صناعة الدستور «3»: إعلان الاستقلال الجديد وبناء دولة المؤسسات


 

صناعة الدستور «3»: إعلان الاستقلال الجديد وبناء دولة المؤسسات
محمد عثمان مناع

لم تحَظَ أي انتفاضة شعبية في تاريخ السودان الحديث بالإجماع القومي الذي حُظيت به ثورة ديسمبر المجيدة، مدفوعةً بالوعي الجمعي وتطلُّع الشباب من الجنسين لإنهاء سيطرة السلاح على السلطة والثروة ليتحقّق العدل والسلام وتسُود الحرية.
إلّا أن النخب السياسيّة تكالبت على الثورة لترتكب نفس الأخطاء التي أطاحت بمحاولة التحول الديمقراطي عقب ثورتي اكتوبر وابريل، إذ قامت بطرح مبادرات لنظام حكم لا تستند على أي مرجعية دستورية محلية أو عالمية ومتخطيةً في ذلك كل الإرث التشريعي السوداني والأعراف الأهلية ليطول الجدال حول مواثيق جديدة ومستحدثة حتى تسقُط الفترة الانتقالية دون تحقيق مكاسب للتجربة الديمقراطية.
فوصف الحالة في السودان اليوم على أنها احتقان سياسي خطأٌ كبير في التعريف يقود حتماً إلى نتائج خاطئة. فالمشهد الحالي تتصدّره فئتان يجب أن لا تربطهما أي علاقة سياسية أو قانونية.
أولهما: قيادات عسكرية موغلة في جرائم ضد الإنسانية ومتورطة في فض اعتصام القيادة، وغارقة في جرائم تخريب الاقتصاد القومي إلى حد المساس بالسيادة الوطنية. فمحل التعامل مع هذه القيادات يكون بالتقاضي أمام المحاكم العسكرية فيما يختص بالشأن العسكري، وأمام المحاكم المدنية فيما يختص بمساسهم بالشأن المدني. وتكُون المؤسسة العسكرية في كل الأحوال مسؤولةً أمام الشعب السوداني فيما يتعلّق بتحقيق سلطة القضاء العسكري برَاً بالشرفِ العسكري والقسم الذي أدته أمام الله من أجل سلامة الوطن.
وفي هذا السياق، لا يمكن اعتبار المليشيات القبلية المسلحة هيئةً عسكريةً نظاميةً، ولا يمكن الاعتراف بها. فهي إما أن تحِل نفسها وتنخرط في العمل المدني أو تخضع للمساءلة كجماعةٍ إرهابيةٍ أو كجماعات جريمة منظمة.
ثانيهما: الفئة المناوئة للعسكر وهي جميع القوى المدنية، وفي مقدمتها لجان المقاومة وتجمع المهنيين والقوى السياسية الوطنية التي ترفض هيمنة الجيش على الشأن المدني جملةً وتفصيلاً عملاً بمبدأ الفصل بين السلطة العسكرية والمدنية المضمّنة في القوانين المنظِّمة لعمل الفئتين. وتسعى القوى المدنية على نشر الوعي الجمعي لتغيير العقلية العسكرية التي ترى وجوب تواجدها كسلطةٍ حاكمةٍ، بالمخالفة لقوانينها العسكرية، ومكبِّدة المدنين والعسكريين الويلات.
تسبّبت كل هذه التجاوزات السياسية في الانقسامات والحروب الأهلية والتي أدت إلى تفكيك الدولة والخراب الاقتصادي الماثل بقوةٍ أمامنا.
والآن يتعين على القوى المدنيّة الثوريّة بكافة فصائلها وعلى جميع مستوياتها، استشعار الخطر والمصير المظلم الذي يتهدّد البلاد إن هي لم تتوافق على إعلانٍ سياسي مُحكم ومتكامل في غضون الأيام القليلة القادمة. فالمرحلة التي تحضُرنا الآن هي صراع بقاء للأقوى ومعركة ضد قوى استعمارية جنّدت فصائل مسلحة محلية وأجنبية للسيطرة على أراضي السودان وثرواتنا القومية.
لذا نرى ضرورة الاحتكام الفوري لدستور 2005م الانتقالي بنسخته المعترف بها دولياً والذي يحدِّد مستويات الحكم الولائي والاتحادي وقسمة السلطة والثروة وكافة الإجراءات الإدارية والتنفيذية السارية والمطبّقة حاليا؛ وتكلّف لجنة الدستور بالمجلس التشريعي الانتقالي بمراجعته على ضوء المبادرات الوطنية المطروحة وتضمين ميثاق سلطة الشعب المقدّم من لجان المقاومة، ليُعرض لاستفتاء عام قبل نهاية الفترة الانتقالية.
وعلى ذلك تتوافق القوى الثورية الموقعة على هذا الإعلان السياسي الوارد أدناه:
الاسم: إعلان الاستقلال الجديد.
الموقعون: تعريف القوى الثورية المشاركة الموقعة على الإعلان.
وبهذا تكون القوى الثورية الموقعة على الإعلان قد توافقت على ما يلي نصه:
اولاً: إلغاء الوثيقة الدستورية للعام 2019 وإلغاء كافة الإجراءات التي تمّت بموجبهَا.
ثانياً: اعتماد دستور 2005، بنسخته الأصلية، كدستور حاكم للفترة الانتقالية.
ثالثاً: مدة الفترة الانتقالية ثمانية عشر شهراً من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.
رابعاً: إعلان خلو منصب رئيس الجمهورية ونائبه وهيئة المستشارين.
خامساً: تكليف المفوضية العليا للقضاء بتسميّة مُرشح تجمُّع الحقوقيين كرئيس جمهورية مؤقت لفترة سنةٍ واحدة من تاريخ التكليف. وإذا لم يتوافق أعضاء المفوضية على المرشح لرئاسة الجمهورية خلال سبعة أيام من تاريخ التوقيع على هذه الوثيقة، تُسمي القوى الثوريّة الموقعة على هذا الإعلان رئيس الجمهورية.
سادساً: تكُون مهام الرئيس المؤقت في الفترة الانتقالية مرتبطةً بتسيير أمور الحكم والإعداد لانتخابات رئيس الجمهورية قبل ثلاثة أشهر من نهاية فترة تكليفه.
سابعاً: تُعيِّن القُوى الثوريّة، الموقِّعة على هذا الإعلان، نائباً للرئيس وثلاثة مستشارين للأمن والدفاع والشؤون الخارجية والمستشار القانوني.
ثامناً: يتولى نائب الرئيس رئاسة مجلس الوزراء ويفوّض بترشيح عضوية مجلس الوزراء المكون من الوزارات التسع التالية:
الدفاع، الخارجية، الداخلية، الصحة، التعليم، المالية، الحكم المحلي، التنمية الاقتصادية، الثقافة والإعلام.
عاشراً: تكون لجنة الخدمة المدنية والإصلاح الإداري إحدى لجان المجلس التشريعي الدائمة وتعمل على إعادة ترتيب وتأهيل كافة الدواوين الحكومية من وزارات ومصالح ومؤسسات وشركات عامة وهيئات حكومية حسب طبيعة النشاط والإرث التشريعي المحلي والمتعارف عليه عالمياً. تُدار المؤسسات الحكومية بواسطة مدير عام ومجلس إدارة يضم في عضويته مُمثلين من الوزارات ذات الصلة.
أحد عشر: إلغاء منصب الوالي واستبداله بمنصب المُحافظ ليكون أعلى درجةً في الخدمة المدنية ويخصّص للضباط الإداريين وضباط الشرطة من رتبة لواء.
اثني عشر: يرأس المحافظ المجلس التنفيذي للولاية المكوُّن من عضوية مُديري الوحدات الحكومية وضُباط المجالس البلدية ورؤساء المجالس الشعبية وقيادات الإدارة الأهلية وممثلي اتحادات أصحاب العمل وممثلين للجان المقاومة.
ثلاثة عشر: المجلس التشريعي الانتقالي. تنحصر مهام هذا المجلس في إعادة بناء مؤسسات الدولة ووضع الإطار العام للتشريعات والسياسات العامة والخاصة بمؤسسات الدولة. ويتكوّن المجلس من لجان مُتخصِّصة دائمة أو مؤقتة. يتم إنشاء مفوضية لاختيار أعضاء هذه اللجان المُتخصّصة. تتكوّن عضوية المفوضية من أشخاص ذوي خبرة في مجال عمل المجالس التشريعية والإدارة العامة وشؤون الأفراد ويرأس اللجنة أحد أعضاء المحكمة الدستورية.
أربعة عشر: تتكوّن عُضوية اللجان المُتخصّصة من تسعة خبراء من شاغلي المناصب العليا، لا تقل خدمتهم عن عشرين عاماً في نفس المجال. يُضاف لعضوية اللجان طاقمٌ مساعد من أحد عشر عضواً تختارهم لجان المقاومة وتجمُّع المهنيين حسب المؤهل المهني مع مُراعاة التمثيل القومي والنِسوي.
خمسة عشر: لجنة الدستور. يُرشح أعضاءها التسعة تجمُّع القضاة والنيابات ونقابة المحامين وعمداء كلية القانون بالجامعات الحكومية، بالإضافة إلى واحد وعشرين عضواً تختارهم القوى الموقعة على هذا الإعلان ويُراعى التمثيل الفئوي والنسوي لقطاعات المجتمع المدني والإدارات الاهلية.
تُقدّم النسخة الأخيرة من الدستور للاستفتاء العام قبل ثلاثة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية.
ستة عشر: فيما عدا ما ذُكِر أعلاه، تظل هياكل السلطة وكافة الإجراءات القائمة وفقاً لدستور 2005م سارية المفعول لحين صدور قرار بإلغائها أو تعديلها من قبل رئيس الجمهورية المُنتخب ومصادقة المجلس التشريعي الانتقالي عليها.
mannaag3@gmail.com

تاريخ الخبر: 2022-03-20 18:23:16
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية