإنسانية، وهذا ما برع فيه «محيي الدين» الذى لعب دوراً هاماً وجسد البعد النفسي لمريض السرطان وعلاقته بأهله، وأثبت أن الدعم النفسي لمرضى الأورام قد يكون نقطة تحول في الإصرار على التخلص من السرطان من أجل الشفاء.
كذلك الفنان محمد محمود عبد العزيز، المتوهج فى شخصية «فيصل» الابن الأكبر لـ«أحمد الشربينى»، فقد تمكن عبد العزيز، فى الموازنة بين التراجيديا والكوميديا فى التكوين الأساسي للشخصية، واستطاع أن يربط بين خفة الظل وبراعة الأداء على حد سواء، وظهر فى كل مشهد صادق لا يشوبه التكلف؛ ليثبت مدى احترافيته فى فن اختيار أدواره المتنوعة، ويضيف إلى رصيد محبته في قلوب الجمهور ليواصل جني ثمار نجاحاته المستمرة، والحفاظ على اسم «الساحر» والده النجم الكبير الراحل محمود عبد العزيز.
فقد سجل المخرج الكبير عادل أديب، علامة جديدة فى تاريخ الدراما تم اضافتها الى مشواره الفني الحافل بالأعمال المميزة، وسط كادرات أشبه بـ «السينمائية العميقة» بقيادة المصور العالمي باتريسيو باتريسى، والديكور للمهندس فوزى العوامرى، فمن منا مثلا يتخيل أن شقة عائلة أحمد الشربينى «ديكور مبنى»؛ أما التتر وفواصل المسلسل قائمة على نغمات الموسيقار العالمي راجح داوود، الذي بذل مجهودات جبارة لخروج ملحمة موسيقية درامية قوية، باختصار إذا كان للموسيقى فى مصر جسد فراجح داود هو روحها، لأنه ببساطة يمتلك من الخيال والوعى والعبقرية ما يمكنه من صناعة مزيكا خالدة، لا تموت مع الزمن، بل تنمو وتكبر كلما مر عليها الوقت.
فى النهاية أثبت فريق عمل مسلسل «نقل عام» الذى يسجل التعاون الأول بين الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» و«مجموعة فنون مصر» لمالكيها المنتجين ريمون مقار ومحمد محمود عبد العزيز، أن الأداء الموحّد يعنى الإحساس بالتناغم والترابط اللذين ينتجان عن جهد الممثلين والكرو خلف الكاميرا التعاوني الشامل، فلن يكون هناك أداء فردى مؤثر إلا إذا كان منسجمًا مع أداء الآخرين من باقى فريق العمل، وهو ما رصدته «الدستور» خلال حضورنا كواليس تصوير المسلسل، فقد وجدنا أنفسنا أمام عائلة مترابطة، تتمثل فى فريق المنتج الفني الكبير أيمن عبد الحفيظ، ومدير إدارة الإنتاج محمد سيف، ومدير الإنتاج محمد عباس الجندي، ومدير الإنتاج أحمد عوض؛ يبذلون جهدا كبيرا لخروج توليفة متقنة بشكل حرفى دقيق متناغم بين كل مفرداته، بقيادة المخرج عادل أديب والمخرج المساعد محمد البساوي؛ فكل من شارك في «نقل عام» يستحق الإشادة والتحية والتصفيق تقديرا منفردا له فكلهم نجوم مبدعون يقدرون قيمة دور الفن من خلال ما يقدمونه وينتجونه ويحترمون عقلية المشاهد؛ خاصة أنه واقعى ولا يخلو من البهجة بخلق كوميديا موقف حقيقية واقعية دون ابتذال، وهذا دليل بالغ الأهمية لتأثير القوة الناعمة فى النهوض بالمجتمع وإعادة تشكيل الوعي والارتقاء بالوجدان والذوق العام.
