تأهيل الموظف


ليس عبء الوظيفة عذراً يُسقط عن كاهل الموظف واجبَ تطوير النفس واستدامة التكون المعرفي بالجهود الخاصة، بل عليه أن يسعى حثيثاً لأجل الاستزادة في كل ما يمتُّ إلى صميم عمله بالصلة، سواء في ذلك ما يتعلق بالمعلومات النظرية ومتابعة الجديد مما يتوصل إليه الباحثون في نفس المجال، وما يتعلق بالخبرات والمهارات التطبيقية لنظرائه..

لا يُوجد وقت معيَّن يَستغني الإنسان بحلوله عن اكتساب المعرفة وتطويرِ النفس في مجالها، كما أنه لا يُوجد مستوى معرفي إذا وصله قال لسانُ حاله: (امْتلأَ الحوضُ وقالَ قطْنِي)، فالعمر كلُّهُ وقت لجَنْيِ المعارفِ واستثمارِها وتطويرها، وإنما تختلف الأعمارُ والمستوياتُ بحسب نوعيةِ الطلب وكمِّيِته وكيفيَّته ووسائله، فلكل مرحلة من مراحل العمر من ذلك ما يلائمها، ولكل مستوى من مستَوَيات العلم روافدُ ينبغي أن يستمدَّ منها صاحبه المزيدَ من المعلومات، وأن يطوِّرَ نفسه من خلالها، ويتفاوت تمكُّن الناس من تخصصاتهم وحذقُهم فيها بحسب تعاهُدِ المكتسب من المعرفة والمحافظةِ عليه من غائلةِ النسيان، وبحسبِ محاولة تنميته وتزكيته وإضافة الجديد إليه، ويشتركُ المتعلمون قاطبةً في مبدأ أهميةِ التكون والتطور وصقلِ المواهب وتحديث المهارات العلمية، لكن تتضاعف تلك الأهمية في حق من يتولَّى منهم وظيفة أو عملاً لا سيما الوظيفة العمومية التي يتأثر المجتمع بنوعِ أداء متقلدِّها إيجاباً أو سلباً، ولي مع ذلك وقفات:

الوقفة الأولى: أهمية اكتساب الموظف ثقافةً عاليةً فيما هو بصدد تولِّيه على حسب ما يلمس من نفسه من الحاجة والقصور، فيسُدُّ ما أمكنه من الثغرات التي يرى أنها تكتنف شخصيتَه في مجاله، ومعلوم أن الوظائف لا تُناط بالناس عشوائيّاً، بل يرشح لكل منها من تهيَّأ لها، وكان حقيقاً بأن يقوم بأعبائها، ولكل مجالٍ معاييره التي ترشد إلى من ينبغي أن يُعتمد عليه فيه، والذي ينبغي أن لا يقتصر المترشح من ذلك على المتطلَّبات التي هي مجرد أماراتٍ يُسترشدُ بها على التأهل، فهو أدرى بنفسه، ولا يعني أن الإنسان نال درجاتٍ عالية في تخصصٍ معينٍ أن جميع جوانبه متساوية عنده في إتقانها، ولا يخفى عليه الفرق بين ما أتقنه بالفعل، وبين ما يحتاج فيه إلى جهدٍ زائدٍ ينقل مستواه فيه من التهيُّؤ للمعرفة إلى حصولها بالفعل، فإذا تقدم لعملٍ يضمن أنه توفرت فيه شروطه من ناحية المؤهل الأكاديمي، فلا ينبغي له أن يكتفي بهذا، بل يُسابقُ الوقت ليرفع مستواه فيه، فإن كان نظرياً قرأ فيه ما أمكنه، وإن كان عملياً نمَّى فيه خبرته، وكذلك ينبغي لكل جهةٍ أن تهتم بتدريب من تريد توظيفه.

الوقفة الثانية: ليس عبء الوظيفة عذراً يُسقط عن كاهل الموظف واجبَ تطوير النفس واستدامة التكون المعرفي بالجهود الخاصة، بل عليه أن يسعى حثيثاً لأجل الاستزادة في كل ما يمتُّ إلى صميم عمله بالصلة، سواء في ذلك ما يتعلق بالمعلومات النظرية ومتابعة الجديد مما يتوصل إليه الباحثون في نفس المجال، وما يتعلق بالخبرات والمهارات التطبيقية لنظرائه، فمثلاً: لا يستغني موظف القضاء عن استدامة النظر في الفقه وآلاته والأنظمة واللوائح المتعلقة بها، ومتابعة كل ما يتعلق بتخصصه من مختلف الزوايا، ولو وسع دائرته فاهتم بسير القضاة وأدمن النظر فيما يزخر به التراث من أقضية العلماء لكان في ذلك صقلٌ كبيرٌ لمواهبه، وإضافةٌ كبيرةٌ في معارفه، ومن بذل ما ينبغي أن يبذله من تلك الجهود لم يقتصر نفعها على تميُّزِ شخصيته فقط، بل يكون نفعاً متعدياً إلى المجتمع؛ لأن أحكامه ستكون متقنةً أكثر، ومداركه ستتوسع بحيث يستفيد من أحكامه من لم يتمكن من بَذْلِ مثل ما بَذَل، وقُلْ مثل ذلك في جهات التحقيق، والتعليم، والطب، فكل منسوبيها يحتاجون دائماً وأبداً للاستزادة في مجال عملهم وتخصصهم، ومواكبة ما يستجد من علومٍ وأنظمةٍ، ومن يُسندُ له من هؤلاء تحرير خطاب، أو نحوه فضروريٌّ له مزيد العناية بقواعد العربية والإملاء، وليس هذا من قبيل الكماليات، بل خلو الخطاب من الأخطاء أمرٌ لا بُدَّ منه، وهذا كفيلٌ بإذن الله تعالى بأن تكون المخرجات من الإتقان بمكان.

الوقفة الثالثة: الجهة المشغِّلة للموظف عليها مسؤوليةُ أن لا تكله إلى نفسه فيما تقدم، والشأن المعهود أنه لا تكله، لكن ينبغي لها أن تحرص على تطوير آلية ذلك باستمرار، وذلك بتكثيف الأنشطة التي تضمن استمرار تطور الموظف، وتحفيز وتشجيع الموظف الذي يتخذ لنفسه برنامجَ تطويرٍ ملموسَ النتائج؛ ليكون قدوة حسنة لسائر زملائه، ولا يعني ذلك أن فيهم ضعفاً؛ لأن الإنسان الكفء بكل ما تعنيه الكلمة لا يستغني عما يدعم كفاءته وينمّيها ويوقظ فيه مزيد العبقرية والنبوغ، وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد المتابعة لأداء عُمَّاله، ولا تمنعه كفاءتهم ورفعة شأنهم من إمدادهم بالنصائح والتوجيهات العلمية والعملية، وقد اشتهر من ذلك كتابه إلى أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه المشهور بكتاب سياسة القضاء وتدبير الحكم، وله كتاب آخر إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

نقلاً عن "الرياض"

تاريخ الخبر: 2022-03-24 21:17:43
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 92%

آخر الأخبار حول العالم

انخفاض الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 8.7% خلال مارس 2024م السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-09 09:23:59
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

تحديد سعر الطرح النهائي لاكتتاب مياهنا عند 11.50 ريال للسهم

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-09 09:24:25
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 50%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 09:25:06
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

الصين توصي باستخدام نظام بيدو للملاحة في الدراجات الكهربائية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 09:25:04
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية