يجهل كثيرون أن اتفاقيات إيفيان، الموقعة في 18 مارس/آذار 1962 بهذه المدينة الفرنسية الواقعة على الحدود مع سويسرا بين الحكومة الفرنسية وممثلين عن حزب "جبهة التحرير الوطني" الجزائري، بدأت بجريمة اغتيال ارتكبتها منظمة الجيش السري بحق عمدة المدينة كاميي بلون.

وقليلون هم من يتحدثون في إيفيان عن هذا الحدث التاريخي البارز الذي أدى لوقف إطلاق النار ومهد الطريق لاستقلال الجزائر عن فرنسا في 5 يوليو/تموز 1962 بعد حقبة استعمارية استمرت 132 عاما. وتعرف هذه الاتفاقيات باسم إذ أنها دخلت حيز التنفيذ في ذلك اليوم.   

والسبب وراء احتفاظ المدينة بذكريات مكتومة وآثار قليلة تذكر باتفاقية 18 آذار/مارس 1962 يعود بشكل أساسي لاغتيال رئيس البلدية كاميي بلون بتفجير في 31 آذار/مارس 1961، أي قبل بدء المفاوضات بنحو سنة.

الاتفاقيات "تزامنت مع موسمين سياحيين كارثيين" في إيفيان

ومات العمدة، الاشتراكي الناشط من أجل السلام الذي عمل على احتضان مدينته للمفاوضات، "متأثرا بجروحه" كما كتبت يومها وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية إثر انفجار "قنبلتين قويتين" فجرا في طريق مسدود يفصل "مقر البلدية عن فندق بوريفاج، وهو ملك ومقر إقامة السيد بلون". 

للمزيد-

فالنسبة إلى نائب رئيس البلدية السابق سيرج دوبيسيي (78 عاما)، "لا شيء" بقي من اتفاقيات إيفيان في ذاكرة المدينة، لأن السكان قرروا "طي الصفحة بعد" اغتيال كاميي بلون. بالمقابل، يتذكر الجميع بأن الاتفاقيات "تزامنت مع موسمين سياحيين كارثيين في عامي 1962 و1963".

وتؤكد رئيسة البلدية الحالية جوزيان لي بأنه "لا يوجد أي مكان" لإحياء الذكرى، "لأننا ما زلنا نشعر بجرح" الاغتيال، مضيفة أن حرب الجزائر ما زالت "حقبة حساسة". من جانبه، يتذكر سيرج دوبيسيي أن "القاتل من إيفيان وكان ينتمي إلى منظمة الجيش السري (الرافضة لاستقلال الجزائر) وكان له شركاء يقطنون إيفيان"، مشيرا إلى أن أفرادا من عائلته لا يزالون يقطنون المدينة. وتسبب ذلك بإضفاء "أجواء من الحرب الأهلية" على المدينة.

نفوذ قوي لقدماء منظمة الجيش السري

لا تزال الأجواء "باردة" في إيفيان بشأن كل ما يرتبط بحرب الجزائر نظرا للنفوذ القوي الذي لا يزال يتمتع به قدماء المحاربين في "الجيش السري". فندق "بوريفاج"، على سبيل المثال، بات مهجورا الآن وعلى واجهته المهترئة لوحة تذكارية تكريما لرئيس البلدية المُغتال، لكن لا إشارة إلى تورط منظمة "الجيش السري" في العملية.

للمزيد-

وعادة ما تكون للجولات السياحية التي يشرف عليها مرشدون من مكتب السياحة محطة قرب فندق "بوريفاج"، وكذلك قرب مبنى البلدية المجاور الذي كان مقر الإقامة الصيفي الفخم السابق للأخوين لوميير مخترعي السينما.

فندق "بارك" الذي استضاف المفاوضات أصبح مسكنا خاصا

إلا أن الجولات السياحية لا تشمل مقر فندق "بارك" السابق الذي استضاف المفاوضات التي شاركت فيها وفود من الحكومة الفرنسية ومن "جبهة التحرير الوطني" لعدة أشهر. وأصبح هذا المبنى المطل على بحيرة ليمان مسكنا خاصا. وأرادت رئيسة بلدية إيفيان توسيع الجولات التاريخية إلى مدخل حديقة القصر القديم، لكن السكان وأصحاب القصر "لم يتقبلوا ذلك".

وفي 2011، رفض رئيس البلدية آنذاك، مارك فرانسينا، تسمية شارع باسم اتفاقيات 18 آذار/مارس، بلا شك خوفا من ردود فعل أفراد منظمة "الجيش السري" القدامى. فقد تظاهر هؤلاء في 2012 في الذكرى الخمسين لتوقيع الاتفاقيات عندما نظمت جمعية "لاساليزيان" التي تعنى بالتاريخ في منطقة سافوا لقاء أكاديميا في قصر المؤتمرات، كما يؤكد رئيس الجمعية كلود ميجوفان. تظاهروا أمام المبنى "وعلى أكتافهم نعش".

"إنها فترة حساسة مع الانتخابات" الرئاسية

وبمناسبة الذكرى الستين، من المقرر أن تقوم البلدية بحفل "كالعادة" مع حاملي أعلام ومحاربين قدامى وحركيين (جزائريون قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي)، بالاتفاق مع المسؤولين المحليين حسب ما قالت عمدة إيفيان، مضيفة" "إنها فترة حساسة مع الانتخابات" الرئاسية المقررة في 10 و24 أبريل/نيسان.

للمزيد-

ومن المقرر أيضا أن تقوم مدارس إيفيان بإحياء "يوم السلام" في 24 أيار/ مايو بأغنية كتبها الأطفال. من جانبها، تعتزم ثانوية "آنا دو نواي" فتح النقاش مع تلاميذ الأقسام النهائية حول موضوع "60 عاما من اتفاقيات إيفيان، تاريخ وذكريات حرب الجزائر"، بمشاركة شهود من مجندين سابقين، وحركيين، (الفرنسيون المولودون في الجزائر)، ومن أحفاد مناضلي "جبهة التحرير الوطني".

وهناك أيضا بعض المشاريع لتخليد الذكرى السنوية، منها عقد مؤتمر حول الكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو (المولود في الجزائر العاصمة) والجزائر في 18 آذار/مارس تديره كلود جيربولي، وهي طبيبة سابقة من مواليد الجزائر تعتزم "عدم إيقاظ النزاع الدامي، مع التركيز على أخطاء فرنسا".

علاوة مزياني/ مع أ ف ب