طريق بكين لا يمر عبر موسكو


مع اشتداد وطأة الحرب على أوكرانيا وما تُصاحبها من أزمات لاجئين وأغذية واستنفارات عسكرية على الحدود مع بولندا، ينجذب تركيز الكتاب وخبراء السياسات في الولايات المتحدة الى مكان واحد: الصين، بصفتها التهديد الأول والأبرز في سلم أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

د.مهند حاج علي

ربما لهذا السبب كان الخبر الأبرز لهذا الأسبوع أن الرئيس الأميركي جو بايدن حذر نظيره الصيني شي جي بين من مغبة التورط في الحرب عبر تسليم روسيا مساعدات عسكرية لتسهيل عملياتها “الخاصة” داخل أوكرانيا وباتجاه العاصمة كييف والعمق الأوكراني. لكن ووفقاً لتقارير إعلامية أميركية، لم ينته الاتصال بما يُناسب رغبة الجانب الأميركي، إذ كان الرئيس الصيني يُشدد على ضرورة تكثيف المفاوضات والاستجابة للحاجات الأمنية للطرفين، أي عملياً مساواة المعتدي والمُعتدى عليه في الصراع. ليس هناك من كلام صيني نهائي حيال عدم مساعدة روسيا في الحرب، سيما أن العقوبات أو بكلام أصح، الحصار الغربي على روسيا، لن يكون بالفاعلية ذاتها في حال عدم تعاون الصين، والنموذج الإيراني اليوم واضح في هذا المجال. سيزداد اعتماد روسيا على الصين للتهرب من العقوبات ولإبقاء اقتصادها على قيد الحياة، إلا أن لذلك ثمناً سياسياً يضع موسكو في دائرة نفوذ جارتها العملاقة اقتصادياً.
لكن السؤال الأساسي هنا هو كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الصين، أو أي مقاربة ستتبناها واشنطن حيال بكين؟
هذا موضع نقاش محموم في واشنطن حول تبني سياسة جديدة مع الصين، ليس ببعيد عن النقاشات سابقاً وحالياً حول ضرورة مواجهة الرئيس بوتين، أو استيعاب مخاوفه الأمنية والتشابك معه اقتصادياً. لكن هذا النقاش الأخير ينحو باتجاه الحسم بعدم صواب السياسات الغربية السابقة حيال موسكو، والتي لم تقطع حبل العلاقات والمصالح الاقتصادية معها على أساس أنها تُساعد في التخفيف من حدة السياسات الروسية، وتمنح الاتحاد الأوروبي قدرة على الضغط. لا بل هناك اليوم من يرى أن هذه السياسات عينها شجعت بوتين على حربه اليوم.
وهذا الرأي اليوم في الغرب يُسهم في صوغ التفكير حيال الصين، باتجاه التعجيل في تصحيح المقاربة معها لناحية التشدد معها والاستعداد لمواجهة على عجل. الصقور غالباً يستغلون الحرب الحالية من أجل الدفع باتجاه المزيد من التشدد، وهذا طبيعي. لكن للحرب على أوكرانيا، وقعاً يتجاوز هذا الانقسام التقليدي بين صقور وحمائم في مقاربة السياسة الخارجية، ويُحتّم اهتماماً أوسع بالأمن والعسكر مما كان سائداً خلال السنوات والعقود الماضية.
لكن هل بالإمكان مقاربة العلاقة مع الصين ودورها الخارجي بالطريقة ذاتها لروسيا بقيادة بوتين؟ الإجابة بنعم تفترض أن الرئيسين الصيني والروسي سيان في مقاربتهما وطموحهما التوسعي، وهذا غير صحيح. لم تُظهر الصين استعداداً ولا ثقة في استثمار فائضها المالي في تعزيز سياساتها الخارجية وشبكة نفوذها بالعالم بالقدر ذاته. وباستثناء قاعدة يتيمة في جيبوتي، لا وجود عسكرياً صينياً خارج البلاد، على عكس جيوش الولايات المتحدة المنتشرة في بقاع العالم، وإلى حد أقل، روسيا بجيشها وميلشياتها غير النظامية.
والرئيس الصيني، كما كتب كيري براون هذا الأسبوع (العدد الأخير من مجلة بروسبكت البريطانية)، لديه باع طويل في السياسة، ولا يتحدر من تجربة عسكرية أو أمنية على غرار ضابط الاستخبارات السابق فلاديمير بوتين. والحقيقة أن طريق الرئيس الصيني في السياسة كانت محفوفة بالتحديات. هو نجل سياسي وصل الى موقع نائب رئيس الوزراء الصيني، وتعرض للملاحقة والسجن لسنوات ابان عهد الرئيس الراحل ماو تسي تونغ. نُفي شي جين بين إلى الريف الصيني عقاباً، لكن ذلك سرعان ما تحول الى فرصة لتنويع خلفيته (ماو تحدر من خلفية زراعية) وإعادة إطلاق نفسه مجدداً من خلال التدرج في الحزب الشيوعي، محلياً، وبعيداً عن الإرث الثقيل لوالده.
إضافة لخلفية الرئيس ومنطلقاته السياسية، هناك سياسة عامة للبلاد تُؤثر فيها المصالح الاقتصادية. ذاك أن مقاربة الصين مختلفة لأنها أكثر ارتباطاً بالاقتصاد العالمي، وبمحيطها المباشر والاقتصاد الأميركي كذلك. على عكس الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي، الاقتصاد الصيني ينمو وتستثمر بكين في طاقاتها التقنية ومختبراتها العلمية كي تكون رائدة في مجال الابتكار. وهذا فارق نوعي، ذاك أن الأنظمة الشمولية المُحاربة تتسم غالباً بقلة أمان وفقدان للثقة في العلاقة مع العالم الخارجي، في حين ترغب بكين في التركيز على نمو اقتصادها وتعزيز علاقاتها التجارية مع العالم، على أساس احترام السيادة وتجنب التدخل في شؤون الدول الأخرى وصراعاتها. عامل آخر في اثارة الصراعات والحروب لدى مثل هذه الأنظمة، يكمن في الحاجة لانتاج عدو خارجي واخافة الداخل لحماية النظام من حنق المواطنين. ولكن في الحالة الصينية، تمكن الرئيس خلال العقد الماضي من انتاج واقع اقتصادي وتنموي غير مسبوق، ولديه بالتالي فائض من الولاء بالداخل.
لكن، في الوقت ذاته، للمواجهة مع الصين بُعدٌ أيديولوجي، ذاك أنها تنجح، كنموذج، حيث فشل الاتحاد السوفييتي، أكان لجهة النمو والتطور أو لناحية تعزيز القدرات العسكرية. وحين تنجح الصين في فرض نفسها كقوة رائدة في العالم بديلاً عن الولايات المتحدة، ستكون هناك انعكاسات سياسية لانتصار هذا النموذج، في ظل عجز دول الغرب عن النمو اقتصادياً بالسرعة ذاتها، واتساع انقساماتها الداخلية وصعود ساسة شعبويين يعبثون بالسلم الأهلي خدمة لمصالح ضيقة.
ما زال من المبكر التنبؤ بخاتمة هذا السباق واحتمالات الصدام، ولهذا فإن الوجهة الأسلم هي مواصلة التعاون مرحلياً في ملفات عاجلة مثل تبدل المناخ ومنع المزيد من انتشار السلاح النووي. لكن بعد حرب أوكرانيا وفي ظل حمأة الحرب الحالية وكلما ارتفعت وتيرة التصعيد، لا تجد مثل هذه المقاربات آذاناً صاغية في عواصم القرار.

نقلاُ عن صحيفة المدن

تاريخ الخبر: 2022-03-22 00:21:58
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

شي جين بينغ يبحث عن فهم أوروبي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:24
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 93%

غموض مستقبل محمد صلاح يدفع الاتحاد السعودي لاتخاذ خطوة حاسمة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:20
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 91%

صحيفة: "الفطيرة الروسية" ألغيت من مأدبة ماكرون وشي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:07
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 85%

نقطة النهاية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:26
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 86%

صندوق النقد الدولي يؤكد تراجع الاعتماد على الدولار في العالم

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:09
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 89%

مصر.. مجموعة مجهولة تتبنى قتل رجل الأعمال الكندي في الإسكندرية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:07:08
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية