تحت عنوان "كشف الحجاب عن الحجاب" ... المرأة في التراث الإسلامي، صدر كتاب جديد للباحث المغربي رشيد إيلال. والذي قال لــ "الدستور" يدعي رجال الدين ومن يدور في فلكهم، بأن التراث الذي أنتجوه ويسمونه دينا قد كرم المرأة أيما تكريم، فقد كانت هذه المرأة - حسب زعمهم - مضطهدة ومقهورة ومنكلا بها من طرف كل الأديان والثقافات، حتى جاء الإسلام فحررها من عبودية وقهر الذكور والمجتمعات غير الإسلامية، وطبعا الإسلام الذي يتحدثون عنه يقدمونه على أنه القرآن والسنة بفهم السلف الصالح من الأئمة العظماء، الذين لا يتسرب لإيمانهم شك ولا لفمهم خطل أو خطأ.

وتابع "إيلال" موضحا: وكعادة كل باحث عن الحقيقة، لا يخطب إلا ودها، ولا يبتغي عنها حولا، لم أسلم بما ادعاه شيوخنا الذين يتمترس بهم الإسلاميون، حيث لا يفوتون الفرصة لترديد المقولة التي لا يتزحزحون عنها:(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) فيغازلون النساء بالقول: (إن في مشروعنا المجتمعي والسياسي، تكمن عزتها وسؤددها وحريتها، بالعودة إلى البيت خادمة مطيعة ومنصاعة للسيد البعل، جوهرة مصونة)  في تلصص انتخابي على مخزون ثقافي هيأ الكثير من النساء ليقعن ضحية هؤلاء بشكل سهل وسلس.

وأوضح "إيلال": لذلك أردت من خلال هذا الكتاب "كشف الحجاب عن الحجاب" أن أمتحن هذا الادعاء، بالرجوع إلى ما صنفه وألفه السادة المحدثون والسادة الفقهاء، والأئمة الكبار في مختلف العصور بدءا بالعصر الأول للتدوين الذي نشأ مع نشوء الفقه، حيث كان الفقيه يحتاج إلى نص يعلل به فتواه ويعضدها، لنقف على ما حبره هؤلاء الأئمة، الذين يعتبر كلامهم فيصلا لدى الإسلام السياسي ومرجعا لا محيد عنه في مشروعه لدولة الخلافة، التي يحلم الإسلاميون ويبشرون بها في كل لحظة وحين، لنرى هل فعلا تم تكريم المرأة في هذا التراث؟ أم أننا سنكتشف عكس الادعاء، وسنقف على عمق الجراح التي عاشتها المرأة في ظل هذا التراث الذي ادعى لأربعة عشر قرنا مضت ولا يزال يدعي بأنه مخلص للمرأة ومنقذ لها؟ .

ولفت "إيلال" إلي أننه يقدم في كتابه "كشف الحجاب عن الحجاب"، خلاصة بحث غير متسرع في وضعية المرأة ومكانتها في التراث الحديثي والفقهي المنسوب للإسلام، ولا أقول أن هذا التراث هو الإسلام نفسه، باعتبار أن التفاعل مع الدين بالفهم والتفسير والتدبر ما هو إلا تراث ديني، والنص الديني يبقى نصا جامدا ما لم تحركه أفهامنا التي يحكمها السقف المعرفي والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أنتجت هذا الفهم والشرط التاريخي الزمكاني المؤطر له.

وقد اخترت لهذا الكتاب الذي هو عبارة عن دراسة في مكانة المرأة داخل التراث الإسلامي عنوانا (ما وراء الحجاب) للإشارة إلى ما يخفيه هؤلاء الذين يدعون المرأة إلى لبس الحجاب، من طوام وفظائع تنتظر هذه المحجبة بعد أن ترتدي الحجاب، غير أني نبهت إلى أن عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي لديها كتاب يحمل نفس العنوان، فقمت بتغييره إلى (كشف الحجاب عن الحجاب) باقتراح من صديقي المفكر سعيد ناشيد.

هذا الكتاب يوضح أن مشكلة المرأة ليست مع قطعة من قماش ترتديها، باعتبار أن اللباس حرية شخصية في النهاية، بقدر ما سيكون لديها مصائب مع ترسانة من الفتاوى والتشريعات الفقهية والأحاديث التي ستؤطر حياتها وستؤثر عليها بشكل رهيب، كما سنقف عليها مرجعة إلى مصادرها من كتب هؤلاء الشيوخ المعتمدة ونصوصهم الصحيحة، التي لا يتسرب إليها شك لديهم ولا تعتريها الظنون في منظومتهم.

واختتم "إيلال" مؤكدا: ولا أخفيكم أني ترددت كثيرا في إصدار هذا البحث، زهاء ثلاث سنوات تقريبا، على اعتبار حساسيته، وما قد يثيره من ردود أفعال متشنجة، لا تحاول أن تعطي لنفسها فرصة، كي تتأكد من حقيقة المعلومات والنقول الكثيرة التي أوردتها فيه، كعادة مقدسي الماضي الذين يصمون آذانهم عن كل إصغاء أو استماع لصوت المخالف، ويغمضون أعينهم عن كل رؤية للحقائق الجلية التي نقدمها لهم من بطون كتبهم، لا نزيد على ما فيها ولا ننقص، ونترك الحكم للقارئ الحصيف الذي يفهم أن للكلام معنى، وأن لكل خطاب سباق وسياق ولحاق.