تتعرض مدينة ماريوبول الساحلية منذ بدء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، لقصف عنيف وحصار شديد قطعها عن العالم الخارجي وسبّب لها كارثة إنسانية غير مسبوقة.

ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الوضع في المدينة بمكان تفيض فيه المقابر الجماعية والجثث المتروكة تحت الأنقاض أو حتى في الشوارع، حيث أسفر القصف المتواصل لأكثر من أسبوعين عن سقوط عدد كبير من القتلى، في صفوف المدنيين الذين لم يتمكنوا من الفرار خارج المدينة، عبر الممر الإنساني.

كما وثق عديد من الصحف المحلية والأجنبية أيضاً حجم الدمار الذي لحق بالمدينة. فيما اتهم مسؤولون أوكرانيون القوات الروسية بمنع وصول قوافل المساعدات إلى هناك.

ويلفت محللون ومراقبون إلى أن استمرار القوات الروسية في ضرب ومحاصرة المدينة طول أيام بلا تراجع، يبيّن مدى تمسُّك موسكو بالسيطرة عليها، لما تكتسبه من أهمية استراتيجية لها.

ماريوبول.. موقع استراتيجي وثقل اقتصادي

تحظى مدينة ماريوبول بموقع استراتيجي هامّ جعلها من أهمّ الأهداف الرئيسية للقوات الروسية منذ بدء العملية العسكرية، إذ تقع المدينة الساحلية المطلة على بحر آزوف، في المنتصف بين المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس وشبه جزيرة القرم التي ضمَّتها روسيا عام 2014، ولا يفصلها عن روسيا سوى بضعة كيلومترات.

واعتبرت صحيفة "لوتان Le Temps" الفرنسية في تقرير نشرته للإجابة عن سؤال "لماذا ماريوبول؟"، أن ميناء المدينة هو الأكبر على بحر آزوف، وهو بوابة شرق أوكرانيا، وهي في واقع أمرها تشكّل عقبة أمام التواصل الإقليمي الذي حلمت به موسكو بين روسيا وجزيرة القرم.

بالتالي فإن السيطرة على المدينة تمهد الطريق بالضرورة إلى إحكام السيطرة على بحر آزوف، وإنشاء ممر بين روسيا ومنطقة دونباس وشبه جزيرة القرم.

ويرى محللون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه الشاملة على ماريوبول يرغب في كسر عزيمة الأوكرانيين وإظهار تصميمه وبثّ الرعب، تماماً كما فعل في الشيشان بتدمير غروزني وفي سوريا بسحق حلب.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المدينة لهجوم عنيف ومحاولة للاستيلاء عليها، ففي عام 2014 تمكن الجيش الأوكراني من استعادة المدينة بعد أن كان متمردو دونباس وداعموهم الروس على وشك السيطرة عليها.

منذ ذلك الحين بذل الأوكرانيون جهوداً مضاعفة لسنوات لتحصين المدينة، وحفروا عديداً من الخنادق، ولعل ذلك ما يفسّر صمودها إلى اليوم في مواجهة القوات الروسية.

ولا يعد الموقع الاستراتيجي وحده ما يميز المدينة الساحلية، إذ تملك ماريوبول مصنعين كبيرين لإنتاج الحديد، مما جعلها تحظى بثقل اقتصادي هامّ. بالتالي تعني السيطرة عليها قدرة اقتصادية قوية لجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، وتقويضاً لقدرات أوكرانيا الاقتصادية.

حصار وقصف.. ماريوبول في وضع مأساوي

يحذّر مسؤولون أوكرانيون وغربيون من كارثة إنسانية شديدة في ماريوبول التي يواجه فيها قرابة 200 ألف شخص ممن لم يتمكنوا من الفرار عبر المرر الإنساني، من حصار خانق ووضع مأساوي يحتاج إلى مساعدة عاجلة.

وأفادت تقارير إعلامية بأن الضربات الروسية المتواصلة استهدفت مستشفى خاصاً للولادة في المدينة، ودمّرَت مجمعات سكنية ومباني حكومية وأجزاءً من جامعة تقنية، ودمرت المنازل والطرقات.

ووفق ما أكدته مجموعات إغاثية، لجأ سكان المدينة إلى قطع الأشجار لإشعال حطبها لطهي الطعام، وتكسير أنظمة البنى التحتية بحثاً عن مياه الشرب.

ومن جانبها صرحت رئيسة بعثة الصليب الأحمر بالمدينة ساشا فولكوف، بأنه لم يعُد في هذه المدينة ماء ولا كهرباء ولا غاز للتدفئة، كما نُهبت المحلات والصيدليات، وهناك من يشْكون أنه لم يعُد لديهم طعام للأطفال، فضلاً عن بدء الناس الشجار على الطعام وإتلاف السيارات لسرقة بنزينها.

كما نقلت وسائل إعلامية طوال الأيام الماضية التي اشتدّ فيها القصف، صوراً لجثث من المدنيين والمقاتلين، مكدَّسة في الطرقات في مشهد أشبه بالمقبرة الجماعية.

TRT عربي