معتزة عبدالصبور: ابتعدت عن المسرح بسبب «الشللية» وصُنّاع السينما حصرونى فى الكوميديا النمطية

قالت الفنانة معتزة عبدالصبور إن ابتعادها عن المشاركة فى الأعمال الفنية فى السنوات الأخيرة، جاء بسبب «الشللية» وطبيعة بيئة الإنتاج التى تجعل من غير المسموح لها العمل بمسرح الدولة؛ لأنها ليست موظفة بوزارة الثقافة، بالإضافة إلى حصر صناع السينما لها فى الأدوار الكوميدية النمطية.

وأوضحت، خلال حديثها مع «الدستور»، أن نشأتها فى بيت الكاتب الكبير صلاح عبدالصبور جعلتها أكثر انفتاحًا على العالم، خاصة أن القراءة والكتابة والفن كانت فى بيتهم مثل الأكل والشرب، مشيرة إلى أن اهتمامها بفن التمثيل بدأ أثناء دراستها بإحدى مدارس الولايات المتحدة، قبل أن تقرر دراسة الأدب الإنجليزى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، الأمر الذى أسهم فى إثراء شخصيتها معرفيًا وثقافيًا.

وأشارت إلى أن تعليم الفنون فى مصر توقف عند مناهج بداية القرن العشرين، الأمر الذى جعلها تهتم كثيرًا بمجال الورش والتدريب لنقل الخبرات التى تعلمتها فى الخارج إلى الأجيال الجديدة، مقدمة الشكر لرجل الأعمال سميح ساويرس؛ لمساعدتها فى المشاركة ببعض الورش التدريبية بالخارج، بالإضافة إلى الناقدة الكبيرة الراحلة نهاد صليحة، والدكتورة هدى وصفى، مديرة المسرح القومى ومسرح الهناجر السابقة، على جهودهما التى أسهمت فى إخراج جيل كامل من الفنانين الموهوبين. 

■ بداية.. كيف أثَّر كونك ابنة كاتب كبير مثل صلاح عبدالصبور فى تكوينك المعرفى؟

- كونى ابنة صلاح عبدالصبور لم يؤثر فقط فى تكوينى المعرفى، بل فى شخصيتى وطبيعتى الروحية والمعرفية، فقد تعلمت النزاهة والشرف والجدية واستقبال العالم برحابة، ومنذ طفولتى والمسرح والكتب والقراءة واللقاءات مع الفنانين والموسيقيين والتشكيليين والشعراء المصريين والعرب والعالميين هى حياتنا، لذا كنت منفتحة على هذا العالم حتى قبل أن أتعلم الكلام، والقراءة فى بيتنا هى شىء أساسى مثل الأكل والشرب. 

كما أن سفرى مع أسرتى إلى الهند فى سن صغيرة وانفتاحى على ثقافة من أغنى الثقافات فى العالم، ببعديها الجمالى والروحانى، كان له تأثير كبير على طبيعتى، لذا فأنا مدينة لسنوات الهند، لأنها جعلتنى أكثر رحابة فى التعامل مع الآخر المختلف عنى، وهذا شىء أساسى فى تكوين أى فنان حقيقى. 

■ متى بدأت علاقتك بفن التمثيل؟

- أثناء سفرى إلى الولايات المتحدة فى آخر سنتين بدراستى قبل الجامعية بدأت علاقتى بالمسرح، لأن المسرح فى المدرسة هناك شىء أساسى جدًا، ولا يتم التعامل معه على أنه مجرد نشاط طلابى، بل معمل لبناء الإنسان والفنان، ويضاهى فى إمكاناته ومناهجه والاهتمام به أى مسرح محترف.

وحين عدت لمصر دخلت قسم الأدب الإنجليزى والمقارن بالجامعة الأمريكية، وهو واحد من أكثر الأقسام أهمية وعراقة بالجامعة الأمريكية، وفى نفس الوقت التحقت بكورسات فى قسم المسرح للتمثيل والإخراج، واشتركت فى كل مسرحيات الجامعة، سواء كانت من إخراج الطلبة أو الأساتذة، وكان الدكتور محمود اللوزى من أكثر الأساتذة الذين أثَّروا فى تكوينى، وكذلك جريج هنرى، وهو حاليًا رئيس مركز لينكولن للفنون المسرحية فى نيويورك.

■ لماذا قررت التوجه لدراسة الأدب الإنجليزى بدلًا من دراسة الفنون المسرحية؟ 

- دراستى الأدب أثرتنى كممثلة وعلمتنى احترام النص، لأنى شعرت بأنى أستطيع تعلم الأمرين معًا، الدراما والمسرح، وفى نفس الوقت أستكمل دراساتى العليا فى الأدب الإنجليزى والمقارن، وذلك وفقًا لنصيحة والدتى التى كان لديها بُعد نظر فى هذا الأمر، الذى صقلنى معرفيًا وثقافيًا، وكلما مر الوقت علىَّ أدركت جيدًا الفرق بين الممثل الذى لديه خلفية ثقافية ومعرفية ومن لا يملك ذلك، خاصة الممثل المسرحى.

■ كيف بدأ احترافك فن التمثيل؟

- أخبرنى أحد الأصدقاء ذات يوم بأن المخرج العراقى جواد الأسدى سيقدم عرضًا مسرحيًا لمسرحية «هاملت» لـ«شكسبير»، ويجرى اختبارات أداء لاختيار البطلة «أوفيليا»، فتقدمت إليها، وتعمدت ألا أخبره بأنى ابنة صلاح عبدالصبور، فاختارنى لأداء الدور، ومن هنا بدأت علاقتى بالمسرح، وبدأت مسيرة ١٠ سنوات من عمرى كانت فارقة جدًا فى تطورى كممثلة.

ولا أحد يستطيع أن ينكر الفرص التى حصلنا عليها أثناء فترة تولى الدكتورة هدى وصفى إدارة مركز الهناجر للفنون، سواء فى العمل أو فى المسرح أو فى التدريب، لأنها كانت تدعو مدربين مهمين جدًا، وتختارهم بموضوعية ودون حسابات شخصية، لأن مثل تلك الحسابات تدمر المسرح والثقافة. 

ولذلك فإن جيلًا كاملًا من الفنانين ظهر فى ذلك الوقت، وحصل على دعم كبير من الدولة ووزارة الثقافة، لا لشىء إلا لأنهم موهوبون، وهذا الجيل الذى احتضنته الدكتورة نهاد صليحة والدكتورة هدى وصفى هو الذى تم تهميشه فيما بعد، لذا أنتهز الفرصة وأعبر عن منتهى الحب والاحترام والامتنان لهما. 

■ لماذا فضلت العمل بالمسرح على السينما؟

- المسرح كان يقدرنى ويستثمر ما لدى من موهبة، وقد حصلت على جائزة أفضل ممثلة فى المهرجان القومى للمسرح عن دورى فى مسرحية «ذاكرة المياه» للمخرجة عفت يحيى، وقد عملت مع جميع المخرجين ومع فرق مختلفة، لكن ما جعلنى أبتعد مؤخرًا هو بيئة الإنتاج، لأنها لم تصبح كما كانت وتحكمها الشللية، فأنا ممثلة مسرح محترفة وحاصلة على جوائز، ورغم ذلك غير مسموح لى بالعمل فى مسرح الدولة؛ لأنى لست موظفة بوزارة الثقافة.

أما عن السينما، التى بدأتُ العمل بها بعد ذلك، فقد حصرنى صناعها للأسف فى أدوار كوميدية تستند إلى التنميط فى الأداء الصوتى والجسدى.

■ ما رأيك فى المسرحيات الكوميدية المقدمة فى السنوات الأخيرة؟

- هل على الفنان أن يهين جسده للإضحاك، أم أن الجسد هو إحدى الأدوات الهامة التى يتحكم بها الفنان لتوصيل المعنى وتنعكس عليه الخلفيات الثقافية والاجتماعية وما يدور بذهنه وعاطفته؟ العالم الروسى يورى أيسكيدز، رئيس المركز العالمى لتدريب المسرح فى برلين، يقول: «الفنان لا يكون أبدًا مبتذلًا»، وقد قدمنا عرض «أنطونيو وكيلوبطة» مع خالد الصاوى، وكان كوميديا مسخرة، لكن دون ابتذال، بمعنى أننا قدمنا فى أقصى لحظات الكوميديا نقدًا سياسيًا واجتماعيًا.

■ من واقع خبرتك.. ما أهم العلوم التى يحتاج إليها الممثل فى عمله؟ 

- هناك تماس شديد بين علم النفس والتمثيل، لأن كل مناهج التمثيل الحديثة استندت إلى دراسات عالم النفس الشهير كارل يونج، كما أن دراسة الأدب مهمة طبعًا، لأن قراءة أعمال تشيخوف وتينيسى ويليامز وآرثر ميلر وسعدالله ونوس وصلاح عبدالصبور، وغيرهم، تُكسب الفنان خبرات إضافية، سواء كان يمثل الإلياذة أو يمثل فى إعلان تجارى، لأن المعرفة والقراءة هما الثروة، التى تجعل التمثيل يعكس طبقات مختلفة، وهذا بالطبع إلى جانب الموسيقى والفن التشكيلى، وكثير من الورش والتدريبات الاحترافية.

والممثل المحترف له أبعاد نفسية وأخلاقية وثقافية وجسدية لا بد أن تتطور، وتكون لدى الممثل القدرة على التحكم فيها، وهناك من يعتقد أن التمثيل هو القدرة على البكاء والتأثير فى الجمهور عبر الدموع، لكن كما يقول بابى لوز، وهو مدرب تمثيل مهم جدًا: «لو كان التمثيل مسابقة فى من يستطيع أن يبكى أكثر لفازت خالتى بالجائزة الأولى».

لذا، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن القدرة على التحكم هى ميزة الممثل المحترف، وقدرته على فهم أبعاد الشخصية وما يصدر عنها وما لا يمكن أن تفعله، هو أمر صعب، لأن المسألة بمثابة إحلال روح الشخصية مكان روح الممثل.

وهنا بالطبع لا أتحدث عن الممثلين الذين يمارسون التمثيل كمهنة، ويستهلكونها، بل عن الممثل الذى يريد أن يكون ذا قيمة، مثل أحمد زكى وسعاد حسنى ومحمود المليجى ونجيب الريحانى، أى الممثل الذى تشاهد الأجيال القادمة أداءه بعد ٥٠ سنة، وتكون لديهم ذات الدهشة التى حدثت لنا. 

■ ما أكثر التدريبات والورش التى أثَّرت فى تكوينك الفنى؟

- كل الورش التدريبية التى حصلت عليها أفادتنى كثيرًا، ولا أنسى ورشة دعانى إليها المخرج المسرحى حسن الجريتلى، وكانت لفنانة يابانية تدرب على فن «البوتو»، لتكون بعد ذلك من أكثر الورش التى أثَّرت فى تكوينى، وهذا الفن يشتغل عكس الجماليات التقليدية لجسد الممثل، ويكتشف فى الجسد طاقات أخرى، ويمرن العضلات عكس المألوف، كما أثرت فىّ ورشة تدريبية مع مدرب إيطالى فى «الكوميديا ديلارتى» على لغة الجسد فى شخصيات كوميدية نمطية.

ولفترة طويلة لم أتوقف عن تطوير نفسى كممثلة، وحصلت على منحة مهمة فى لندن مع مدرب من أهم المدربين فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وهو دريس فورمان، الذى يدرب على منهج حديث جدًا للممثل، وهو سيكولوجية الحركة، وقد استدعيته بعدها لنقل هذه الخبرة إلى مصر. 

وبعدها تدربت مع أستاذ من أهم أساتذة المسرح فى العالم، وهو الروسى يورى أيسكيدز، رئيس المركز العالمى لتدريب المسرح فى برلين، وهو تلميذ مباشر للمخرج والمدرب المسرحى جيرزى جروتوفسكى والشاعر الروسى فلاديمير مايكوفسكى، وهو من عباقرة المسرحيين الروس، وهو مدرب انتقائى جدًا ويعمل بأجر كبير، وقد قبلنى بعد عدد من المقابلات، ودعمنى وقتها وتكفل بدراستى رجل الأعمال المهندس سميح ساويرس، وسأظل ممتنة لهذا الأمر كثيرًا. 

وبعد ذلك عدت إلى مصر ولدى مسئولية كبيرة لنقل الخبرات العملية التى تعلمتها، لأن ذلك ضرورة، خاصة أننا متأخرون كثيرًا فى تدريس الممثل، لأنه لا يوجد شىء اسمه «أنا موهوب وهمثل»، فبخلاف الموهبة توجد حرفة، وكل ممثل عالمى هو متدرب، سواء كان خريج أكاديميات أو معاهد تمثيل أو حاصلًا على دروس وتدريبات فى التمثيل، ويُسأل فى اختبارات الأداء عن التدريبات التى تلقاها ومع مَن. 

ونحن لدينا مشكلة حقيقية فى تعليم الفنون فى مصر، لأننا توقفنا عند مناهج بدايات القرن العشرين، فى حين تطورت هذه المناهج فى العالم.

■ هل نجحت فى نقل خبراتك إلى أجيال جديدة؟

- أقمت عدة ورش مع مدربين أجانب، كما أقمت عددًا من الورش لطلبة أكاديمية الفنون، رغم أنى لست من خريجى الأكاديمية، وقد فعلت ذلك انطلاقًا من إحساسى بالمسئولية، لكن هذا المشروع لم يستمر، لكنى ما زلت أرى أنه يجب استئنافه بوزارة الثقافة، لأنه نجح، وأثَّر فعلًا فى الطلبة، وعرّفهم بمناهج أداء حديثة لم يسمعوا عنها من قبل. 

وحاليًا، وطالما لا يوجد كيان فى الدولة يرغب فى احتضان مشروع بتلك الأهمية، فإنى أسعى لتنظيم ورش تدريبية بشكل مستقل تمامًا، تقوم على العلم والتدريب الجاد الذى يؤهل الممثل للتنافس عالميًا، فنحن لا تنقصنا الموهبة، لأن هناك سمات للشخصية المصرية تجعلها أكثر تواصلًا مع مشاعرها ومع عقلها الباطن، وأكثر انفتاحًا على داخلها من الشخصية الغربية، لكنهم متفوقون علينا بالحرفة. 

■ هل تقتصر تدريباتك على ممثلى المسرح؟

- منهج التمثيل الذى أستخدمه يصلح لممثلى السينما والمسرح، لكن أحيانًا تكون هناك كورسات إضافية للممثل أمام الكاميرا.

■ لماذا لا تقدمين على تأليف كتاب عن فن الأداء؟

- هذا أحد مشروعاتى بالتأكيد، لكن أغلب الخبراء كتبوا فى مرحلة متقدمة من العمر، وما زالت خبراتى تكتمل، وحتى أستطيع أن أبنى على تجارب الخبراء قبلى يجب أن تكون لدى إضافة ما وقدرة على تطوير المناهج لتصلح لنا كمصريين وعرب.

تاريخ الخبر: 2022-03-27 21:21:04
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

وطنى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

صباح الخير يا مصر..

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-27 09:21:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية