الإفتاء توضح المعنى المراد من حديث «إن الله هو المسعر»


تلقت دار الإفتاء سؤال يقول فيه صاحبه :ما المعنى المراد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما طُلِب منه التسعير: «إنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ..» إلخ الحديث؟ وهل الحديث يدل على حرمة التسعير؟. 

وأجابت دار للافتاء أن هذا الحديث لا يدلّ على تحريم التسعير، وإنما هو تنبيهٌ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنَّ الأمر على الحقيقة إنما هو بيد الله تعالى، وأرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى التعلق بالله تعالى ودعائه؛ فعلى المسلم اللجوء إلى الله تعالى في الأزمات، مع اتّخاذ الأسباب المُمْكنة، والوسائل المتاحة. 

وتابعت : روى الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلا السِّعْرُ؛ فَسَعِّرْ لَنَا! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ؛ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ مِنْ دَمٍ وَلا مَالٍ»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حِبّان، وإسناده على شرط الإمام مسلم كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني.

ومعنى هذا الحديث: لفت نظر الصحابة إلى نسبة الأفعال حقيقةً إلى الله تعالى؛ كما في قوله عز وجل: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17]؛ فإنهم لَمّا اشتكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاءَ السعر نبّههم على أنَّ غلاء الأسعار ورخصها إنما هو بيد الله تعالى، وأرشدهم بذلك إلى التعلق بالله تعالى ودعائه؛ كما جاء في الرواية الأخرى بسند حسن عند أبي داود في "سننه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَعِّرْ لَنَا، فقال: «بَلْ أَدْعُو».

موضحه وبذلك يُعلَم أنَّ هذا الحديث لا يدلّ على تحريم التسعير؛ فإنه تنبيه على اللجوء إلى الله تعالى في الأزمات، مع اتخاذ الأسباب الممكنة، والسبل المتاحة، والوسائل المقدورة، وحتى لو فُهِم من الحديث امتناعُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التسعير فإنَّ هذه واقعةُ عينٍ جاءت على حال معينة لها ظروفُها وملابساتُها، وقد تقرَّر في قواعد الأصول: أنَّ وقائع الأعيان لا عمومَ لها، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "قَضَايَا الأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الاسْتِدْلال"؛ فهذا الحديث لَمّا كان واردًا على قضية عينٍ لم يصحّ حملُه على عمومه.

قال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (28/ 76، ط. مجمع الملك فهد): [ومَن منع التسعير مطلقًا محتجًّا بهذا الحديث فقد غلط؛ فإنَّ هذه قضية معينة وليست لفظًا عامًّا، وليس فيها أنَّ أحدًا امتنع من بيعٍ يجب عليه، أو عملٍ يجب عليه؛ أو طلبَ في ذلك أكثرَ من عوض المثل] اهـ بتصرف يسير.

مشيرة الي انه كما أنَّ امتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التسعير في هذه الحالة لا يعني أنَّه حرامٌ مطلَقًا؛ فإنَّ التسعير منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز؛ كما يقول الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (28/ 76): [فإذا تضمن ظلمَ الناس وإكراهَهم بغير حق على البيع بثمن لا يرضَوْنه، أو مَنْعَهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس؛ مثل: إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومَنْعَهم ممَّا يَحرُم عليهم مِن أخذ زيادةٍ على عِوَض المثل فهو جائز، بل واجبٌ] اهـ.
ومعنى ذلك: أنَّ امتناعه صلى الله عليه وآله وسلم من التسعير هو من تصرّفاته بمقتضى الإمامة والسياسة الشرعية؛ حيث راعى النبي عليه الصلاة والسلام المصلحةَ التي كانت تدعو إليها تلك الظروف حينئذٍ، وكان امتناعه صلى الله عليه وآله وسلم عن التسعير معلَّلًا بقوله: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ مِنْ دَمٍ وَلا مَالٍ»؛ أي: أنَّه راعى ألا ينال أحدًا شيءٌ من الظلم، بائعًا كان أم مشتريًا، وذلك بالمحافظة على ميزان العدالة بينهم، وذلك كما يكون بحماية البائع من إلزام المشتري إياه بسعر دون الذي يريد بغير حقّ، يكون أيضًا بحماية المشتري من غبن البائع له واستغلال ضرورته وحاجته، كما في حالة الاحتكار التي تستدعي التسعير لمقاومة ظلم المحتكرين، ولو كان هذا الغلاء مسبَّبًا عن ظلم الباعة من جهة أو المشترين من جهة أخرى لسعى صلى الله عليه وآله وسلم في رفع هذا الظلم بالأخذ على يد الظالم وإلزامه بحدٍّ لا يتجاوزه؛ فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» رواه ابن ماجه في "سننه".

اقرأ أيضا | «الإفتاء» توضح ما يقال في السجود من صيغ الدعاء والاستغفار

تاريخ الخبر: 2022-03-24 21:19:07
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

عيد الأضحى.. PJD: الحكومة قضت على القطيع الوطني وبددت أموال عمومية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:26
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

الشعلة الأولمبية تغادر ميناء اليونان صوب فرنسا في رحلة تستغرق 11 يوما

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

مفاوضات الهدنة بغزة.. ترقب لرد "حماس" على ملاحظات إسرائيل

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:24
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

أمطار مصحوبة رعد.. توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

طقس الاثنين.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:09:36
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 83%

"PJD" يطالب الحكومة بمعالجة "المآسي الاجتماعية" لبرنامج فرصة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

الوزارة تؤجل عرض الأساتذة الموقوفين على المجالس التأديبية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:10:21
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية